بعد أن كانوا مبادرين تاريخيا لاجراء مفاوضات نووية مع ايران، يواجه الاوروبيون، الشركاء الاقتصاديون لطهران، مخاطر خسارة الكثير في حال أعيد طرح اتفاق فيينا على بساط البحث، لذلك يسعون للحفاظ على مكتسبات النص الذي يعتبرونه حاسما بالنسبة الى الأمن الدولي.
ومنذ أشهر عدة، تتابع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، القوى الأخرى الموقعة على الاتفاق، بقلق المؤشرات التي تصدر عن البيت الأبيض.
وفي حين يقترب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من اتخاذ قرار حاسم بشأن الاتفاق النووي، كثفت فرنسا وبريطانيا وألمانيا في الأسابيع الأخيرة، التواصل والاجتماعات وحملات الضغط على الادارة الأمريكية.
ومن المفترض أن يؤكد ترامب من الآن حتى الأحد اذا كانت طهران تحترم التزاماتها واذا كان اتفاق 2015، الذي يضع البرنامج النووي الايراني تحت مراقبة مكثفة مقابل رفع تدريجي للعقوبات الأمريكية، يرعى المصالح الوطنية للولايات المتحدة.
وطبقا للمؤشرات الظاهرة، فإن ترامب لن “يؤكد” التزام ايران، وهو قرار لا يعني موت الاتفاق، لكنه سيضعف آلية تم التوصل إليها بعد طول مشقة وعقد من التفاوض.
وخلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، أشاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بمزايا الاتفاق أمام الرئيس الذي لا يمكن التنبؤ بمواقفه. لكن يبدو أن ذلك كان من دون جدوى. فقد ذهب ماكرون الى حد الاعتراف بأنه “لا يفهم” الاستراتيجية التي تتبعها واشنطن.
تتركز الجهود إذن على الكونجرس الأمريكي الذي سيرث هذا الملف المتفجر.
ففي حال لم “يؤكد” ترامب التزام ايران بالاتفاق، سيكون لدى الكونجرس مهلة 60 يوما لاتخاذ القرار، بشأن الابقاء على رفع العقوبات أو إعادة فرضها على طهران.
وضاعف الدبلوماسيون الأوروبيون في واشنطن، في الأسابيع الأخيرة، اللقاءات مع القادة الجمهوريين وكذلك الديموقراطيين.
وأكد المتحدث باسم الخارجة الألمانية راينر برويل في بداية الأسبوع أن “سفارتنا تتعامل مع السلطة التشريعية. تسعى الى اقامة حوار مع الكونغرس وتتحدث معه لعرض حججها وشرح لماذا تعتبر الاتفاق الايراني انجازا”.
وقال دبلوماسي أوروبي “توجد حلول قانونية، بما في ذلك في آليات الاتفاق نفسه حول اعادة فرض العقوبات. لكن المسألة هي قبل كل شيء سياسية”، مشيرا إلى أن “هذا الاتفاق هو أيضا صفقة ترتكز على الثقة”.
وتبقى هذه الثقة نسبية لكنها حاسمة بالنسبة للأوروبيين الذين استعادوا موقعهم بعض الشيء، في السوق الإيرانية. فقد وقعت الشركات الفرنسية “توتال” و”رينو” و”بيجو” وشركة “سيمنس” الألمانية بالإضافة إلى مصنّع الطائرات الأوروبي “ايرباص”، عقودا مغرية.
لكنها لا تزال مترددة في الاستثمار، بعد نحو سنة على بدء تنفيذ الاتفاق، بسبب احتمال أن تطال العقوبات الأمريكية الخارجية، بعض المبادلات.
وقال دبلوماسي أوروبي ساخرا ان “الاستثمار في ايران ليس كالاستثمار في النرويج. وفي حال فرض الكونجرس عقوبات جديدة في المستقبل القريب، لا أرى كيف سيمكن لمدير أي شركة أن يقول لمجلس إدارته ان الشركة لديها مشاريع في ايران”.
يرى الباحث تييري كوفيل من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (ايريس) أن الأوروبيين يدرسون احتمال اعادة تفعيل الإجراءات التنظيمية والقانونية التي اتخذت عام 1996 لمواجهة قانون داماتو الأميركي (قانون العقوبات على ايران وليبيا)، الذي فرض عقوبات على الشركات التي تستثمر في قطاع الطاقة في ليبيا وايران.
وأوضح كوفيل “في حال فرضت عقوبات جديدة، سيصبح الوضع معقد جدا. يجب على الأوروبيين أن يقفوا في جبهة موحدة وأن يحاولوا اقامة حزام أمان مع الروس والصينيين”، الذين لديهم أيضا مصالح يدافعون عنها.
على المستوى السياسي، يشدد الأوروبيون على خطر تأزم الوضع مع ايران، في وقت يتصاعد التوتر بشكل خطير في ملف كوريا الشمالية النووي.
وأعرب دبلوماسي أوروبي كبير عن خشيته من أن اعادة البحث في اتفاق فيينا، الذي يتفق الجميع على أن ايران ملتزمة به، “ستبعث رسالة (الى مسؤولي كوريا الشمالية) تقول: لا تفاوضوا، لا تفاوضوا خصوصا مع الغربيين، لأنهم لا يحترمون كلمتهم”.
وحاولت فرنسا أن تقترح مسارات أخرى عبر اقتراح بحث النفوذ الإقليمي الإيراني وبرنامجها البالستي. لكن لا يمكن اعادة التفاوض بشأن الاتفاق نفسه، حسب ما يؤكد المسؤولون الأوروبيون.
وشدد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الثلاثاء على “أننا لم نخف يوما قلقنا من دور إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، لكنني لا أزال مقتنعا بأن الاتفاق النووي هو انجاز تاريخي جعل من دون شك، العالم أكثر أمانا”.