يكادُ لا يذكرُ التاريخ اللبنانيّ مُعارِضاً شيعيّاً تبوّأ مِقعد الطائفةِ تحت قِبّةِ البرلمان اللبنانيّ، الذي يُفترضُ أن يكون للجميع، منذ عقود، ولعبت قوانينُ الانتخابِ العوجاءَ دورها بتسليم مفاتيحِ القرارِ الشيعيّ بِقاعاً وجنوباً لحزبِ الله وحركة أمل.
ولكن كما في كلِّ انتخاباتٍ نيابيّة، ومن دونِ ملل، تتأهّبُ المُعارضةُ الشيعيّة الطّامحةِ للتغييرِ لتخوض المعركة بأملِ قطع الطريقِ على المحادلِ الانتخابيّة، في ظلِّ ظروفٍ شَرِسةٍ وثنائيّاتٍ أشرس، لا تحمل سلاحاً غير أملِها بإحداثِ تعديلاتٍ ولو بسيطةٍ في خارطةِ أمرِ الواقع الشيعيّ اللبنانيّ.
ولكن ماذا عن المعركةِ تحت رايةِ قانونِ الانتخابِ الجديد، كيف تتحضّرُ المُعارضةُ الشيعيّة لخوضها، ماذا عن التحالفات، وهل من توقّعات بالخرق؟
تضمُّ دائرة بعلبك الهرمل 10 مقاعدَ نيابيّة، يتوزّعون بين (6 للشيعة، 2 للسنة، 1 موارنة، و1 كاثوليك”. وصلَ عددُ الناخبينَ في هذه الدائرة في عام 2009 إلى 256287 ناخباً وارتفع العددُ إلى 308997 ناخباً في عام 2017.
وعن الأجواءِ الانتخابيّة للمعارضةِ الشيعيّة في هذهِ الدائرة، يتحدّثُ رئيسُ المركزِ العربيّ للحوارِ الشيخ عباس الجوهري لـ”ليبانون ديبايت”.
لا ينفي الجوهري ولا يُؤكّد ترشّحهُ عن المِقعدِ الشيعيّ في بعلبك الهرمل، ويربط ذلكَ بالحاجةِ إلى الترشّح، فـ”إذا اقتضت الضرورةُ سأكونُ مُرشّحاً وإذا لم تقضِ فلن أكون”. مُؤكّداً على أنَّ خوضَ الاستحقاق الانتخابيّ والعبور إليه هو “لتثبيتِ فكرةِ المعارضة وليس لإثبات الذات”.
وفي الوقتِ الذي يرى البعض أنَّ قانونَ الانتخابِ الجديدِ مفصّلٌ على مقاسِ من أنتجه ولا يستطيعُ أن ينهضَ بطموحاتِ القوّة التغيريّة والإصلاحيّة، يرى الجوهري فيه بعض الإيجابياتِ التي لها أن تفتحَ فجوةً في جدارِ الاستحواذِ على القرار من خلال النظام الأكثريّ، والنسبيّةُ حافزٌ مهمٌّ لضمانِ التمثيل الصحيح للجميع في الكُتلِ البرلمانيّة.
وتعملُ المعارضةُ الشيعيّة في بعلبك الهرمل على خارطةِ طريق و”رؤية” تنالُ ذوقَ غير المنضوين تحت الثنائيّة وغير المستسلمينَ للأحاديّةِ في القرار، تحت عناوين عريضةٍ يأتي على رأسِها “ما فشلت الثنائيّة الشيعيّة بتنفيذهِ على مدى 25 سنة من استيلابِ القرارِ البقاعيّ”، وهي كما يعدّدها الجوهري: “تأهيلُ البنى التحتيّة، حلّ مُشكلةِ الضمّ والفرزِ للأراضي، استصلاحُ الأراضي الزراعيّة، إنشاءُ سدّ العاصي، إنشاءُ مبنى جامعيّ حكومي، دعمُ المدرسةِ الرسميّة والمستشفى الحكوميّ، تنشيطُ السياحة في بعلبك، واستعادةُ الأمنِ المفقودِ الذي يُهدّدُ أيّ رأس مالٍ قادمٍ للبقاع استثماراً”.
لا أسماء مرشّحين معروفة حتّى الساعة، فـ”هي رهنُ المباحثاتِ والأيّام القادمة”، والعملُ جارٍ والاتّصالاتُ مع جميعِ المعارضينَ مكثّفة، “لتشجيعِ القوى والشخصيّات الأكثر قدرةً على التمثيلِ من نُخب، بيوتاتٍ سياسيّةٍ وعائلات، للخوضِ بالتفكيرِ السليمِ للوصولِ إلى صيغةٍ قادرةٍ وقويّةٍ لدخولِ الانتخابات برؤيةٍ أولويّاتها هموم الناس”.
ولكن على ماذا تُعوّلُ المعارضة في بعلبك الهرمل؟ يُوضّحُ الجوهريّ: “لا يقل عن 20 في المئة من شيعةِ بعلبك الهرمل لديهم طموحاتٌ وآمالٌ مُغايرة لطموحاتِ الثنائيّة، وهو الأمرُ الذي ينعكسُ خرقاً بـ20 في المئة وهي النسبةُ التي يعترفُ بها الخصوم أيضاً”.
أمّا الخرقُ الأكبرُ فـ”مرهونٌ بالتحالفاتِ مع صاحبِ القرارِ السنّي والمسيحيّ، علماً أنّنا رأينا أنّ معظمَ الأقطابِ في البيئةِ السنّيةِ والمسيحيّة لا يُؤيّدونَ هيمنة الثنائيّة الشيعيّة على القرارِ البقاعي. حتّى لو ذهبَ المستقبل للتحالفِ مع الثنائيّة فلن يستطِع أخذَ الصوتِ السنّي معه، أمّا الصوتُ المسيحيّ فمتمركزٌ بالقوّاتِ اللبنانيّة، وبدأنا مُبكرين بالحوارِ معهم على شراكةٍ انتخابيّة، وليس مُستبعدٌ أن يكونوا على لائحةٍ واحدةٍ مع المعارضةِ الشيعيّة كونهم أقرب لمنطقِ الدولةِ من منطقِ المزرعة”.
لا تختلفُ الأجواءُ جنوباً كثيراً عن الأجواءِ البقاعيّة، ولكنّها تضمُّ دائرتين، دائرةُ “بنت جبيل – النبطية – حاصبيا – مرجعيون” وعدد مقاعدها النيابيّة 11 يتوزّعونَ بين “8 شيعة، 1 سنّة، 1 دروز، 1 أرثودكس”، وعدد الناخبينَ فيها 450694 ناخباً.
ودائرةُ “صور – الزهراني” وتضمُّ 7 مقاعد نيابيّة، “6 شيعة، 1 كاثوليك” وبلغَ عددُ الناخبينَ فيها 248590 عام 2009 لكنّه ارتفعَ إلى 297698 ناخباً، وفق آخر تحديثٍ أجرتهُ وزارة الداخليّة.
وعن أجواءِ هاتينِ الدائرتين يتحدّثُ نائبُ رئيسِ المركز العربيّ للحوارِ السيّد ياسر إبراهيم، (أحد رجالِ الدين الشيعة المُعارضينَ، والمهتمينَ بالشأنِ الانتخابيّ)، ويُؤكّد لـ”ليبانون ديبايت” على أنّ “مسألةَ الترشّح والانتخابات عند المُعارضةِ الشيعيّة في الجنوبِ كان شبه ميؤوسِ منها قبل القانونِ الانتخابيّ الجديد”.
فـ”هناك أقضيةٌ فيها نوعٌ من الثغرات، وإمكانيّة الخرقِ فيها أكبر من غيرها، مثل قضاءِ مرجعيون، كونه لديه بعض النوّابِ الذين لديهم إشكاليّة في الخدماتِ والقواعد الشعبيّة والحزبيّة، والبعض يُراهنُ على ضعفِ النائب قاسم هاشم (مُمثّل السنّة في شبعا)، ولذلك نرى محاولاتٍ لتشكيلِ لائحةٍ قويّةٍ في مرجعيون” ما يجعل مِن معركةِ مرجعيون معركةً جديّةً تخوضها المعارضةُ الشيعيّة جنوباً. و”المحاولاتُ جديّة لتوحيدِ اللّوائح المُعارضة، وإمكانيّة الخرقِ بنائبٍ أو اثنين إذا توحّدتِ المعارضة في لائحةٍ موحدة”.
وعلى مستوى دائرةِ صور – الزهراني، فـ”نرى إمكانيّة لترشّحِ بعض القِوى السياسيّة المُعارِضة التي تُحاولُ جاهدةً اختيار أسماء تحظى بقَبولٍ شعبيّ”.
وعن التّحالفاتِ، يشيرُ إبراهيم إلى أنّ “في مرجعيون هناك إمكانيّة للتحالفِ مع تيّار المستقبل، أمّا الحزب الشيوعيّ في قضاءي مرجعيون والنبطيّة فمقسومٌ إلى قسمين، قسمٌ قرارهُ النهائيّ عند حزب الله، وقسمٌ معارضٌ شيوعيّ أصيل يُحاولُ التحالفَ مع المعارضةِ الشيعيّة، أمّا في صور – الزهراني فالصورةُ لا تزالُ غير واضحةٍ، لأنّ الرئيسَ برّي لم يحسم لائحتهُ بعد، وفي المُقابل ينتظر المعارضون بلورة الصورة النهائيّة للترشيحاتِ ليحسموا خيارهم بالترشّح أو عدمِهِ، مع وجودِ بعض الترشيحاتِ المُستقلّة”.
أمّا الرهان فهو “على القانونِ الجديدِ وعلى بعض الشخصيّات التي تملك الملفّات النظيفة على مستوى العِداءِ للآخر، والخطابُ السياسيّ المَرن غير المُنفّرِ وتجنيب كلّ الملفّاتِ الكبرى التي يمكنُ أن تُنفرَ الناخب الشيعيّ”.
إذاً، على القانونِ الجديدِ ستخوضُ المعارضةُ الشيعيّةُ معركةَ الانتخاباتِ النيابيّة المُقبلة، وسط ضبابيّةٍ تلفُّ مواقف صقورها، الغائبينَ أو المُغيّبينَ عن الساحةِ الشيعيّة مُؤخّراً، ووسط توقّعاتٍ خجولةٍ بكسرِ قيدِ الثنائيّة التي تلتفّ على مقاعد الطائفةِ التفافَ السّوارِ على المِعصم.
فهل يتّحدُ معارضو حزب الله وحركةُ أمل في الجنوبِ وبعلبك الهرمل، أم أنّ التشرذمَ سيكونُ سيّدَ الموقفِ كما في كلِّ معركة، الأمرُ الذي ينعكسُ سقوطاً مُستنسَخاً يُكرّسُ واقع أحاديّة القرارِ في هذه المناطق…؟