تبذل الولايات المتحدة وحلفاؤها كل ما فى وسعهم للحيلولة دون احتفاظ كوريا الشمالية بأسلحة نووية.
ولم يكف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن الدعوة لممارسة مزيد من الضغط عليها، وإن كان – فى تصريحات أدلى بها أخيرا في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس كوريا الجنوبية فى أثناء زيارته لها – قد دعا بيونج يانج إلى مائدة المفاوضات، بهدف إبرام اتفاق ينهي برنامجها النووي.
لكن يبدو من المستحيل أن تستجيب كوريا الشمالية، في أي وقت من الأوقات، لأي نداء من أى كائن أو كيان بأن تتنازل عن سعيها لامتلاك أسلحة نووية تمكنها من الدفاع عن نفسها، ولا شك أن هناك أسبابا منطقية عديدة وراء إصرارها على ذلك، فكوريا الشمالية ليست بالدولة القوية اقتصاديا أو عسكريا، كما أن نظامها السياسي لا يحظى بالقبول عالميا، ومن ثم فإن امتلاكها الأسلحة النووية يمنحها قدرا من المكانة والهيبة.
كما أن كوريا الشمالية لا تثق فى التزام الولايات المتحدة بأي اتفاق يمكن تخيل التوصل إليه، وأمامها مثل واضح، حيث يرفض الرئيس ترامب التصديق على خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة بـ”الاتفاق النووى مع إيران”، الذى كان نتيجة مفاوضات مطولة بين إيران، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا.
ومن حق الولايات المتحدة أيضا ألا تثق فى التزام كوريا الشمالية بأى اتفاق من هذا القبيل، لكن من الواضح أن إيران، على سبيل المثال، التزمت بما تضمنه الاتفاق من قيود.
من ناحية أخرى، يشير الباحث الدكتور تيد جالين كاربنتر، فى تقرير نشرته مجلة “ذا ناشيونال انتريست الأمريكية” أخيرا، إلى أن التدخل فى ليبيا، الذى قادته الولايات المتحدة عام 2011، هو الذى أكد تماما لـ”بيونج يانج” أن السعى لامتلاك أسلحة نووية والحفاظ عليها قد يكون السبيل الوحيد الذى يمكن الاعتماد عليه، لمنع تعرض كوريا الشمالية لحرب تهدف إلى تغيير النظام فيها.
ويذكرنا “كاربنتر” بما بدر من الزعيم الليبى معمر القذافي بعد الحرب التى أطاحت بالرئيس العراقى صدام حسين فى ربيع عام 2003، بعد الادعاء الظاهري بأن لديه أسلحة دمار شامل، حيث تخلى “القذافى” طواعية عن برنامجه النووى، الذي كان ما زال فى بدايته، ووقع فى ديسمبر من العام نفسه على اتفاقية حظر الانتشار النووي.
وفى مقابل ذلك، ألغت الولايات المتحدة وحلفاؤها العقوبات الاقتصادية المفروضة على ليبيا، مع التعهد بعدم السعي لعزل ليبيا في المستقبل.
ويضيف “كاربنتر”: أنه بعد أقل من عشر سنوات تدخلت واشنطن وشركاؤها فى حلف شمال الأطلسى “الناتو” عسكريا في ليبيا، بحجة احتمال وقوع كارثة إنسانية، نتيجة اندلاع ثورة ضد القذافى فى عام 2011، وكانت ذريعتهم حماية المدنيين الأبرياء، لكن فى الحقيقة كانت هناك حرب لتغيير النظام في ليبيا.
كما سلح “الناتو” المتمردين الذين أساءوا معاملة “القذافي”، بعد أن أمسكوا به وقتلوه بطريقة وحشية.
ويقول “كاربنتر” إن خيانة الغرب لـ”القذافى” زادت من صعوبة أي احتمال للتوصل لاتفاق مع كوريا الشمالية، كما يؤكد أنه حتى بعض المسئولين الأمريكيين يعترفون بأن ما حدث فى ليبيا أقنع قادة كوريا الشمالية بأن الأسلحة النووية ضرورية لبقاء النظام.
من جانبه، قال مايكل هايدين، الرئيس الأسبق لوكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي: ” احتمال نزع الكوريين الشماليين بالفعل سلاحهم النووى يقترب من الصفر، وهم ليسوا غير منطقيين فى هذا الصدد، فقد رأوا ما حدث للدول التى تخلت عن برامجها النووية، وهم يحاولون الاحتفاظ بأسلحتهم النووية، للحفاظ على بقاء النظام”.