كان مصطفى بشير يتابع مباراة ضمن تصفيات كأس العالم في إحدى الحانات عندما دخلت جماعة بوكو حرام بلدة أمشيد التي تقع في إقليم أقصى الشمال في الكاميرون. وعندما غادر الجهاديون البلدة كانوا قد قتلوا 30 شخصاً وأحرقوا المنازل والأعمال التجارية.
لم يتعرف بشير، الذي يبلغ من العمر 22 عاماً، آنذاك على أي مسلح لأنه كان منشغلاً في الهروب. ولم يكن يتوقع أن يعرف أياً منهم أيضاً. فجماعة بوكو حرام هي مجموعة مسلحة نيجيرية إلى حد كبير، تتبنى حلولاً إسلامية متشددة للمشاكل التي تعاني منها نيجيريا.
دخل المسلحو التابعون لبوكو حرام أمشيد في قافلة من الشاحنات الصغيرة، وفروا عبر الحدود المشتركة عندما وصلت كتيبة التدخل السريع الكاميرونية. حدث ذلك قبل ثلاث سنوات، عندما كانت بوكو حرام في طور التحول إلى مشكلة إقليمية تهدد تشاد والنيجر كذلك.
لكن بوكو حرام وجدت لها موطئ قدم في إقليم أقصى الشمال في الكاميرون. وفي الوقت الذي صعدت فيه الجماعة هجماتها، بدأ البشير يسمع عن أصدقاء وزملاء دراسة يقتلون على يد قوات الأمن خلال معاركها مع المسلحين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يختار الشباب الكاميروني الانضمام إلى جماعة جهادية شكلتها الظروف في نيجيريا؟ ولماذا لا تزال هذه الجماعة المتمردة المعروفة بشدة عنفها وبطشها تجد أشخاصاً على استعداد للانضمام إليها؟
الأمر يتعلق بالمال
يعد إقليم الشمال الأقصى أفقر أقاليم الكاميرون العشر، وهو يعاني من انخفاض مزمن في معدلات الالتحاق بالمدارس ومن ندرة فرص العمل في القطاع الرسمي وخاصة بالنسبة للشباب.
وتعتبر هذه الظروف مماثلة لتلك التي تشهدها منطقة شمال شرق نيجيريا، مهد بوكو حرام. وقد استخدم الإسلاميون هناك استراتيجية تجنيد مجربة ومختبرة ترتكز على الاغراء المادي بعد أن أظهرت فعاليتها في بلدهم.
وعن ذلك قال بشير: “قبل أن تبدأ بوكو حرام بتنفيذ هجمات عنيفة في الكاميرون، جاء مقاتلوها إلى مجتمعاتنا ووعدوا الشباب الذين سيتبعونهم الى نيجيريا بالثروة والمكانة الاجتماعية… لكننا رفضنا نحن طلاب المرحلة الثانوية هذا العرض”.
لكنه قال أن الشباب غير الملتحقين بالمدارس “الذين كانوا يبيعون الوقود المخلوط بالماء من نيجيريا والأقمشة الواردة من ماروا [العاصمة الإدارية]، أو الذين كانوا يشتغلون في الزراعة وتربية الماشية، قبلوا العرض. وقد حصلوا على دراجات نارية ومقاعد في المدارس الاسلامية في نيجيريا”.
وهذه هي طبقة صغار التجار الشباب ذاتها التي كانت تعاني من ظروف معيشية سيئة ,انخرطت في صفوف بوكو حرام في نيجيريا.
ضحايا العنف
شنت بوكو حرام هجومها الأول في الكاميرون في مارس 2014. ومنذ ذلك الحين قامت بتنفيذ 510 هجمات على الأقل، وفقاً لتقرير المجموعة الدولية للأزمات الصادر في نوفمبر 2016. وقد حشدت الجماعة في البداية المقاتلين لشن الغارات لكنها باتت تعتمد بشكل أكبر الآن على العبوات الناسفة والانتحاريين.
وأفاد التقرير أن “معظم الهجمات الانتحارية نفذت من قبل فتيات صغيرات. وقت تسببت تلك التي وقعت بين يوليو 2015 وأكتوبر 2016 بمقتل 290 شخصاً على الأقل وإصابة أكثر من 800 آخرين”.
وتفيد تقارير وسائل الإعلام الحكومية أن العنف تسبب في مقتل 2,000 شخص ونزوح 200,000 آخرين، كما كبد البلاد خسائر في الإيرادات بقيمة 18 مليون دولار بسبب تعطل التجارة على طول الحدود الشمالية.
ويحكم الرئيس بول بيا البلاد من العاصمة البعيدة ياوندي منذ 35 عاماً. وقد اتسمت الفترة التي قضاها في منصبه بمزاعم متعلقة بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.
وبالإضافة إلى سوء الحكم والإهمال الذي يعاني منه إقليم أقصى الشمال ذو الغالبية المسلمة تشعر بعض المجتمعات العرقية بما في ذلك الكانوري بنقص التمثيل.
وقال أستاذ في جامعة ماروا، رفض الكشف عن اسمه أن “هؤلاء هم المجموعات التي تشعر بالاستبعاد من الحكم المحلي والوطني”. وفي هذا السياق كانت بوكو حرام بالنسبة للبعض رداً مباشراً على تهميشهم.
من جهته، أفاد أدر أبيل غودا، وهو محاضر في الجامعة ذاتها والمؤسس المشارك للمنظمة غير الحكومية مبادرة السلام الأفريقية أن الحكومة فشلت في ملاحظة العلامات التحذيرية.
وكان غودا قد قدم دراسة للسلطات تبين أن 600 شابٍ غادروا مدينة مورا الشمالية إلى نيجيريا في 2012 وتم تجنيدهم من قبل جماعة بوكو حرام. وقد تم تجاهل هذا الأمر إلى حين وقعت حادثة اختطاف عائلة فرنسية في 2014 من قبل جماعة أنصار، وهي فرع من جماعة بوكو حرام.
وأخبر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه “بعد الاختطاف فقط قام جنرال من الجيش بالاتصال بي واقترح البدء في عملية مكافحة التطرف”.
ويتمثل نهجه في التركيز على المساعدات الاجتماعية الموجهة من خلال حركته الشبابية، ديناميات الشباب لتنمية الكاميرون والنهوض بها.
تقدم المنظمة الغذاء والمدخلات الزراعية للنازحين والمجتمعات الضعيفة على طول الحدود، فضلاً عن تنظيم الفحوصات الطبية مع العاملين الصحيين الحكوميين.
وقال جودا: “لقد اخترنا النهج الإنساني لمكافحة التطرف لأنني اعتقد أنه إذا كانت رسائلنا الرادعة قاسية، فلن يستمع لها القرويون … ولذلك بدلاً من الحديث عن بوكو حرام، علمناهم أن التعليم هو المستقبل”.
التنظيم
وقد تم تعبئة مجموعات من الشباب في إقليم أقصى الشمال من خلال برامج مماثلة تركز على التنمية والعدالة الاجتماعية. ومن هذه البرامج زاوية الشباب المحلي في الكاميرون.
وقال مؤسس هذه المنظمة ويدعى أشاليكي كريستيان أن “مشجعي التطرف يصيغون رسائل حول المظالم وفشل الحكومة والدين في إشراك الشباب”.
“أما نحن فننشر رسائل مفادها أن العنف ليس الحل لهذه المشاكل … كما أننا نحث الحكومة على لعب دورها في اجتثاث العوامل التي تدفع إلى التطرف”.
وأضاف كريستيان أن ظهور منظمات المجتمع المدني التي يقودها الشباب يثبت أن الشباب ليسوا المشكلة. وهناك الكثير من هذه المنظمات لدرجة أن منظمته تعد قائمة لتتبع أكثرها نشاطاً.
نجا تومبا هامان البالغ من العمر 21 عاماً من الهجوم الذي وقع في أمشيد. وكان بعض أصدقائه وجيرانه من بين الأشخاص الذين انضموا طوعاً لبوكو حرام، وعن ذلك قال: “كانوا يقتنعون بسهولة لأنهم كانوا غير متعلمين وفقراء”.
ويحاول هامان الآن أن يفعل شيئاً حيال ذلك. فقد شكل مع مجموعة من أصدقاء الجامعة منظمة تحث الشباب على البقاء في المدرسة بدلاً من ترك التعليم والبحث عن وظائف صغيرة.
والفكرة التي يروجون لها هي أن التعليم يمكن أن يؤمن لهم سبل عيشهم ويساعدهم على تجنب إغراءات بوكو حرام.
وأوضح هامان أن 10 شبان في بلدته فقط أنهوا الدراسة الثانوية. “نريد أن نعود ونشجع أقراننا على الذهاب إلى المدرسة. أشعر أنني مدين لمجتمعي”.