أكدت مصادر دبلوماسية موريتانية أن المغرب أبلغ رجل الأعمال المعارض للرئيس الموريتاني والمقيم في مراكش، محمد ولد بوعماتو، بـ”أنه شخص غير مرغوب فيه” وذلك بعد سنوات من اختياره لمدينة مراكش كمنفى اختياري بعد خلافه مع الرئيس محمد ولد عبدالعزيز.
وأضافت أن المغرب أبلغ السلطات الموريتانية بأن ولد بوعماتو لم يعد موجودا في المغرب منذ فترة، وهو ما فهم على أنه محاولة من المغرب لإعادة موريتانيا إلى موقف الحياد، ومنعها من التحالف مع الجزائر.
وسبق للحكومة الموريتانية أن اشتكت مما اعتبرته أنشطة سياسية وإعلامية dحتضنها المغرب ولا تخدم علاقات نواكشوط والرباط وتجلب ضررا كبيرا للبلدين.
ويرى محمد الزهراوي الباحث في العلوم السياسية أن هذا التحول يشير إلى بداية انفراج العلاقة بين البلدين بعد الأزمة الصامتة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر.
وفي تطور لافت، بحسب ما نشرته صحيفة “العرب” اللندنية، أعلنت موريتانيا والجزائر الشهر الماضي استعدادهما لفتح معبر الزويرات-تندوف، وهو ما اعتبره مراقبون محاولات للضغط على المغرب اقتصاديا وتشديد الخناق على طموحاته الاقتصادية والتجارية والسياسية مع دول القارة الأفريقية.
لكن متابعين يتوقعون أن تؤدي هذه الخطوة إلى انفراج للأزمة الصامتة بين البلدين، حيث قالت وسائل إعلام موريتانية إن “الخطوة المغربية من شأنها أن تؤدي إلى حلحلة الأزمة بين البلدين؛ على أن يبدأ ذلك بموافقة موريتانيا على السفير المغربي الجديد المعين حديثا في نواكشوط حميد شبار”.
وأشار الزهراوي في تصريح لـ”العرب” إلى إمكانية أن تكون هنالك مفاوضات لم يتم الإعلان عنها أفضت إلى توقيع صفقة يتم من خلالها احتواء الأزمة عبر تقديم تنازلات من طرف المغرب وموريتانيا.
وتابع “وذلك بطرد المعارضين الموريتانيين من المغرب مقابل عودة النظام الموريتاني إلى موقعه الأصلي في نزاع الصحراء واعتماد الحياد والتوازن في العلاقة بين المغرب والجزائر”.
وبحسب الزهراوي فإن المغرب يستبق بهذا “التنازل التكتيكي” الخطوات والسياسات العدائية التي بات ينتهجها النظام الموريتاني الحالي والتي قد تؤسس لأزمة تمس التوازنات الراهنة بخصوص قضية الصحراء المغربية، لذلك فإن المغرب يدرك أن فتح هذا الباب ليس سوى مناورة جزائرية لخلط الأوراق.
لكن مصدرا من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية استبعد أن تكون هناك علاقة لقرار ترحيل ولد بوعماتو بحالة الفتور الدبلوماسي الذي تعرفه علاقات البلدين منذ فترة.
واعتبر خالد شيات الباحث في العلاقات الدولية أن وجود ولد بوعماتو بالمغرب لا يتعلق بالبعد الدبلوماسي بل بالإطار القانوني الذي يحدد ضوابط دخول وإقامة الأجانب بالمغرب الذي يفترض شروطا قانونية وجب احترامها.
وأكد شيات في تصريح لـ”العرب” أن السلطات المغربية تعتبر الترحيل غير مرتبط بتحسين العلاقات مع موريتانيا، في حين أن المغرب يحتاج في المرحلة المقبلة إلى تفكيك الترابط الجزائري الموريتاني وإعادة التوازن إلى العلاقات مع موريتانيا.
ويأتي ترحيل المعارض ولد بوعماتو في خضم التجاذب الحاد بين النظام الموريتاني ومعارضيه الذين رفضوا الاستفتاء على الإصلاح الدستوري في 5 أغسطس الماضي. وربط القضاء الموريتاني بين معارضي الداخل ومحمد ولد بوعماتو حيث وجه للمتهمين تهم حيازة أموال موجهة من طرف ولد بوعماتو الذي أصدرت ضده مذكرة اعتقال.
وأصدر القضاء الموريتاني في سبتمبر المنقضي مذكرة اعتقال دولية في حق المعارض الموريتاني، وفي حق مدير أعماله محمد ولد الدباغ، بتهمة تقديم رشاوى لعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الموريتاني، إضافة إلى نقابيين وإعلاميين موريتانيين.
ويمثل نفوذ بوعماتو المالي وعلاقاته المالية والسياسية المتشعبة في عواصم عربية وغربية ومنها باريس بالخصوص مصدر إزعاج للرئيس الموريتاني.
وقال مراقبون للشأن السياسي الموريتاني إن إنشاء مؤسسة لإدارة الممتلكات المجمدة والمضبوطة والمصادرة وجمع الأصول الإجرامية التي تم الإعلان عنها الشهر الماضي خطوة أخرى للتضييق المالي على المعارضة رغم أن الحكومة أكدت أن المرسوم المنشئ لهذه المؤسسة يعتبر جزءا من تنفيذ قانون لمكافحة الفساد اعتمد في عام 2016.
واستنكرت المعارضة هذا الإجراء واصفة إياه بأنه مقدمة لمصادرة ممتلكات محمد ولد بوعماتو مع احتمال تأثير خطير على الثقة بالدولة والعدالة، وهو ما سيؤدي إلى هروب رؤوس الأموال والمستثمرين.
واتهم رجل الأعمال اعزيزي ولد المامي النظام بالتضييق على رجال الأعمال، كبارا وصغاراً، تباعا وبشكل منهجي، مؤكدا أنهم تعرضوا للاعتقال وتم حرمان العديد منهم من الصفقات العمومية وخرق إجراءاتها عند مشاركتهم فيها.
وأضاف ولد المامي أن علاقة النظام بمحمد ولد بوعماتو نموذج لأزمة الثقة الحاصلة مع رجال الأعمال، “فالرجل مستثمر ناجح طور ثروته على مدى عقود من العمل الجاد في قطاعات عديدة”.
وتابع “ولد بوعماتو ظل متوازنا في علاقاته مع النظام والمعارضة، وذلك رغم مصالحه الجلية وإن وجوده اليوم في المنفى يعتبر خسارة كبيرة للبلاد”.
ويقول متابعون إن النظام الموريتاني أصبح رهينة في يد النظام الجزائري ويحاول بكل الوسائل تخفيف الضغط الداخلي عليه وعينه على الانتخابات الرئاسية لعام 2019، رغم فشله في معالجة العديد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ويعتقد محمد الزهراوي أن قرار المغرب يهدف إلى منع تقارب النظام الموريتاني مع الجزائر، بعد أن ظهرت عدة مؤشرات تؤكد اختراق الجزائر لهذا النظام وسعيها المتكرر لجعل موريتانيا طرفا مؤثرا ومعاديا لمصالح المغرب.