ما حصل لم يكن سرقة، لم يكن فسادا، لم يكن تكسبا، لم يكن تجارة، هو أقرب إلى غزو لمجموعات من الفاسدين فعلوا ما فعله «المغول» في بغداد، بغض النظر عن الأسماء التي ستخضع للقانون الذي سيبرئ البريء ويدين المتورط، إلا أن مبدأ الفساد نفسه لم يُبقِ على خريطة الوطن حجراً على حجر من الجوف شمالا إلى جازان جنوبا ومن جدة غربا حتى الدمام شرقا، هل تعلمون ماذا حصل في بغداد لقد انهارت وانتهت تلك الدولة العظمى، فهل كنا ننتظر أن تنهار بلادنا.
لقد وصل الحال بخزينة الدولة أن شارفت على الإفلاس، في مقابل تدفقات نقدية هائلة انهمرت على وزارة المالية في سنوات الطفرة لم تخطر على بال أحد.
لعلنا نركز على مشاريع «الحرمين الشريفين»، فهي الأكثر إيلاما لنا جميعا، كمثال على ما حصل من استباحة لكل المحرمات، أليست أقدس البقاع، والدولة تسخر كل طاقاتها من أجل خدمتهما والتسهيل على المسلمين، ألم نر ملوك السعودية منذ المؤسس وهم يتفانون في خدمتها، بالتأكيد أنجز الكثير إلا أن السؤال موجه للوزراء والشركات والتنفيذيين الذين أشرفوا على تلك الأعمال والأمانة الثقيلة الموكلة إليهم كيف خاطروا بها.
هل يمكن أن نصدق أن عاقلا مد يده في ذلك المشروع «المحرم» على الإنسان في أرضه أن ينزع شجرة أو ورقة أو يحدث منكرا، وهو يعلم مدى كارثية ما يعمله، كان الفساد يبتز الدولة لدفعها دفعا لإنفاق أضعاف أضعاف التكلفة الحقيقية تحت ذلك الغطاء الشريف.
من يصدق ما حصل في الحرمين من هدر للأموال، الكثير لا يعرف كيف أن بعض المتنفذين رسموا خطتهم قبل التوسعة، كانوا يعلمون أن هذه الدولة لا يمكن أن تتوانى ولو للحظة عن خدمة الحرمين، وعندما يتعلق الموضوع بالحرم الشريف فإن الأرواح والجوع والفقر ليست سوى ثمن زهيد.
أسسوا الشركات واشتروا بيوت الفقراء بأسماء وهمية قبل أن تنزع ملكياتها، ورسموا الطرق في اتجاه أملاكهم الجديدة؛ لأن المسألة لم تكن بضعة ملايين، بل مئات المليارات غير المبررة.
لا يمكن أن تسير خدمة الحرمين والسرقات في خط متواز، ولا يمكن قبول «خدمة الحرم وخدمة ضيوف الله» مبررا لسرقة الأموال العامة، نزعت الملكيات ونهبت خزينة الدولة التي دخل عليها أكثر من 7 تريليونات ريال.
تم تعظيم سعر المتر إلى عشرات الآلاف بل وصل لمئات الآلاف فصعدت قيمة البناء وأصبحت مكلفة على الدولة وعلى الحاج والمعتمر، وبنيت على حس الحرم قصور وشاليهات ومزارع، وكلها حولت على فاتورة الحرم الشريف.
هل يعقل أن سعر متر بناء الحرم هو الأعلى والأغلى في تاريخ البشرية، لا يوازيه حتى المفاعلات النووية، ولا محطات الفضاء، ولا أكثر القواعد العسكرية المبنية تحت الأرض والأكثر تعقيدا وحساسية، لقد كانت أموالا سهلة بتسعيرة غير مبررة.
القضية ليست فسادا عاديا يمكن أن يتحمله أي اقتصاد كما كل الدول، لقد كان عملا ممنهجا للقضاء على «الدولة السعودية» وتحويلها إلى دولة مفلسة ودفعها لحافة الانهيار.
ما حصل للحكومة أن نواياها الحسنة بتحقيق الازدهار والتنمية المستدامة وجودة الحياة لمواطنيها اصطدمت بالتأكيد بجدار الهدر الكبير وتضخيم الفواتير، فأصبحت الخزينة تلهث ولا تستطيع أن تفي بالاحتياجات الهائلة لبلد بحجم السعودية.
مواطنو المملكة سيصبحون في حدود الـ50 مليوناً في غضون سنوات قليلة، والشباب وصغار السن ممن تقل أعمارهم عن 30 سنة حاليا، سيتحولون إلى أصحاب أسر ولديهم أطفال ويحتاجون لمزيد من المدارس والمستشفيات والطرق والخدمات البلدية والطاقة، ويجب أن توفر لهم الحياة الكريمة وبتكلفة معقولة.