نزل خبر مقتل العميد، عصام زهر الدين، قائد عمليات الجيش السوري في “دير الزور”، كالصاعقة على كثير من السوريين، خاصة وأن له الفضل الكبير في التقدم الذي أحرزته القوات السورية.
ما لا نعرفه عن الضابط السوري اللواء الشهيد عصام زهر الدين وكان زهر الدين، قد قتل نتيجة انفجار لغم، في منطقة “حويجة عسكر” داخل مدينة “دير الزور”. وروى صحفي روسي، ما وصفها بالقصة السرية التي لم ترو من قبل، لـ”اللحية التكتيكية”، زهر الدين، وهو اللقب الذي كان يفضل جنوده تلقيبه به، خاصة وأنهم كانوا ينظرون له على أنه “بطل حقيقي”.
وقال الصحفي الروسي: “التقيت الجنرال الداهية، في يوم رفع الحصار عن دير الزور، وكان جنرالا طويل القامة، من السهل التعرف عليه، بفضل لحيته وشاربه، وهيبته العسكرية”.
وتابع قائلا: “قضيت شهرا مع وحدته على خط المواجهة في المدينة، وكان هناك أثناء الانطلاق والانضمام إلى وحدات الجيش الخامس عند المدخل الجنوبي للمدينة، وبعد ذلك رفع الحصار على قاعدة دير الزور الجوية”.
اللقاء الأول
أشار مراسل “سبوتنيك” إلى أن الوصول إلى زهر الدين، كان سهلا، قائلا: “ذهبت إلى مركز حراسة أمام مقر الحرس الجمهوري السوري، وعرضت نفسي كصحفي روسي، وطلبت أن أقابل الجنرال، وتم فحص وثائقي، بعد 5 دقائق كنت جالسا على طاولة واحدة معه”.
وتابع بقوله: “كانت الغرفة مليئة بالموظفين العسكريين والصحفيين، وكان هناك الشاي والقهوة والحلويات على الطاولة، وكان بسيطا إلى حد بعيد، ورحب بنا بهدوء”.
وقال زهر الدين، في تلك المقابلة: “كل شخص في هذه الغرفة، صديق حقيقي لي، وأولئك، الذين جاءوا على متن هيلكوبتر، كانوا محاصرين، وجاءوا بعد رفع الحصار، ونحن سعداء برؤيتهم مجددا”.
وأضاف بقوله: “لقد دافع جنود وحداتنا عن المناطق المركزية في دير الزور، وكذلك في القطاع الأكثر صعوبة بالقرب من مقبرة جنوب شرق المدينة
ومضى بقوله: “رفاقنا يقاتلون منذ ما يقرب من 3 سنوات ونصف، وهم مستعدون للقتال، لأننا نعلم جميعا أن النصر قريب”.
وكان “اللحية التكتيكية” يمتلك خريطة بالأنفاق، التي يستخدمها تنظيم “داعش” الإرهابي في المدينة، والأماكن التي يحاول الجيش السوري اختراقها.
كما تحدث الجنرال السوري عن نقض الغذاء خلال أوقات الحصار، واقتصار غذائهم الرئيسي على اللحم والفاصوليا، حتى أنه قال مازحا:
“سأطلق زوجتي إذا ما قررت زوجتي أن تطبخ الفاصوليا، عندما نجتمع وينتهي الحصار”.
دعوة
“يمكنك أن تأتي معنا إلى خط المواجهة غدا، إذا أردت”، كان هذا العرض والدعوة، التي قدمها الجنرال الراحل، وهو يربت على كتف الصحفي الروسي، الذي قبل بدوره الدعوة والعرض.
وبدأ التقدم في جفرا، وفقا للخطة الموضوعة، وقطع مقاتلو الحرس الجمهوري أحد طرق الإمداد الرئيسية في الضفة الغربية لنهر الفرات، ودعمت وحدات الفرقة 17 الحرس الجمهوري من الأجنحة.
بعد مقتله وسط جنوده… من هو القائد السوري عصام زهر الدين؟
كان موقع قيادة القوات السورية يقع على بعد نصف كيلومتر من الخطوط الأمامية للتنظيمات الإرهابية، وكان هناك حقل ألغام بيننا، فضلا عن الخنادق، التي تحول معظمها إلى أنقاق وخطوط اتصال. وكان كبار الضباط يقفون على سطح مبنى يوجهون القوات، ولكن العميد عصام زهر الدين، أصابه الغضب، ونزل إلى أرض المعركة حاملا سلاحه، وقاتل في الخطوط الأمامية، ثم عاد إلى سقف المبنى مرة أخرى بعد حوالي ساعة.
وقال زهر الدين حينها: “نحن بحاجة إلى تكتيك جديد، لن أرسل رفاقي إلى مهمة انتحارية، يجب أن ننظف تلك المنطقة من الإرهابيين، وسأكون مع المجموعة المقاتلة، لأكون مثالا يحتذى به”.
بحلول الوقت، اكتشف الإرهابيون موقع القيادة، وبدأ الهجوم بقذائف الهاون علينا، واضطررنا إلى النزول للطابق الأرضي للاحتماء بالجدران.
حينها قال الجنرال وهو يعدل شاربه مبتسما: “هل تلك الندبات في جسدي، إن لها معزة خاصة بالنسبة لي، فتلك كانت جروح خطيرة أصبت بها في معركة عام 2014″، لقد كان دوما مبتسما في أخطر الأوقات التي تمر به، بحسب الصحفي الروسي.
وعندما اكتشف أن التقدم سيستغرق وقتا طويلا، طلب مني العودة إلى المدينة، برفقة مجموعة من الجنود، عادوا بعدها بالأغذية والذخيرة.
اللقاء الأخير
في المرة التالية، اجتمعنا يوم الأحد الماضي 15 أكتوبر/تشرين الأول، كان الجنرال عائدا من عطلة لمدة 10 أيام، تمكن أخيرا من الحصول عليها بعد رفع الحصار، حيث حظي بوقت للقاء عائلته في مقاطعة “السويداء”، قبل أن يعود إلى دير الزور للانضمام إلى جنوده في المعارك الأخيرة ضد الإرهابيين لتحرير بقية الأحياء السكنية في المدينة.
وقال الصحفي الروسي: “عندما اكتشف أني على وشك العودة إلى دمشق، أرسل ضابطه لدعوتي لتناول الشاي في المساء إلى جانب عدد من جنوده، وكان هناك اثنان يرتدون اللباس الوطني، واصطبغت أيديهم وجلودهم باللون الأسود جراء التعرض للشمس الحارقة، وعيونهم تبدو متعبة”.
وتحدث الجنرال الراحل عن الرجلين، قائلا: “هؤلاء معارف قدامى، كانوا يساعدونني لفترة طويلة، وهم مزارعون يعيشون بالقرب من الميادين، وبعد 20 يوما جاءوا ونقلوا لي ما يجري في معسكرات العدو”.
وأوضح أن الرجلين زودوه بمعلومات عن التنظيمات الإرهابية، وقال إنه في البداية لم تدعم قبائلهم الإرهابيين، لكنهم اضطروا للعيش على الأراضي التي تسيطر عليها “داعش”، خوفا على حياة أسرهم.
ومضى الصحفي الروسي، قائلا إنه بعد تناول الجميع الطعام، قال لي: “يمكننا الآن الحديث”، وتم فرد خريطة على طاولة بجانب أكواب الشاي.
ثم انتقل للحديث مع الرجلين عن الحياة على الأرض التي يحتلها “داعش”، والعقوبات المغلظة على أتفه الأخطاء.
وقال أحد الرجلين: “كان لدينا حالة مضحكة العام الماضي، حيث كان هناك أحد الرجال يريد أن يتعرف على زوجته من بين عديد من النساء يتشحن بالسواد، فقلن له كيف ستتعرف عليها، قال إنه جعل زوجته ترتدي حذاء أخضر فاتحا حتى يتعرف عليها”.
وأشار إلى أنه في نهاية اللقاء
تبادل مع الجنرال الهدايا، وكانت هدية الصحفي الروسي، قبعة “أوشانكا” مزينة بنجم أحمر، فضحك العميد عصام زهر الدين، لقد تحولت بتلك القبعة إلى “لحية تكتيكية روسية”، وأعطاني الجنرال شارة “الحرس الجمهوري” مكتوبة باللغة العربية.
ورحل الجنرال “اللحية” بعد ذلك اللقاء بثلاثة أيام فقط.