تنتهي الفترة الأولى لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو لعام 2018، ومن المفترض إجراء انتخابات رئاسية الصيف المقبل لإعلان رئيس جديد لمصر يتولى فترة جديدة من حكم البلاد لمدة أربع سنوات كما هو محدد في الدستور.
وفي إطار هذا لم يتضح المشهد السياسي للانتخابات الرئاسية، ولم يعلن الرئيس السيسي، صراحة، نيته نحو الترشح لفترة جديدة، وإن كانت الضمنيات تؤكد ذلك، حتى أنه حين سئل عن ذلك أجاب بما يعني أن لكل حدث حديث. وفي الحقيقة ونحن في مرحلة جديدة تعيشها مصر بعد ثورتين كنت أتمنى أن يكون المشهد الانتخابي للرئاسة المصرية زاخرا وأن يكون هناك منافسين حقيقيين للرئيس كما رأينا في الانتخابات الأمريكية والفرنسية. ولكن للأسف الشديد فإن الموجودين على الساحة، لمن يعلم ببواطن الأمور، هم من أرباب “السبوبات” السياسية والممولين من جهات ودول معروف جيدا حجم عداءها لمصر. ولكن أن يكون هناك منافس يتمتع بمقومات ومؤهلات “رجل الدولة”، فهذا هو الأمل المنشود والذي نظل نبحث عنه في رحلة الديمقراطية الجديدة. إذن نحن أمام مشهد يأتينا دائما في اللحظات الأخيرة وهذه هي طبيعة السياسة المصرية، ولا اعتراض في هذا، لأنني مؤمن بأن كل دولة لا يصلح معها نظام دولة أخرى.. فكل دولة لها نظامها وظروفها، كما لشعبها ثقافته الخاصة طبيعته التي جلب عليها. فما يصلح في أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا ليس بالضرورة يكون صالحا أو قابلا للتطبيق في مصر. فكلنا شاهدنا، بل استمتعنا بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في كل من أمريكا وفرنسا، وكأننا أمام دراما تليفزيونية، لو أراد كاتب سيناريو أن يكتبها ما وصل إبداعه لهذا الواقع الذي كان بالصوت والصورة على الهواء مباشرة في إطار منافسة شريفة بين المتنافسين على منصب الرئيس في كل من أمريكا وفرنسا. نتمنى يوما أن ينتقل هذا المشهد إلينا في مصر ونختار رئيسنا من وسط أكثر من 10 مرشحين في منافسة حقيقية على منصب الرئيس. وعودة إلى المشهد السياسي لانتخابات الرئاسة المصرية، فإن المشهد لم يبدأ بعد، إلا بانطلاق حملة غريبة فاجئت الشعب المصري، وهي حملة “علشان تبنيها” والتي أطلقها عدد من الداعين الرئيس السيسي للترشح لولاية ثانية. والحملة في شكلها ومضمونها على غرار حملة “تمرد” التي أطلقت في عام 2013 للتخلص من حكم تنظيم الإخوان، والتي نجحت نجاحا كبيرا في حشد الشعب ضد تنظيم الإخوان حتى قامت ثورة 30 يونيو 2013 والتي فاقت في قوتها وعددها ثورة 25 يناير، بل والأهم حيث أنها نجحت في إسقاط شرعية حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، الذي كان يعمل لصالح تنظيمه وجماعته، وليس لصالح الشعب، بل وبكل وضوح يمكننا القول أن “مرسي” لم يكن أكثر من مجرد مندوب لجماعة الإخوان في قصر الرئاسة، ينفذ ما تطلبه جماعته. واليوم نرى إطلاق مفاجئ لحملة “علشان تبنيها”، ولا نعرف تحديدا من المسؤول عنها بشكل مباشر وهل لها علاقة بالرئيس أم أنها حملة تطوعية، وغيرها من الأسئلة التي لا يمكن اعتبارها سرا أبدا في هذا العالم المفتوح والذي تجاوزنا فيه الأسرار وما يدور في الكواليس بفارق كبير، فأصبحنا نعيش الآن في عالم المعلومات والإشاعات في آن واحد. الملحوظة، أن الحملة لاقت جدلا واسعا في الشارع المصري، ليس في إطار التأييد والرفض للحملة، أو التأييد والرفض لترشح “السيسي” لفترة ثانية، بل من الطريقة ذاتها؛ فليس هكذا تدار الانتخابات! فلم يطلب “السيسي” من أحد مثل هذه الحملة، فالرئيس عنده كشف حساب سيقدمه للشعب ويغنيه عن كل هذه الحملات، إذن فهي حملة تطوعية. وفي إطار التأييد والرفض، فهناك الكثير من المؤيدين والمطالبين للرئيس السيسي بالترشح لفترة ثانية، لكنهم لن يوقعوا على استمارة الحملة التي تطوف البلاد هذه الأيام، وهو ما يكشف أن فئة واسعة وعريضة في الشعب المصري تريد انتخابات رئاسية حقيقية ومشهد يليق بمصر ومكانتها الإقليمية والدولية. وهنا لا بد أن نتذكر قول الرئيس السيسي نفسه في إحدى المناسبات أنه في اللحظة التي يقول له الشعب كفى فإنه سيرحل فورا، مؤكدا على أن منصبه ليس غنيمة أو فيه مطمع في شئ. والرجل منذ اللحظة الأولى نفذ ما قاله وتبرع بنصف ثروته كما تنازل عن نصف راتبه لصالح مصر.. إذن فالرجل من البداية كان أول من ضحى وأثبت صدق نيته، وأنه جاء في مهمة صعبة في وقت أصعب.
ودعوني أقول لكم أن الرئيس السيسي، رئيس سئ الحظ، نعم؛ لأنه رئيس ليس له ظهير سياسي، فلا ينتمي لحزب أو تيار سياسي معين، وهذا ما اختاره. كذلك ليس له ظهير اقتصادي قوي استطاع أن يجاريه في العمل والحركة، وأقصد هنا الحكومة، فللأسف الشديد وفي تشبيه بسيط يمكنني تشبيه الرئيس والحكومة بالعربة والحصان، فالحصان القوي والذي فاقت سرعته الحدود لم تتحمله العربة فتركها مسرعا في طريقه حتى يصل لهدفه وبقيت العربة كسيحة في مكانها لم تستطع التحرك أو اللحاق بالحصان السريع. هكذا الحال بين الرئيس وحكومته، فلولا متابعة الرئيس شخصيا وتدخله في كل كبيرة وصغيرة ما رأينا إنجازا واحدا من الانجازات التي حققها “السيسي” في فترة زمنية وجيزة، رغم المحاربة والاعتراض الشديد على تلك الانجازات والمشروعات الكبرى. لقد آل الرئيس على نفسه أن يعمل عمل الوزراء ويتابع كل خطوة، وليس هذا هو دور الرئيس طبعا، فالرئيس له أدوار ومهام أخرى تأتي في صدارتها الحفاظ على الأمن القومي للبلاد ومتابعة استراتيجيات السياسة الخارجية ومحدداتها. فليس من دور الرئيس أن يعمل عمل الحكومة ووزراءها.. وهنا أدلل بمثال بسيط حين أضرب طياري شركة مصر للطيران بسبب تدني رواتبهم ولم يفلح وزير الطيران وقتها حل المشكلة، وتدخل الرئيس شخصيا ونجح في حلها، وغيرها من الأزمات المشابهة. فإذا كان الرئيس يقوم بمهام الوزير ورئيس الحكومة والمحافظ… فماذا يفعل هؤلاء؟!! لأن الرجل أدرك طبيعة المرحلة وأن الوقت ليس في صالح أحد، فكانت السرعة هي الاختيار الأوحد أمامه، وهو ما جعله تحت المسؤولية، فكان تدخله في الصغيرة والكبيرة. لقد اختار “السيسي” الطريق الصعب وبدأ به، وهو ما تعذر على كثير من الناس استيعابه (حتى من هم في أعلى الدرجات العلمية والوظيفية)، ولم يغضب من الانتقادات الموجهة إليه بسبب المشروعات القومية الكبرى التي ينفذها وتستنزف أموالا ضخمة من أموال الدولة. وهذا ما يؤكد كلامي، آنفا، بأنه رئيس سئ الحظ؛ لأنه في الجهة المقابلة لتوجهات الرئيس كان على الحكومة (ظهيره الإداري والاقتصادي) أن تقوم بواجباتها نحو الشعب وتخلق مشروعات تنموية بجانب المشروعات القومية الكبرى فيحدث نسبة من الرخاء للمواطن، ولكن الرئيس في واد والحكومة في واد آخر. لقد بدأ الرئيس بمشروع قناة السويس الجديدة والذي هاجمه الكثيرون، وقالوا كنا نأكل بهذه الأموال بدلا من قناة لا فائدة منها، ونسي هؤلاء أن المشروعات العملاقة لا تأتي ثمارها في يوم وليلة. وواصل “السيسي” لينفذ أكبر مشروع في مصر لشبكة الطرق على مستوى الجمهورية، والتي تهدف إلى خلق بنية تحتية تخدم نقل البضائع والمنتجات تشجيعا للمستثمر الذي يعد الطريق بالنسبة له أول دعائم اللوجيستيات المطلوبة لاستثماره، وأيضا تم مهاجمة الرئيس من قبل بعض القوى بشأن هذا المشروع. وهناك مشروع الإسكان القومي لبناء مليون وحدة سكنية، بدأ الحاجزين في تلقي إشعارات ببدء إجراءات مراحل التسليم، كذلك مشروع زراعة مليون ونصف المليون فدان، والمزارع السمكية التي افتتحها الرئيس في الإسماعيلية منذ عدة أشهر، ومحطة الكهرباء العملاقة الواقعة في البرلس على ساحل البحر الأبيض المتوسط بمحافظة كفر الشيخ، والمنتظر افتتاحها قريبا، حيث أوشكت المحطة من نهاية الأعمال. ربما لم ينتبه الكثير من أن الرئيس لا يعمل لليوم، وإنما لغد وبعد غد، فما يشيده اليوم من مشروعات كبرى إنما يؤسس لأجيال متعاقبة ستجني هذه الثمار. وقد يكون هناك غضب شعبي عارم من موجة غلاء الأسعار والرفع التدريجي للدعم على أسعار المحروقات (البنزين والسولار)، وكذلك بعض الإجراءات بشأن الدعم على السلع التموينية. وهنا أقول وبصراحة شديدة: أتمنى اليوم الذي يأتي علينا ويتم فيه إلغاء الدعم نهائيا، ولكن في مقابل هذا يجب على الحكومة أن توفر برنامجا تنمويا يحقق للمواطن دخلا كريما يحقق له حياة آمنة والحد الأدنى من الرفاهية، فلن ترى مواطنا يبحث عن زجاجة زيت أو رغيف خبز أو كيلو سكر مدعوم من الدولة. لقد سألت المتخصصين من أهل الاقتصاد عن الإجراءات التي يقوم بها الرئيس وخاصة الاقتصادية فيما يخص الخفض التدريجي للدعم المقدم من الدولة وكذلك سياسات تعويم الدولار فأجابني الجميع بأن هذه هي الإجراءات الصحيحة ولو كانت طبقت منذ زمن لتغير الحال للأحسن كثيرا، ولكن تأخرنا جدا. وهذا هو ما أدركه “السيسي” بأننا متأخرون جدا، ولذلك فالرجل مسرع في كل خطوة، ربما يخطوها نحو المستقبل، وهي خطوات صعبة ونرى أن الشعب تحمل معه هذه الإجراءات حتى نعبر المرحلة. مازال الرئيس أمامه تحديات هائلة، ونحن في انتظار الإعلان الرسمي من الرئيس السيسي عن رغبته في الترشح لفترة رئاسية ثانية، ونتمنى أن نرى حملته الرسمية التي يتحرك هو من خلالها ونرى قياداتها من خلفه حتى يظهر مشهدا يليق بمصر في الانتخابات الرئاسيىة القادمة.