>> المفوض السامي لحقوق الإنسان: المحاكم العراقية غير مختصة بنظر قضايا الحرب والإبادة الجماعية
دعت الأمم المتحدة العراق إلى الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وتمهيد الطريق لإجراء تحقيقات جدية بشأن فظاعات شهدتها مدينة الموصل خلال احتلال تنظيم داعش لها، ورافقت الحرب لطرده منها على يد القوات العراقية المشتركة، وبدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ودعا مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، في تقرير نشر الخميس، بغداد إلى قبول سلطة المحكمة الجنائية الدولية للنظر في جرائم مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، معتبرا أنّ ضمان العدالة ضروري لإعادة بناء الثقة وإنجاز مصالحة مستدامة في البلاد.
وورد في التقرير أنّ “المحاكم والهيئات القضائية العراقية لا تملك اختصاص النظر في جرائم دولية مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ويفتقر المدّعون ومحققو الشرطة والقضاة لأهلية التحقيق وتوجيه الاتهامات ومحاكمة أشخاص في ما يتعلق بمثل هذه الجرائم”.
كما تضمّن التقرير دعوة للسلطات العراقية إلى التحقيق في اتهامات وجهت لقوات مدعومة من الحكومة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال حملة استعادة الموصل. ودعا أيضا إلى تحقيق منفصل في ضربات جوية نفّذها التحالف الدولي.
وتعليقا على الموضوع ذكّر فادي العبدالله الناطق باسم المحكمة الجنائية الدولية بأنّ كلاّ من العراق والولايات المتحدة لا ينتميان إلى المحكمة الجنائية الدولية مما لا يتيح فرصة لها للتدخل وفتح تحقيقات بالانتهاكات التي حدثت من تنظيم داعش أو القوات الحكومية أو التحالف الدولي.
وأشار في تصريحات صحفية، إلى أن مجلس الأمن هو الهيئة المخولة بالطلب من المحكمة التدخل وفتح تحقيق في الانتهاكات، أو أن يبادر العراق بالتوقيع على اتفاقية المحكمة وهذا يتيح المجال لفتح التحقيق.
وبحسب مراقبين فإنّ ما يخشاه المجتمع الدولي هو أن تسود روح الانتقام لتحل محل القانون. وهو ما لا تستطيع الحكومة العراقية ولا القضاء العراقي أن يضعا حدا له في ظل سلطة الميليشيات المدفوعة بنزعة طائفية كانت ولا تزال بمثابة العمود الفقري لسياسة عدد من الأحزاب ذات النفوذ الواسع.
وإذا ما كانت المعلومات التي سبق للمنظمات الدولية أن وثّقتها والخاصة بوجود المعتقلات والسجون السرية التي تدار من قبل جماعات مرتبطة بتلك الأحزاب تشير إلى أن تلك الأماكن التي صار بعضها معروفا تضم بين جدرانها الآلاف من المختطفين لأسباب طائفية من غير أن يعرضوا على التحقيق أو يقدموا إلى المحاكم، فإن تلك المنظمات تخشى أن يكون داعش ذريعة لزيادة عدد الانتهاكات لأسباب لا علاقة لها بمحاربة الإرهاب.
وفي المقابل فإن الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات التي ساهمت في معارك استعادة المناطق التي كانت خاضعة لداعش وفي مقدمتها الموصل لا تقل سوءا عن جرائم التنظيم الإرهابي.
وعانت مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بشمال العراق وثاني أكبر مدن البلاد بعد العاصمة بغداد ظروفا بالغة الصعوبة تحت “حكم” تنظيم داعش الذي احتلّها منذ يونيو 2014 ومارس قمعا وحشيا ضدّ سكانها وأجرى عليهم “قوانينه” المستمّدة من تفسيره المتطرّف للدين، وارتكب مجازر بحق الكثيرين منهم، خصوصا أن من بينهم من لا يدين بالإسلام.
ولم تكن الحرب التي دارت في محيط المدينة وداخل أحيائها لاستعادتها من التنظيم، أكثر “رفقا” بالمدنيين الذين حوصروا داخل أحيائهم واحتجز داعش أعدادا كبيرة منهم للاحتماء بهم كدروع بشرية.
وسجّل التقرير الأممي سقوط أكثر من 2500 مدني على الأقل خلال المعركة التي استمرت تسعة أشهر بينهم 741 شخصا تم إعدامهم ميدانيا.
وخاضت القوات المشتركة تحت غطاء جوي ومدفعي من التحالف الدولي الحرب داخل أحياء مأهولة بالسكان ما أوقع خسائر كبيرة في صفوفهم.
واتهم نشطاء ومنظمات حقوقية القوات العراقية والتحالف الدولي باستخدام مفرط للقوّة النارية بشكل لا يتناسب وحرب المدن.
وقال تقرير مفوّض حقوق الإنسان إن الأمم المتحدة سجلت مقتل 461 مدنيا في ضربات جوية وقعت بدءا من 19 فبراير الماضي خلال ذروة المعركة.
وتسند حالة الدمار شبه الكامل الذي خلّفته الحرب في الموصل تلك الاتهامات، حيث أن الكثير من أحياء المدينة لا تزال تبدو إلى اليوم، وبعد مضي قرابة الخمسة أشهر على استعادتها من داعش في شهر يوليو الماضي، مجرّد أكوام من ركام. وما تزال مئات العوائل تبحث عن أفرادها، وبالأحرى عن جثثهم وهياكلهم العظمية المدفونة تحت الركام.
كذلك رافقت الحرب عدّة تجاوزات من قبل القوات التي خاضتها على الأرض، ومن ضمنها الميليشيات الشيعية العاملة ضمن الحشد الشعبي ذي السمعة السيئة والسوابق الكثيرة في ممارسة الانتقام الطائفي ضدّ سكان المناطق التي يشارك في استعادتها من داعش.
ومن تلك التجاوزات تصفية أشخاص ميدانيا بمجرّد الاشتباه في انتمائهم للتنظيم المتشدّد، واعتقال آخرين على الشبهة والزجّ بهم في معتقلات مزدحمة ومفتقرة لأبسط المرافق، وإخضاعهم لتحقيقات غير مهنية غالبا ما تكون أقرب إلى إجبارهم على الاعتراف باتهامات جاهزة مسبقا.
ولا تزال الموصل بفعل غياب العدالة وتأخّر الإعمار والفشل في تطبيع الحياة وبسط الأمن، نموذجا عن المصاعب التي يواجهها العراق في تجاوز مخلّفات الحرب المرهقة ضدّ تنظيم داعش، والتي استمرّت لأكثر من ثلاث سنوات، وخلّفت خسائر كبيرة في البنى التحتية، والملايين من الضحايا بين قتلى وجرحى ويتامى وأرامل ومشرّدين فاقدين للمأوى ومصدر الرّزق.
كما أضافت أضرارا جديدة للوحدة الاجتماعية في البلد المكوّن من فسيفساء من الأعراق والطوائف والديانات.
ولا يمتلك العراق جهازا قضائيا موثوقا به للنظر في القضايا المعقّدة والمتشابكة والمتراكمة في فترة الحرب على تنظيم داعش، حيث أن الفساد الذي استشرى في جميع مفاصل الدولة لم يوفّر المؤسسات القضائية بمختلف درجاتها.
وورد بالتقرير الأممي، الذي نُشر الخميس، أن القانون العراقي لا يضمن بشكل كاف الإجراءات القانونية المطلوبة أو المحاكمات العادلة.
وأضاف مؤكدا أن قبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ومقرها لاهاي، وإيجاد سبل أخرى لضمان المحاسبة على الجرائم من قبل محكمة مختصة “سيطمئنان المجتمع الدولي على أن العراق جاد بشأن ضمان محاسبة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم دولية”.