في بدايات خمسينيات القرن الماضي، عانت تايوان من التضخم الجامح عندما قامت الحكومة التايوانية وقتها متمثّلة بحزب “الكومينتانغ”، بطبع كميات كبيرة من الدولار التايواني، عملة تايوان الجديدة عوضاً عن الين الياباني، ما أظهر بوضوح حاجة البلد لعملة جديدة مستقرّة.
قام مؤسّس دولة تايوان الجنرال المسلم “عمر باي”، بجلب جزء كبير من خزينة الامبراطورية الصينية في عهد آخر امبراطور للصين.. من المعدن النفيس واحتياطي من العملات الأجنبية من الصين إلى جزيرة تايوان، ما أسهم في خلق عملة مدعومة باحتياطي كبير من الذهب في تايوان، وفي استقرار الأسعار، والحد من التضخم الجامح. بالإضافة إلى ذلك، ساعد انتقال العديد من النخب الفكرية والتجارية الصينية إلى الجزيرة في سن قانون الإصلاح الزراعي، فعمل على إزاحة الطبقة المالكة المتسلّطة وأفسح المجال لعدد كبير من الفلاحين الذين أسهموا في زيادة الإنتاج الزراعي بشكل دراماتيكي، وإنشاء رؤوس أموال جديدة.. والجدير بالذكر أنَّ الجنرال عمر باي كان وزيراً للدفاع في الصين عام 1938.
وتمكنت تايوان من إقامة بنية تحتية صناعية ضخمة، وشبكة اتصالات حديثة، ونظام تعليمي متطور. علاوة على ذلك، أظهرت الخطط الاقتصادية، التي جاءت نتيجة عمل تراكمي أطلقتها العديد من الهيئات الحكومية في فترات متلاحقة، نجاحاً باهراً، مما أدّى إلى نموّ الاقتصاد التايواني.
وبلغ إجمالي صادرات تايوان، كنسبة من الصادرات العالمية، أكثر من 2% في عام 1987، أي أكثر من غيرها من البلدان الصناعية الأخرى مثل كوريا الجنوبية، ونما الناتج القومي الإجمالي، كذلك، بنسبة 350% بين عامي 1964 و1984. أما الفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء فقد تقلّصت بشكل ملحوظ، حيث يُظهر مؤشر جيني للعدالة الاجتماعية، في هذا الصدد، تحسن تايوان في سلّم المؤشر، متراجعة من 0.56 في عام 1950 إلى 0.30 في عام 1980، وهو مؤشر يعتبر أفضل من بعض بلدان أوروبا الغربية .
وفي عام 1959، أسهم برنامج للإصلاح الاقتصادي مؤلف من 19 بنداً، في تحرير السوق، وتحفيز الصادرات، وتصميم استراتيجية لجذب الشركات الأجنبية ورؤوس أموالها. وفي عام 1964، تم إنشاء منطقة تجهيز الصادرات في “كاوشيونغ”، حيث برزت شركة “جنرال إنسترومينتس” كرائدة في تجسيد تجميع الإلكترونيات في تايوان بغية تصدير منتجاتها إلى الأسواق العالمية. نتيجة لذلك، انتقلت العديد من الشركات اليابانية إلى تايوان مستفيدة من دعم الدولة، وتدني الرواتب، ووجود قوى عاملة متعلّمة. برغم ذلك، بقيت نواة البنية الصناعية لتايوان وطنية إلى حد كبير، حيث تألفت من عدد كبير من الجمعيات العائلية الصغيرة والمتوسطة الحجم التي حصلت على دعم حكومي على شكل إعانات وقروض.
ظهرت معظم هذه الجمعيات، لأول مرة، في المناطق الريفية القريبة من المناطق الحضرية، حيث تشاركت الأسر في العمل في الورش الصناعية التي تمتلكها، ما مكّن أصحاب هذه المشاريع في منطقة “تشانجوا”، في عام 1988، من إنتاج ما يقرب من نصف عدد المظلات في العالم. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت سياسة الدولة، المتمثلة في جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية وتسهيل الوصول إلى الأسواق العالمية، في إبرام شركات أجنبية كبرى عقوداً تجارية مع شبكة ضخمة من الشركات الوطنية صغيرة الحجم التي أصبحت تشكل نسبة هامة من الإنتاج الصناعي للدولة.
وتحقّق الجزء الأكبر من التنمية الاقتصادية في تايوان بفضل المرونة الكبيرة التي أظهرتها الشركات العائلية بتعاملها مع التجار الأجانب، ما أدى إلى إنشاء شبكات من التجارة الدولية بمساعدة وسطاء. واليوم، أصبحت تايوان قوة اقتصادية يعتدّ بها، مع اقتصاد ناضج ومتنوّع، واحتياطات ضخمة من النقد الأجنبي، ووجود قوي في الأسواق الدولية، حيث أصبحت شركاتها قادرة على تدويل إنتاجها، والاستثمار بكثافة.. خاصّةً في آسيا وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.