ننشر كلمة الأمين العام للأمم المتحدة في قمة الإنترنت بـ”لشبونة”

آخر تحديث : الثلاثاء 7 نوفمبر 2017 - 8:15 مساءً
ننشر كلمة الأمين العام للأمم المتحدة في قمة الإنترنت بـ”لشبونة”
لشبونة:

انطلقت، أمس، في العاصمة البرتغالية، لشبونة، قمة الإنترنت وهي أكبر مؤتمر تكنولوجي في العالم، والذي تستمر أعماله حتى التاسع من الشهر الجاري.

ومن المنتظر أن تستقطب القمة نحو 65 ألف زائر من 170 دولة.

هذا، وقد ألقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس كلمة في الجلسة الافتتاحية.. وفيما يلي نصها:

مرحبا بكم في لشبونة، مرحبا بكم في يوم قمة الويب.

أنا مهندس، وفي الوقت الراهن، أنا أيضا الأمين العام للأمم المتحدة، ونحن جميعا هنا لأننا نؤمن بقوة العلم والابتكار والتكنولوجيا. ومن وجهة نظري، فإن المهم هو الجمع بين الابتكار والتكنولوجيا والابتكار والسياسة العامة للتأكد من أن الابتكار يعمل لصالح البشرية. ولكن دعونا ننظر قليلا في الماضي القريب لنكون قادرين على رسم ملامح المستقبل القريب.

لقد شهدنا على مدى العقود القليلة الماضية الأثر الهائل للابتكار والعلم والتكنولوجيا جنبا بالتلازم مع العولمة في عالمنا واقتصاداتنا ومجتمعاتنا وحياتنا. وكان هذا الأثر جيدا أساسا. الزيادة الهائلة في نمو التجارة والاقتصاد، والنمو الهائل في الطبقة الوسطى العالمية، والاخفاض الهائل لعدد الذين يعانون الفقر المطلق ، و تحسن ملموس جدا في الظروف المعيشية للأغلبية الساحقة من السكان، والنمو في متوسط ​​العمر المتوقع، وانخفاض معدل وفيات الأطفال، وارتفاع معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة ، وكلها مؤشرات على أنه اجمالا، من الواضح أن عالمنا يتوجه نحو الخيرللجميع. ولكن هناك بعض الأضرار الجانبية لهذا النمو الهائل، وأود أن أشير إلى نقطتين: أولا تغير المناخ، والثاني تزايد عدم المساواة.

وأعتقد أن تغير المناخ هو التهديد الذي يميزعصرنا، والترابط بين تغير المناخ ومجموعة مختلفة من الاتجاهات الكبرى منها والنمو السكاني، والتحضر الفوضوي، وانعدام الأمن الغذائي، وندرة المياه والتى يشكل التغير السريع للمناخ محركها الرئيسي، و كما نراه جميعا – خلق ما هو على الأرجح أكبر تهديد لكوكبنا اليوم.

ونرى أن الأعاصير والكوارث الطبيعية الأخرى تزداد تواترا وشدة، وبعواقب إنسانية أكثر تدميرا. ونرى، في الوقت نفسه، أن التصحر يحرز تقدما، والبيئة البشرية تدمر، ويضطر الناس إلى الفرار، وحركة السكان الهائلة، واللاجئين والمهاجرين، وفي الوقت نفسه نشهد منافسة أكبر على الموارد التي تؤدي إلى عدم الاستقرار أو الصراع وتجعل تغير المناخ أيضا مشكلة أمنية في عالم اليوم. وفي الوقت نفسه، فإن عدم المساواة المتزايد – ثمانية رجال (لأنهم رجال، وليس نساء)، يمتلكون ثروة توازي ما يملكه نصف البشرية الأفقر.

ونحن نعيش في عصر الازدهار العالمي، من الصعب على الناس أن يشعروا بأنه وقع تركهم خلف الركب ، والناس، ولكن أيضا القطاعات المتواجدون في مناطق تراجع فيها الصنيع وعدد السكان [..] ينظرون إلى بقية العالم ،الى ما يحدث، ويشعرون أحيانا بالتمييزضدهم، ويشعرون بالغضب، وهذه هي عوامل عدم الاستقرار والصراع و تقوض ثقة الناس بالمؤسسات وبالحكومات وبالمنظمات الدولية وبالمؤسسات السياسية. وقد ساعدت هذه العوامل أيضا على انماء ظواهرالشعوبية وكراهية الأجانب والعنصرية التي تقوض التماسك الاجتماعي لشعوبنا. وهذا يعني أننا بحاجة إلى أن ندرك أن العولمة قوة من أجل الخير، وأن تطوير التكنولوجيات الجديدة قوة من أجل الخير، ولكن علينا أن نكون على يقين من أن نكون قادرين في نهاية المطاف على الاستجابة للأضرار الجانبية المحتملة. هناك طريقة للرد. الاستجابة للتغير المناخي من خلال العمل المناخي، والاستجابة لزيادة عدم المساواة بالكفاح من أجل عولمة عادلة. قد تمكن المجتمع الدولي من التوصل إلى اتفاقين تاريخيين، أحدهما اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، والثاني هو خطة عام 2030، التي وافقت عليها جميع دول العالم من منظور التنمية الشاملة والمستدامة مع ما يسمى بأهداف التنمية المستدامة من أجل أن لا يترك أحد خلف الركب.

المشكلة، كما يمكنكم أن تتصوروا، هي مشكلة تنفيذ. ومن الجيد جدا أن يكون لدينا اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، ولكن اتفاق باريس ليس كافيا. وحتى لو تم الوفاء بالتزامات باريس، فإن درجات الحرارة في العالم سترتفع بنسبة أعلى من ثلاث درجات بحلول نهاية القرن، وهذا سيكون كارثيا. ومن ناحية أخرى، من الواضح أيضا أن جميع البلدان لا تلتزم بالتعهدات التي قطعتها في باريس، مما يعني أننا بحاجة إلى رفع سقف طموحنا فيما يتعلق بتغير المناخ.

وينطبق هذا أيضا على الكفاح من أجل عولمة عادلة. نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على الجمع بين جهود الحكومات والشركات وقطاع الأعمال والأسواق المالية والمجتمع المدني من أجل التأكد من أننا قادرون على القضاء على الفقر، وتوفير التعليم للجميع، وتنظيف المحيطات، والقيام بأشياء كثيرة أخرى ضرورية حتى تكون الحياة في كوكبنا مستدامة و شاملة.

مرة أخرى، هذا أمر صعب. والمشكلة هي التنفيذ. ولكن الخبر السار هو أن العلم في صالحنا. انظروا إلى الإجراءات المناخية. اليوم من الواضح أنه بفضل التكنولوجيات الجديدة، و بفضل التكنولوجيات الخضراء، فإن الاقتصاد الأخضر هو اقتصاد المستقبل. الأعمال الخضراء هي الأعمال الجيدة ويمكنك في نفس الوقت كسب المال وعمل الخير. وينطبق الشيء نفسه على الجمع بين التكنولوجيات الجديدة التي تمثل ما نسميه اليوم الثورة الصناعية الرابعة فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي الذكاء الاصطناعي الذي ذكر مرات عديدة هذه الليلة. ولكن أيضا التكنولوجيات الحيوية والتكنولوجيات النانوية وغيرها من أشكال الابتكار، التي من شأنها أن تسمح لنا بخلق الظروف المناسبة على أرض الواقع لنتمكن من تحقيق نمو وتنمية يعودان بالنفع على الجميع وخلق الظروف للجمع في آن واحد ما تم تحقيقه من تطور مدهش شهدناه في العقود الأخيرة، ولكن مع ترويض المناخ والقدرة على التأكد من توزيع فوائد التنمية من قبل الجميع.

العلم إلى جانبنا. أنا مؤمن حقا بأن هذه الثورة الصناعية الرابعة يمكن أن تكون الجواب على الأسئلة الرئيسية التي نطرحها اليوم أمام الصعوبات الهائلة التي نحن بصدد مواجهتها في مختلف جوانب عدم المساواة الاجتماعية، وتدهور البيئة وغيرها من الأخطار التي تهدد حياتنا الجماعية. وكما هو الحال بالنسبة إلى الماضي، علينا أن نكون قادرين الآن على النظر في المستقبل القريب مع الرؤية الاستراتيجية والجمع بين إجراءات الحكومات والقطاع الخاص، مع الباحثين والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني، من أجل أن نتمكن من ضمان أن هذه الثورة الصناعية الرابعة، هي فعلا و في جميع جوانبها قوة للخير.

ومن الواضح أن هذه الثورة الصناعية الرابعة سيكون لها تأثير كبير في مجتمعاتنا، وفي طريقتنا في الحياة، ولكن أيضا في أسواق العمل. من المهم جدا توقع التأثيرات السلبية الصافية المحتملة لهذا التطور التكنولوجي. على سبيل المثال، في البلد الذي أعيش فيه اليوم، في الولايات المتحدة، فإن المهنة التي تشتغل فيها اكبر نسبة من العمال هي السياقة. الآن و ربما على الأرجح في غضون سنوات قليلة، لن نكون بحاجة لسائقي السيارات والشاحنات، و لغالبية المعدات التي نستعملها. إننا نخاطر ببطالة هائلة في العالم المتقدم النمو والنامي مع تطور بعض التكنولوجيات الجديدة التي نشهدها. الجواب ليس بطبيعة الحال وقف التنمية، الجواب هو أن نكون قادرين على التكيف مع الطريقة التي نعمل بها في مجتمعاتنا حتى نتمكن من توقع هذه الاتجاهات بدلا من الاستجابة لها بعد ظهورها ومعالجتها بعد فوات الأوان كما حدث أحيانا في الماضي.

وهذا يعنيضرورة احداث ثورة في التعليم والتدريب والاستثمار فيها بشكل هائل. التعليم الذي نحتاج إليه في المستقبل يختلف عن التعليم الذي تعودنا على مناقشته. انها ليست كيفية تعلم أن تفعل أشياء ولكن أن تتعلم كيف تتعلم أن لا تتعلم لأن الأشياء التي نقوم بها اليوم لن نقوم بها غدا. منظورنا للنظم التعليمية يحتاج إلى إعادة النظر. وشبكات الأمان، وشبكات الأمان الاجتماعي تحتاج أيضا إلى تغيير، وحتى الطريقة التي ننظر بها إلى العمل والترفيه، و الطريقة التي نوزع بها أوقاتنا، والطريقة التي نقسم بها حياتنا، يجب أن تتغير بشكل جوهري. ومن الضروري للغاية أن تعمل الحكومات والمجتمع المدني وقطاع الأعمال والأوساط الأكاديمية معا، وأن تناقش معا، وأن تثير هذه القضايا التي تم تجاهلها في النقاش العام لأن تلك هي القضايا التي ستتيح لنا أن نكون قادرين على مواجهة المستقبل وتجنب أخطاء الماضي.

إن مناشدتي للمشاركين في قمة الإنترنت هذه، الحكومات والشركات والأوساط الأكاديمية والباحثين والعلماء، هو أن يشرعوا بجدية في مناقشة آثار الثورة الصناعية الرابعة في مجتمعات الغد. ثم، كما قيل في العديد من المداخلات التي استمعنا إليها ،فإن العلم والتكنولوجيا ليسا محايدين قيميا. يمكننا استخدام الهندسة الوراثية للتخلص من الأمراض وهذا أمر رائع، ولكن يمكننا استخدام الهندسة الوراثية لإنتاج وحوش، وهذا أمر فظيع. يمكننا استخدام الفضاء الإلكتروني لتسهيل حياتنا في العمل اليومي الذي نقوم به وفي جميع الجوانب الأخرى من الطريقة التي نعيش فيها في المجتمع، ولكن يمكننا أيضا استخدام الفضاء السيبراني لتسهيل تجنيد الإرهابيين للمنظمات الإرهابية. عندما ندرك هذه الحقيقة، أعتقد أنه من المهم التفكير في كيفية التأكد من أن الابتكار قوة من أجل الخير. وهنا، أعتقد أن هناك أمرين يجب تجنبهما. أولا، رد الفعل الغبي لنقول: دعونا نتوقف عن الابتكار. إنه غبي لأنه مستحيل، ولأنه لن يسمح بالاستفادة من جميع الجوانب الإيجابية للابتكار، لذلك فإنني أعتقد أن القائلين “هذا أمر خطير جدا ومعقد للغاية، فمن الأفضل وقفه”، ليسوا على حق.والأمر الثاني هو النهج الساذج للتفكير في أن الأشكال التقليدية للتنظيم مثل تلك التي لدينا اليوم في مجال الطاقة أو النظام المالي أو نظام التأمين يمكن أن تحل المشكلة. والحقيقة هي أن تلك الأشكال من التنظيم التي تدار عادة من قبل الحكومات أو من قبل المنظمات الحكومية الدولية تستغرق وقتا طويلا، فهي معقدة، وهي من جانب واحد، ومن الواضح أنها ليست قادرة على الاستجابة للعالم سريع التغير الذي نواجهه الآن مع هذه التكنولوجيات الجديدة والأشكال الجديدة من الابتكار. وهو ما يعني أن الطريقة لنتمكن من إنشاء آليات التنظيم للمستقبل يجب أن تكون مختلفة، يجب أن تجمع كل المعنيين ، وتجمع الحكومات والشركات مثل تلك التي سمعنا منها اليوم، والعلماء، مثل ستيفن هوكينج الذي حدثنا اليوم، ولكن أيضا المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية، ومرة ​​كما يجب إنشاء منابر للنقاش حول كيفية القيام بوضع القواعد والمعايير، وكيفية وضع أطر تنظيمية مرنة تسمح للجمع بين حرية الابتكارو التي هي ضرورية للغاية لمستقبل للبشرية و دمجها مع حماية حقوق الإنسان التي لا غنى عنها أيضا للحفاظ على التماسك الاجتماعي للشعوب.

ولا تستطيع الحكومات أن تفعل ذلك بمفردها. ولا تستطيع المنظمات الحكومية الدولية مثل الأمم المتحدة أن تفعل ذلك بمفردها. ويجب أن يتم ذلك من قبل جميع الجهات الفاعلة ومناقشتها معا، وهذا ما يفسر أهمية مؤتمر الإنترنت هنا اليوم. و حتى نتمكن من القيام بذلك بشكل صحيح نحن بحاجة لضمان جمع طاقاتنا و ضمان أننا قادرون على وضع جميع التجارب معا، وأن نستخدم فرصا مثل هذا المؤتمر لنناقش بجدية المشاكل التي نواجهها وأن نعظم في نفس الوقت من إمكانات الفوائد الهائلة التي يمكن أن توفرها الابتكارات التي نناقشها لعالمنا. وأعتقد أن هذه القمة هي فرصة لنا أن نجتمع معا لضمان أن قوة العلم و التكنولوجيا والابتكار هي قوة للخيرمن أجل عالم أفضل ويخدم مصلحة الجميع.

شكرا جزيلا.

رابط مختصر
2017-11-07 2017-11-07
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر