أحبطت اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري في العاصمة السعودية مع سفراء دول غربية كبرى مناورة إيرانية ينفذها حزب الله تروج لكون الحريري محتجزا في السعودية، وذلك لإرباك خطة الرياض في بناء تحالف إقليمي ودولي أوسع للضغط على طهران ووقف تدخلها في شؤون الدول الإقليمية.
يأتي هذا في وقت طلبت فيه الرياض من السعوديين بلبنان مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن، ونصحت مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان من أي وجهة دولية.
وقال مكتب الحريري في بيان إنه استقبل سفير فرنسا لدى السعودية الخميس واجتمع كذلك مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى السعودية الأربعاء والتقى السفير البريطاني والقائم بالأعمال الأميركي الثلاثاء.
وحث تيار المستقبل الحريري على العودة “لاستعادة الاعتبار والاحترام للتوازن الداخلي والخارجي للبنان في إطار الاحترام الكامل للشرعية اللبنانية” في بيان يهدف إلى تسفيه مزاعم حزب الله. وقال البيان إن تيار المستقبل يدعم الحريري وقيادته بشكل تام.
وبحسب صحيفة “العرب” اللندنية، طالب مصدر سياسي خليجي كتلة المستقبل باستيعاب أن الأزمة الحالية في لبنان ليست عارضة ولن تحل بتكرار ما كان يحدث في الحلول السابقة للأزمات.
ووصف المصدر في تصريح لـ”العرب” الأزمة الحالية في لبنان بأنها أزمة قطع نهائي.
وعمل حزب الله على تسريب خبر احتجاز الحريري في السعودية، والدفع بمسؤولين حكوميين بارزين في لبنان للترويج لفكرة الحزب، ما يقوي من موقف السعودية التي تقول إن لبنان واقع تحت هيمنة حزب الله وإيران.
وتساءل وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان: كيف لعاقل أن يصدق أن الرئيس سعد الحريري تحت الإقامة الجبرية وهو الذي استُقبل استقبال الرؤساء في قصر اليمامة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
وقال السبهان إن السعودية هي بلد سعد الحريري وسوف تثبت الأيام القليلة القادمة الادعاءات الكاذبة لمحور حزب الله بأن سعد الحريري تحت الإقامة الجبرية أو أنه أجبر على الاستقالة.
وأطلق حزب الله حملة إعلامية للتشكيك برواية السعودية حول مصير الحريري الذي تنقل من الرياض إلى أبوظبي، ثم التقى دبلوماسيين غربيين لشرح خلفيات استقالته والوضع في لبنان.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول قالت إنه كبير في الحكومة اللبنانية الخميس إنه يعتقد أن السعودية تحتجز الحريري، مضيفا أن لبنان يتجه إلى دعوة دول عربية وأجنبية للضغط على الرياض لإعادته.
(ثامر السبهان: كيف لعاقل أن يصدق أن الحريري تحت الإقامة الجبرية)
وذكرت قناة المنار التلفزيونية التابعة لحزب الله أن الرئيس اللبناني ميشال عون يجري مساعي دبلوماسية “لكشف الغموض الذي يلف استقالة الحريري”.
وطالبت كتلة حزب الله في البرلمان السعودية بالكف عن التدخل في شؤون لبنان، معلنة تأييدها لتحركات عون بشأن وضعية الحريري.
واعتبرت أوساط خليجية أن حزب الله يهدف إلى التخفيف من تأثير الحملة السعودية التي نجحت في كشف دور الحزب في إرباك لبنان وتوتير علاقاته مع عمقه العربي، ما يهدد بوضع البلاد تحت المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية، فضلا عن الأخطار الأمنية الكثيرة التي جلبها تدخله في سوريا واليمن.
وشددت الأوساط على أن المناورة التي يقودها الحزب بتوجيه من إيران للتبرّؤ من مسؤولية الأزمة العميقة في لبنان لن تمنع السعودية من توسيع دائرة إجراءاتها العقابية ضد الحزب والتي سيتضرر منها لبنان بسبب سلبية الطبقة السياسية وخضوعها لهيمنة أمينه العام حسن نصرالله.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية قوله إن المملكة طلبت من رعاياها بلبنان مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن، واستجابت الكويت سريعا واتخذت نفس الخطوة.
ونسبت الوكالة إلى المصدر قوله “بالنظر إلى الأوضاع في الجمهورية اللبنانية فإن المملكة تطلب من رعاياها الزائرين والمقيمين في لبنان مغادرتها في أقرب فرصة ممكنة، كما تنصح المواطنين بعدم السفر إلى لبنان من أي وجهة دولية”.
وتعتقد مراجع دبلوماسية خليجية أن الخطوة السعودية ستتوسع لتشمل أغلب الدول الخليجية التي قد تبادر بدورها إلى منع السفر من وإلى لبنان، وتجميد مشاريعها الاستثمارية، ووقف التحويلات المالية إلى لبنان سواء من مواطنين خليجيين أو لبنانيين مقيمين في دول مجلس التعاون.
وتعدّ السعودية ثاني الدول الخليجية التي تدعو رعاياها إلى مغادرة لبنان، بعد البحرين التي دعت جميع مواطنيها الموجودين في لبنان، الأحد الماضي، إلى مغادرتها فورا، وجددت دعوتها بعدم السفر إليها نهائيا.
وتشير المراجع إلى أن حزب الله سيضغط على الطبقة السياسية اللبنانية للمسارعة باختيار رئيس حكومة جديد من الشخصيات السنية المرتهنة للحزب، وإن كان ذلك ضد رغبة الطبقة السياسية السنية، لأن الفراغ السياسي لا يناسب الحزب الذي يدرك أنه بحاجة إلى غطاء حكومي لمواجهة عقوبات دولية جديدة ينتظر أن يتم إقرارها بالتنسيق بين السعودية والولايات المتحدة ودول أوروبية نافذة.
وتتخوف إيران من أن يؤدي التنسيق الأميركي السعودي إلى قصقصة أجنحة الحزب الذي تحول إلى قوة عابرة من سوريا إلى العراق إلى البحرين “وهو ما كشفت عنه اعترافات الخلايا في المنامة” إلى اليمن.
وقال متابعون للشأن اللبناني إن حملة التسريبات التي بدأتها إيران وحزب الله بشأن مصير الحريري تهدف إلى اختراق مناخ إقليمي ودولي جاد أشعر الحزب بأنه لم يعد بإمكانه لعب دور الأخطبوط الإيراني في المنطقة.
وتوقع المتابعون أن تتحرك واشنطن والرياض لإقناع بعض الدول الأوروبية بالتوقف عن التفريق الذي تبديه بين جهازه العسكري وهيكله السياسي، والتعامل معه كمنظمة إرهابية يجب تطويق أنشطتها تماما مثل داعش والنصرة بتشديد إجراءات الرقابة المالية والأمنية ومنع حرية الحركة لشبكاته.