ساحة جديدة انتقلت إليها المواجهة بين قطر والدول الأربع المقاطعة لها بعد أن اتهم سفراء مصر والسعودية والإمارات والبحرين لدى بريطانيا هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية (أوفكوم) بدعمها لتغطيات قناة الجزيرة (القطرية) ومنح القناة غطاء بريطانيا و”شرعية دولية”، في وقت تتحول فيه القناة إلى منصة دعاية لتنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة وأوروبا.
وقناة “الجزيرة” العربية منتشرة على نطاق واسع في بريطانيا، إذ يستطيع مئات الآلالف من العرب المقيمين مشاهدتها عبر بعض أجهزة البث المحلية، دون الحاجة لأجهزة بث متصلة بالقمرين نايل سات أو عرب سات.
وركز سفراء دول المقاطعة على تعمد القناة انتهاج سياسة تعكس “نظرة إيجابية أو تعاطفا” خلال تغطياتها لأخبار تنظيم داعش، وهو ما يتضمن أحيانا الإشارة إلى التنظيم كـ”منظمة”، بدلا من وصفه كجماعة إرهابية. وقالوا إن الجزيرة تبحث عن شرعية، باعتبار أن “أوفكوم” تنظم أيضا عمل “الجزيرة” الإنكليزية.
وقال متحدث باسم “أوفكوم” إن الهيئة “أرسلت نص الشكوى إلى هيئة حكومية مماثلة في إيطاليا، حيث حصلت الجزيرة الناطقة باللغة العربية على رخصة البث”، باعتبارها تحتاج إلى “النظر بشكل عاجل”.
ووفقا للوائح تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني في أوروبا، ستنتقل الشكوى إلى هيئات أوروبية للتحقيق في ما إذا كانت “الجزيرة” قد خالفت القواعد الأخلاقية والتنظيمية للبث، عبر إذاعة مواد تحرض على العنف والكراهية، أو دعم جماعات تتبناهما.
وقال سفراء الدول الأربع، وفقا لنص الشكوى، إن “شبكة الجزيرة أصدرت عدة بيانات مكررة بهدف إعطاء الانطباع بأن كل خدماتها التلفزيونية مرخصة من قبل أوفكوم، أو أنها تعمل وفقا لمعايير الهيئة البريطانية”.
وتقول مصادر إن سفراء الدول الأربع طالبوا “أوفكوم”، بالتحقيق في خمس نقاط محددة متصلة بتغطيات موثقة بالتواريخ والأحداث وطريقة تعاطي الجزيرة معها.
ومن بين هذه البنود الخمسة تقرير بثه تنظيم داعش وأذاعته القناة يوم 11 أبريل الماضي، ويظهر عمليات قنص لجنود مصريين في سيناء. وأذاعت القناة تقريرا آخر يظهر تفاصيل إعدام جندي مصري بإطلاق الرصاص عليه، إلى جانب قتل مدني آخر ذبحا.
وتبنى التقرير مزاعم التنظيم بـ”هدم المدفعية المصرية للمنازل على رؤوس أطفال سيناء”، إلى جانب بث شريط مصور يدعو فيه الجندي الجيش إلى عدم إرسال المزيد من الجنود لقتال التنظيم في سيناء.
وبحسب نص الشكوى، وفي حلقة من برنامج “الاتجاه المعاكس″ أذيعت في 13 سبتمبر 2016، سأل مقدم البرنامج فيصل القاسم ضيفه عبدالمنعم زين الدين، أحد قادة المعارضة السورية، “لماذا لا تقاتل قوات المعارضة في مناطق الشيعة؟”.
وفي 15 ديسمبر 2015 أذاعت القناة نقاشا بعنوان “خطر المقاتلين الأجانب في صفوف داعش على دولهم”، وبثت شريطا مصورا لمتحدث باسم التنظيم يدعو فيه أنصاره في أوروبا إلى شن هجمات على غير المسلمين، وإلى عزل الأميركيين والفرنسيين واستهدافهم.
وستضع هذه الشكوى “أوفكوم” في موقع دفاعي، إذ قالت تقارير سابقة إن “أوفكوم” توفر حماية لـ”الجزيرة” من انتقادات وجهها سياسيون وإعلاميون ونشطاء في بريطانيا للقناة.
وقال جيرارد رسل، الباحث والدبلوماسي البريطاني السابق، لـ”العرب” إن “هذه شكوى تتطرق إلى مواضيع مهمة للغاية وأسئلة علينا جميعا أن نجد إجابات عليها، منها من أين يأتي التطرف؟”.
وأضاف رسل، الذي يتحدث العربية بطلاقة، “أنا شاهدت بنفسي تقارير بثتها ‘الجزيرة’ العربية على مدار سنوات تثير القلق، وتتجاوز حرية التعبير إلى التحريض على العنف”.
وكان هذا سببا في إدراج الدول الأربع مطلب إغلاق قناة الجزيرة العربية ضمن 13 مطلبا تقدمت بها إلى الوسيط الكويتي، بعد فرض مقاطعة على قطر، مالكة قنوات “الجزيرة”، في 5 يونيو الماضي.
وأحدث هذا المطلب موجة تردد عالمية، بعد أن استغلته قطر لشن حملة علاقات عامة لترويج “المظلومية”، واتهمت دول المقاطعة بمحاولة التضييق على حرية التعبير.
لكن اليوم يبدو أن مؤسسات رسمية وشعبية في الغرب بدأت تقتنع بأن “الجزيرة” ليست لها علاقة بحرية التعبير، بل تستخدمها في ترويج أجندات التنظيمات المتشددة لزعزعة استقرار أوروبا والشرق الأوسط.