لم يكن ظهور النائب عُقاب صقر موفّقاً في مناسبتين، الأولى عند خروجه للردِّ على كلام وزير الداخلية نُهاد المشنوق قبل أيّام، والثانية ليل الخميس، إذ اعتلى مِنبر “كلام الناس” ليردّ على كلّ من سأل حبره لتسويق حالة “الاحباط السُنّي”، لا بل إنّه استبسل في الردِّ ولم تُخفَ عنه أيّة واقعة، في وقتٍ كان مناصرو “المستقبل” يموجونَ على صفحاتِ مواقع التواصل مُستغربينَ كيف أنّ لشخصٍ من غير طائفتهم أن ينوبَ بالردِّ على قضيّةٍ تخصّهم!
أساساً، كان “عقاب” قد استفز مشاعر الكثيرين من مناصري المستقبل ساعة خروجه على شاشة الـ”mtv” ينتقد مواقف وزير الداخليّة نُهاد المشنوق (دون أن يسميه)، مُعقّباً على ما خرج عن لسانه حول التشكيلات القضائيّة التي تخصّ حصّة السُنّة وما شاكل، وهي كانت لم تستيقظ بعد من صدمة التنازل الجديد، فظهر أنّ الأمور بين “صقور المستقبل” ليست على ما يرام، وهناك تباينٌ واضحٌ في كلّ شيءٍ تقريباً.
وطبقا لما نشره الموقع اللبناني “ليبانون ديبايت”، التباين بين القيادات اتّضح أساساً خلال اتّخاذ الوزير نُهاد المشنوق قرار الهجوم على الوزير جبران باسيل، أحد الشركاء الرئيسيّين لتقاسم السلطة مع الحريري، فوقف ونادى بأعلى صوته ضدّ سياسات باسيل الخارجيّة التي وصلت حدّ اتّهامها بـ”الشاردة” فما كان من قناة “أو تي في” أن دكّت بالقصفِ الثقيل مواقع بيت الوسط!
ثمّ تمدّد التباين حتى تجلّى في انعقاد جلسات الموازنة العامّة لعام 2017 ما أثبت أنّ الأحوال داخل منزل الحريريّة السياسيّة غير مُستقيمةٍ ولا تمرّ في أحسن أوقاتها، بدليل “إحباط” النائب أحمد فتفت الذي عمّمه على الحالة السنّية، مُلمّحاً إلى أنّ البعض “اشتاق إلى الحرب الأهليّة”، وذلك يتماهى مع حديث “المشنوق” عن “التنازلات التي أصبحت لا تُطاق”، وكلّ ذلك يتناغمُ من ارتفاع منسوب الغضب على الحريري داخل البيئة السنّية.
لكن الحريري بلغ فيه السيل الزبَى وأراد من يوجّه الرسائل من أعلى سُلطةٍ تشريعيّةٍ في البلاد مُستغلّاً البثّ المباشر للقنوات التلفزيونيّة ليضرب بذلك أكثر من هدف، هزّ فريقه السياسيّ وتحذيرهم، ومخاطبة شارعه والتأكيد له بأنّه باقٍ معه، وليس هناك من شيءٍ اسمه “إحباط مُتنامي”.
ويبدو أنّ الحريري في وادٍ وصقوره في وادٍ آخر، بدليل تخصيصه جزءاً كبيراً من كلمته للردِّ على نائبٍ من كُتلته! في سابقةٍ، علماً أنّ هناك اجتماعاً دوريّاً يُعقدُ للكُتلة، يظهر أنّه يكون عاصفاً عادةً، استناداً إلى نوعيّة القصف المُتبادَل بين الرئيس ومَرؤوسيه، فيما لم يُقْدِم الحريري على أيّةِ خطوةٍ تُهدِّئ من روع مُحازبِيه، لا بل إنّه سقط في فخٍّ جديدٍ عبر تكليفه “عقاب صقر” للردِّ على “تساؤلاتٍ سُنيّة”!
“الإحباط السنّي المُتنامي” الذي عبّرَ عنه فتفت، تقول مصادر التيّار الأزرق إنّه “تخطّى بعض الزملاء المُحبَطين” (في إشارةٍ منها إلى فحوى كلمة الحريري)، ووصل إلى الشارع الذي نادى في الأيّام الماضية عبر وسائل التواصل، أن يكونَ له كلمةٌ مسموعة، لا أن يجري تعميم “النشوة والمياه بلغت حدود الرأس!”.
تمنّي الحريري “عدم إسقاط الإحباط” على اللبنانيّين أو طائفةٍ أساسيّةٍ ومؤسِسةٍ بهذا البلد، لا ينصهر مع واقع العالم الافتراضيّ، الذي وقف مُستغرباً كيف ترك قضيّة الدفاع عن السنّة لغيرِ سنّي، ولسان حالهم يقول “هل لم يَعُدْ هناك سنّيٌّ واحدٌ قادرٌ على الدفاع عن السنّة حتّى يطلّ عقاب صقر”؟
رجل المهمّات الصعبة، يقول متابعون إنّه قدّم “ذريعة طيبة” لمعارضي الحريري وعلى رأسهم الرئيس نجيب ميقاتي كي يستكملَ هجومه على الرئيس سعد الحريري، من بوّابة دفاع “عقاب صقر” وليس أيّ شخصيّةٍ أخرى في تيّار المستقبل، ما يقود المصادر للحديث عن “خوفٍ يعتلي بعض قيادات التيّار الأزرق من إطلاق مواقف قد تضعهم في مواجهة الشارع أو موقفٍ حَرِجٍ على الأقلّ”، وهو أمرٌ فرّ منه وزير الداخليّة وحشد آخر من خلال ما صدر عنهم من مواقف مُؤخّراً، تُلامس آراء الناس وتزكزك بيت الوسط.
لكن بين هذا وذاك، ثمّةَ من يتحدّث عن “تبادل أدوارٍ” يقوم به فريق الحريري السياسي من خلف الكواليس بخطواتٍ “مدروسة”، إذ إنّها تستندُ على قرب الحريري من المشنوق وفي الوقت ذاته توجيه المشنوق لانتقاداتٍ، لتخلُص بالقول إنّ هناك “عدم فهمٍ لنوعيّة هذه العلاقة”، ما يقود إلى استخلاص إمكانيّة وجود خُطّة ب لدى التيّار، قِوامها توجيه شخصيّاتٍ نحو الاعتراض على مسار العهد الحاليّ وملامسة مطالب الناس، بينما يبقى الحريري مُبتعداً عن تلك الأجواء صوناً لدوره السياسيّ الحاليّ وحفاظاً عليه لتقطيع الوقت إلى ما بعد الانتخابات القادمة.