تتواصل في سلطنة عُمان العديد من الفعاليات احتفاء بمقدم العام الهجري محملاً بعبق الذكرى العطرة لهجرة معلم البشرية، سيدنا محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.من جانبه اكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان ان هجرته (صلى الله عليه وسلم) كانت رحمة للعالمين. واشار الي ان ذكراها تنفع المؤمنين .وقال لعظم شأن الهجرة، أجمع المسلمون في عهد الخليفة الراشد عمر -رضي الله تعالى عنه- على أن يجعلوها ميقاتا تاريخيا ، لأن الأمة ولدت بالهجرة.وأوضح أن المسلمين كانوا قبلها أفرادًا وأوزاعًا مشتتين، ولكن الله تبارك وتعالى أراد بهذه الهجرة أن يجمع هذا الشتات، فتكونت هذه الأمة وكانت عزيزة، و منيعة، أمة حية، فانطلقت في أرجاء الأرض حاملة دعوة الحق إلى الخلق، وهذا يعني أن على هذه الأمة أن تعتز بهذا التاريخ وليس عدولها عنه إلى غيره إلا تنكرًا لماضيها ولما كان عليه سلفها.وأشار سماحته إلى أن الهجرة لم تكن أمرًا هيّنًا؛ لأنها لم تكن إلى قطر واسع الأرجاء مترامي الأطراف فيه كثير من الموارد والدخل، وإنما كانت إلى مدينة محدودة المساحة والموارد، وإذا بهؤلاء الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان يستقبلون أفواج المهاجرين كما يستقبلون أفرادا قليلين ويؤوونهم في ديارهم، ويؤثرونهم على أنفسهم وعلى أولادهم.و يشير سماحة المفتي إلى اهمية الحدث الذي نحيا تحت ظلال ذكرياته في هذه الأيام بمناسبة انسلاخ عام ، واستقبال الأمة آخر غيره، فهذا الحدث يجب أن لا نمر به مرورًا سريعًا عاجلًا، وليس اكتناف عظمته من خلال ذكر وقائعه فحسب ، ولكن تتجلى عظمته من خلال النظر في أبعاده، فإنه هيأه الله سبحانه وتعالى لأمر أراد بعباده، والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ما يشاء، فهذه الدعوة التي بعث بها رسول الله هي كدعوات سائر المرسلين من قبله تهدف إلى وصل الإنسان بربه، هذا الإنسان الذي اختاره الله سبحانه وتعالى من بين سائر مخلوقاته لأن يكون خليفة في الأرض وسيدا في الكون، وخلق له ما في الأرض جميعا وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه. وبيّن سماحته أن الهجرة لم تكن أمرًا هينا لأنها لم تكن هجرة إلى قطر واسع الأرجاء مترامي الأطراف فيه كثير من الموارد والدخل، وإنما كانت هجرة إلى مدينة محدودة المساحة محدودة الموارد، وإذا بهؤلاء الأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان يستقبلون هؤلاء المهاجرين، يستقبلون أفواج المهاجرين كما يستقبلون أفرادا قليلين ويؤوونهم في ديارهم، ويؤثرونهم على أنفسهم وعلى أولادهم، والله سبحانه وتعالى يذكر لهم هذه المحمدة ويخلدها في كلامه عندما قال عز من قائل : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). ولكن المهاجرين -مع هذا العرض الكريم ومع حاجتهم- أهل عفة وأهل نزاهة وطهارة، كانوا يحرصون على ألا يرزؤوا إخوانهم الأنصار شيئًا من أموالهم ولا شيئًا من أهليهم، بل يحرصون على الكدح معهم مع ما يقدمه الأنصار إليهم من خير ومن فضل بتوفيق الله تبارك وتعالى، وقد أراد الله سبحانه وتعالى تصفية هذه الطبائع، طبائع أولئك المهاجرين والأنصار بما شرعه من أحكام وقتية في ذلك الوقت، فمن هذه الأحكام المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار، كانت بينهما مؤاخاة يترتب عليها ما يترتب من التوارث، ويترتب عليها ما يترتب من العقل وتحمل المغارم، كانت هذه المؤاخاة .كمؤاخاة النسب، أراد الله تبارك وتعالى أن لا تكون الاستجابة لداعي الفطرة بإقامة العلاقات النسبية فيما بين الأقربين استجابة لداعي الجاهلية وإنما جاء ذلك استجابة لداعي الله سبحانه، فشرع أولا هذا التآخي ما بين المهاجرين والأنصار الذي يترتب عليه ما يترتب من الأحكام، وكان ذلك أمرًا وقتيًا إلى أن استقرت الأوضاع وقويت شوكة المسلمين وانمحت من الصدور تلك الأحقاد المتوارثة وتلاشت تلك العادات الجاهلية المألوفة، وتحابَّ الناس في ذات الله سبحانه وتعالى.ويضيف: إن العرب أنفسهم كانوا أهل ثارات وعداوات؛ وقد تأججت نار الخصام بينهم، وصار التعدي فيما بينهم أمرًا مألوفًا، فلا حياة إلا للقوي، أما الضعيف فإنه معرّض للتلف في أي وقت من الأوقات بسبب سيادة قانون الغاب، فلا شريعة تحكم بينهم، ولا نظام ينصف أحدا منهم الآخر، ينصف المظلوم من الظالم، إنما الناس مع القوي، فمن كان قويا كان هو الأولى بالحياة حسب ميزان الناس في ذلك الوقت.وكانت هذه العداوات مستحكمة في نفوسهم حتى أن الآباء والأجداد يورّثونه أولادهم وحفدتهم فترى الصغير ينشأ على هذه الكره وعلى الحقد وعلى هذه العداوة وعلى هذه البغضاء وعلى حب الانتقام من الغير، ويجعلون سفك الدماء ونهب الأموال واستباحة الحرمات من أكبر المفاخر التي يسجلونها في أدبهم الشعري والنثري وينشدونها في مجامعهم ونواديهم، لأنهم ليس لهم ميزان يفرق بين حق وباطل وبين هوىً وضلال، فقد عميت أبصارهم وبصائرهم وانطمست أفكارهم فلا يكادون يميزون بين ما هو مستحسن وغير مستحسن، لأن فطرهم تعفّنت وطبائعهم فسدت، وهكذا كان الشأن فيما بينهم .وقد استحكمت هذه العداوات وسيطرت على عقولهم وعلى قلوبهم وعلى أفكارهم وعلى وجدانهم، كما يعلم ذلك من خلال مطالعة سيرتهم، وقراءة أدبهم؛ والأنصار -الذين هيأهم الله سبحانه وتعالى لنصرة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وإيوائه، وإيواء إخوانهم في العقيدة المهاجرين، الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا – قد أخذوا بحظ وافر من هذه العداوات، فكان الصراع ما بين طائفتي الأوس والخزرج منهم صراعا مستحكما، والله تبارك وتعالى ينبئنا أنه بقدرته وحده هو الذي قضى على هذا الصراع وأتلف هذه العداوات التي كانت بينهم، فالله تبارك وتعالى يقول ممتنا على نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) فالله أصدق القائلين يخبر نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام بأنه لو أنفق ما في الأرض جميعا ما ألف بين قلوب هؤلاء الناس الذين استحكمت العداوات بينهم، فالحروب الطاحنة قد أتت على الأخضر واليابس من ثرواتهم، وأتلفت الوالد والوليد من نسلهم، وملأت صدورهم بالأحقاد، ولكن الله تبارك وتعالى غالب على أمره، فإذا بهذه القلوب المتنافرة تعود إلى التآلف وإذا بهذه البغضاء تتلاشى وتنغسل من هذه الصدور وتحل محلها المودة في ذات الله تبارك وتعالى فتآلفت هذه القلوب على حب الله.وقال: إن المهاجرين والأنصار تآلفوا تآلفا عجيبا، واستعلوا على كل الطبائع التي جبلت عليها النفوس البشرية من حب النفس والاستئثار، فإن الله تبارك وتعالى جعل هذه الهجرة ابتداءً من هذه النفوس، فالمهاجرون خرجوا من ديارهم وأموالهم وخرجوا من أولادهم وأهليهم، وتركوا مسارح أحلامهم ومناشئ طفولتهم إلى دار لم يألفوها ولم يسكنوها من قبل، والله تبارك وتعالى يخبر عنهم بقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).