عند سماعي خطاب الرئيس دونالد ترمب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، خصوصاً عندما وصف اتفاقية إيران النّوويّة بأنها أسوأ اتفاقيّة رآها في حياته، وقفت متأملاً حيث صادق ترمب على استمرار تعليق العقوبات ضد طهران، حتى يقرّر البيت الأبيض في 15 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل حول وفاء إيران بالتزاماتها.
من المؤكد أنه ستكون هناك مناقشات ساخنة وحادّة في الشهر المقبل عن كيفية رد ترمب، ومن المرجح أن الرئيس الأميركي سيصادق على امتثال إيران للاتفاق النووي، وستستمر إيران في إنتاج 4.5 مليون برميل نفط يومياً، وفي هذه الحالة ستستمر سيطرة طهران على أربع عواصم عربية والتدخل في شؤون المنطقة. كما نصح مسؤولون في الخارجية والأمن القومي والدفاع الأميركي، الرئيس ترمب بأن يلتزم بالاتفاقية النّووية. بالمقابل هناك أصوات داعية للتشدد، منها ريتشارد غولدبيرغ المساعد السابق في الكونغرس الأميركي منذ فترة طويلة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ إيران، حيث يؤكد أن طهران غير ملتزمة بتعهداتها في الاتفاقيّة النّوويّة.
غولدبيرغ يرفض نظرية أن تقوم إيران بصنع القنبلة النووية في 12 شهراً ف حال خروجها من الاتفاقية، ويؤكد أن ذلك غير صحيح. ويرى أن إعادة العقوبات خصوصاً استهداف قطاعي المصارف والنفط الإيرانيين، ستؤدي إلى خنق طهران قبل وصولها إلى القنبلة النووية، حيث استهداف النفط والمصارف سيشل الاقتصاد الإيراني.
من جهة أخرى، هناك من يؤيد الاتفاقية، بمن فيهم كبار المسؤولين والدبلوماسيين السابقين في إدارة أوباما وبعض اللّيبراليين الآخرين المدعومين من اللوبي الإيراني، حيث يسعون إلى الضغط على ترمب لإبقاء الاتفاقية.
المشكلة هي أنه حتّى لو كانت الولايات المتّحدة أكدت عدم امتثال إيران في أكتوبر المقبل، لا يمكنها أن تعيد فرض العقوبات ضد إيران بسبب عدم تعاون الاتحاد الأوروبي والصّين وروسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبيّة والأمم المتحدة. الأمر الذي يبقي طهران تهديداً للمنطقة.
الواقع أن العقوبات ضد إيران لن تنجح إلا إذا كانت تستهدف النفط والبنوك والخدمات المالية.
هنا يمكن للبلاد العربيّة المستهدفة إيجاد طريقة بديلة لفرض عقوباتها الإقليمية من خلال النفط والبنوك، حيث إنها قابلة للتنفيذ، ولا تنتظر لعبة القط والفأر بين الغرب وحكومة الملالي.
تواجه دول الخليج العربية تهديداً وجودياً، حيث قامت إيران بتثبيت الصواريخ الباليستية في اليمن، والتي يمكن أن تضرب دولاً عربية بسهولة. وتقوم إيران بصناعة الصّواريخ الذكية في سوريا، وتطور القذائف الخارقة (إي إف تي) في العراق، بعض منها قد تم استخدامه في البحرين. كما أن إيران مستمرة في مشروعها النّوويّ، وتقوم بشراء وبيع الموادّ النووية والماء الثّقيل من مراكز سرية في المنطقة وتهدد الملاحة في باب المندب، وتبني ممراً من حدوده الغربية إلى العراق وسوريا ولبنان. المشكلة تبدو حادة تتطلب من العرب اتخاذ تدابير دفاعية، فما التدابير لمواجهة طهران؟
اقتصادياً إيران تعتمد على تصدير النفط. وهذا يعني أنها تحتاج إلى النقل والتأمين والتسويق واستخدام المؤسسات المالية. وهناك طرق مختلفة لمواجهة تصدير نفط طهران أهمها انخفاض أسعار النفط، التي ستؤدي إلى إفلاس إيران.
خلال فترة بحوثي في أرشيف «أوبك» في فيينا حول أطروحتي للدكتوراه عن «دور إيران في منظمة أوبك»، تأكدت أن طهران فوضوية دائماً ومنذ البداية عملت ضد المصالح العربية في هذه المنظمة.
منظّمة أوبك المكونة من 14 دولة، ثلثا نفطها يتم إنتاجه من 6 بلاد شرق أوسطيّة عربيّة، 7 من أعضائها من العرب تنتج وتصدر أكثر من 25 مليون برميل يومياً مقابل 4.5 مليون برميل لإيران. من المهم انخفاض تصدير نفط إيران من المقدار الحالي إلى أقل من مليون برميل يومياً.
عندما انخفضت صادرات النفط الإيرانية في سبتمبر (أيلول) 2012 إلى 860 ألف برميل، أصبحت إيران على حافة الانهيار. وهو الأمر الذي أجبر خامنئي على أن يتوسل بالولايات المتّحدة عن طريق سلطنة عمان، ووافق على الاتفاقية لرفع العقوبات، إذ إن إيران وصلت إلى درجة لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها الأساسية تجاه شعبها، مثل دفع رواتب الموظفين الحكوميين، بمن فيهم المهندسون في منظّمة الطاقة الذرية.
من المهم أن يهتم مجلس التّعاون الخليجيّ بمشروع مواجهة إيران عن طريق النفط والمصارف. مجلس التّعاون الخليجي في سنواته الـ30، لم يعمل بكامل طاقاته، قياساً بالاتحاد الأوروبي، رغم أنه أكثر قدماً من الاتحاد الأوروبي، مع ذلك أسس بنية تحتية وتجارية كبيرة يمكن أن يستغلها للدفاع عن وجوده.
على هذه الدول أن تجرب الضغط على شركات التأمين لعدم التعامل مع أسطول ناقلات النفط الإيرانية.
خلال العقوبات الماضية، التخلي عن تأمين ناقلات البترول الإيرانية أثّر على 95 في المائة من أسطول ناقلة البترول، وأدى ذلك إلى زيادة التكاليف وتحديد تعاملات بيع وشراء النفط الإيراني.
في حال انخفضت أسعار النفط ستكسب الدول العربية زبائن النفط الإيراني في الغرب وفي آسيا مقابل الحصول على صفقات.
تقوم شركة الحماية الدولية في التأمين والتعويض (بي آند آي) بتأمين النفط الإيراني، ويمكن للدول العربية الخليجية الضغط على هذه الشركة بعدم التعامل مع إيران، إذ إن طهران دائماً ما تخفي هوية ناقلاتها، وهو ما يعارض قوانين البحرية الدولية.
الدول الخليجية لديها القدرة على تخفيض أسعار النفط بأقل الخسائر، حيث يمكن أن تعتمد على صناديقها السيادية الوطنية الضخمة، وهذه إحدى طرق مواجهة التهديد الإيراني.
قبل رفع العقوبات، كانت مصارف إيرانية ضمن القائمة السوداء العالمية، من بينها بنك سبه وبنك صادرات وبنك ملي وأريان. هذه المصارف لا تزال تنشط في بعض الدول الخليجية ويمكن الضغط عليها بسهولة.
بعد أن تخلت «سويفت» عن التعامل مع إيران، اضطرت طهران للاستعانة بالأموال النقدية والذهب، الأمر الذي جعل إيران تواجه صعوبات كبيرة بسبب اعتماد اقتصادها على تصدير النفط.
أخيراً أقول إنه لا يمكن لأي جهة اقتصادية دولية الاستغناء عن التعامل والتجارة مع دول مجلس التعاون الخليج العربي، مقابل التعاون والتعامل مع دولة مارقة مثل إيران.
* الكاتب ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران