قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } النحل 105 ، حقاً إنها آية تقصم الظهور وتخلع القلوب من الصدور ،
فوجئت أثناء تصفحي بعض وسائل التواصل الاجتماعي بفيديو يتحدث فيه محمد علي الحسيني أمام مجموعة من عملاء نظام ولاية الفقيه في باريس بأباطيل وافتراءات كاذبة ضد المقاومة الإيرانية المعارضة لنظام الملالي ، فأنا على معرفة حقيقية بهم وبفكرهم الإسلامي الذي يعبر عن حقيقة الإسلام وينبذ الصراع بين المسلمين على خلفية طائفية أو مذهبية ، وهم يسعون إلى وحدة الأمة بجناحيها السنة والشيعة ، وأحضر سنوياً مؤتمراتهم وندواتهم منذ سنوات طويلة ؛ حيث أوفدني الرئيس الشهيد والقائد الرمز ياسر عرفات رحمه الله لحضورها ، لأنه يعتبرهم الممثل الحقيقي للشعب الإيراني الشقيق ، ولمعرفته الوثيقة العميقة بهم ، فمجاهدوهم تدربوا في معسكرات الثورة الفلسطينية وتأثروا بمبادئها وساندوا القضية الفلسطينية في المحافل الدولية ، وكنت ضمن الشخصيات السياسية والبرلمانية والدينية العديدة وعلماء السنة والشيعة من جميع دول العالم ، ومنهم رجل الدين الشيعي محمد علي الحسيني من لبنان .
كان الحسيني دائم الانتقاد لنظام ولاية الفقيه في إيران ، فكم أدلى من معلومات عن جرائمه ضد الشعب الإيراني ومعاناته استبداده وبطشه ، وكم أكد في كلماته المقروءة والمسموعة أن المقاومة الإيرانية برئاسة السيدة مريم رجوي هي الأمل الوحيد لإنقاذ الشعب الإيراني من النظام الفاسد ، وكم عبَّر عن شعور ملايين الإيرانيين الذين يعيشون على أمل إسقاط هذا النظام المستبد ، ويتطلعون إلى اليوم الذي سيقيمون فيه نظام حكم ديمقراطي يحقق لهم حياة الرخاء والازدهار والاستقرار ، وقد عبرت لي إحدى الشخصيات التي أثق بها عن شكوكها في هذا الرجل وكيف أنه يتقن الخداع بحيث جعل من نفسه محسوباً على بعض الدول والحكومات العربية ، بينما يقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت وهي معقل حزب الله للتمويه على مواقفه الحقيقية .
إن ما دعاني إلى كتابة هذه السطور أن الحسيني اعتقل في لبنان عام 2011 ، وتعرض لمحنة شديدة نتيجة التهم الخطيرة التي أسندت إليه وأمضى في السجن 34 شهراً ، فوقفتْ المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة الرئيسة مريم رجوي إلى جانبه ودافعت عنه وقدمت له ولعائلته المؤازرة والدعم الكامل مادياً ومعنوياً ، وواصلتْ ذلك حتى بعد خروجه من السجن ، وقد طلبوا مني مساندته في محنته ، فأصدرتُ حينها بياناً بتاريخ 31/5/2011م أطالب فيه الجهات المعنية بنشر الأدلة والبيّنات على قانونية اعتقاله واتهامه ، فإن عجزت فعليها الإفراج عنه فوراً ورد الاعتبار له ، وفي بيانٍ تالٍ بتاريخ 4/8/2011م طالبتُها بالإفراج عنه كونه رجل دين ولمناسبة شهر رمضان المبارك ولعدم وجود الأدلة على اتهامه كما أفاد محاميه ، ولكنهم لم يستجيبوا وواصلوا محاكمته .
إن اصطفاف الحسيني اليوم إلى جانب هذا النظام ضد المقاومة الإيرانية انقلاب واضح في مواقفه من النقيض إلى النقيض ، ويأتي بعد نجاح مؤتمرها السنوي العام الذي عقد في باريس مطلع هذا الشهر ، ويأتي في ظل التطورات الهامة التي تشهدها المنطقة وفي مقدمتها تقهقر نظام ولاية الفقيه بعد كشف مخططاته ومؤامراته ضد شعوب المنطقة في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين مقابل صعود وتقدم المقاومة الإيرانية التي تمثل نبراس الأمل للملايين من أبناء الشعب الإيراني المقهور ، وللشعوب العربية التي عانت الويلات واكتوت بنار القتل والتشريد لأبنائها وتدمير بلادها على يد نظام الملالي والميليشيات الموالية له .
وبناء على ما ذكرتُ فإنني أحذر جميع وسائل الإعلام والشخصيات والحكومات العربية والإسلامية من الانخداع بالحسيني ؛ فنظام الملالي يحاول التغلغل في الدول العربية والإسلامية من خلال أمثال هذا الشخص الذين يتنكرون بقناع معارضة النظام ؛ وبالأخص بعد أن شهدت الساحتان الإقليمية والدولية إخفاقات نظام ولاية الفقيه وتقدم المقاومة الإيرانية باعتبارها البديل الحقيقي والوحيد له ، وبعد نجاح دبلوماسيتها الهادئة المقنعة بنقل الأشرفيين من مخيم ليبرتي في العراق وعددهم 3500 من كبار قياديي المقاومة الإيرانية إلى خارج العراق ، وهذا بحد ذاته إنجاز عظيم للمقاومة على المستوى القانوني والسياسي والإنساني .
يضاف إلى ذلك الهزيمة النكراء التي مُني بها النظام في الانتخابات الرئاسية بفشله في إنجاح الملا إبراهيم رئيسي مرشح خامنئي ، جاء ذلك نتيجة الحراك الشعبي الذي قادته المقاومة الإيرانية في طهران وفضح دوره في قتل 30 ألف من السجناء السياسيين الإيرانيين عام 1988 في مجزرة جماعية نفذت بحقهم بناء على فتوى الخميني حينها ، هذا علاوة على مؤتمر القمة الذي عقد قبل شهرين في الرياض بحضور غالبية الدول العربية والإسلامية من أجل التصدي لنظام ولاية الفقيه وتدخلاته في دول المنطقة ودعمه الإرهاب في العالم ، ومطالبة مؤتمر القمة الإسلامي في استانبول العام الماضي بوجوب مقاطعته لتدخله في شؤون الدول العربية ودعمه الصراع على خلفية طائفية ومذهبية ؛ ناهيكم عن رحيل الإدارة الأمريكية السابقة التي قدمت كثيراً من التنازلات المجانية في سبيل إبرام الاتفاق النووي معه .
إنني لحرصي على بيان الحق والحقيقة كتبت هذه السطور لكشف بعض ما يقوم به نظام الملالي من خداع لأبناء الشعوب العربية والإسلامية مستغلاً عاطفتهم الجياشة ؛ وبالأخص ما يتعلق بالقضية الفلسطينية حيث يقوم بإطلاق الشعارات التي تغطي مخططاته الدموية الفاشية مثل شعار يوم القدس العالمي وشعار دول الممانعة وشعار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ، وشعار الموت لإسرائيل ، وغيرها من الشعارات البراقة ، قال تعالى { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }الإسراء 81 .
بقلم: الشيخ الدكتور تيسير التميمي
قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً عضو اللجنة العربية الإسلامية للتضامن مع المقاومة الإيرانية