رغم انتهاء الحادث الإرهابي، الذي راح ضحيته حسب إحصائيات النيابة العامة المصرية 305 شهيداً و128 مصاباً، إلا أن حالة من الذعر والفزع ما زالت تطارد “إسلام محمد”، ذو الـ15 عاماً، والذي فقد أبوه داخل مسجد الروضة في شمال سيناء، بعدما “فجرت رصاصة رأسه”، حسبما يقول إسلام.
الطفل، الواقف على أبواب الشباب، يروي لـ”سبوتنيك” تفاصيل يوم الحادث، فيقول “سبقنا والدي إلى المسجد وبصحبته شقيقي الأصغر آدم، وعندما لحقت به أنا وشقيقي الأوسط أحمد لم نتمكن من الدخول إليه في المسجد، بسبب الزحام، لأن والدي حضر مبكراً فجلس في الصف الثاني، فاضطررنا للجلوس بالقرب من أحد أبواب المسجد”.
ويضيف إسلام، وهو يتذكر أحداث اليوم الأليم: “بمجرد أن بدأ إمام وخطيب المسجد الحديث عن مولد النبي عليه الصلاة والسلام، سمعنا دوياً شديداً في الخارج، لم نعرف ما إن كان انفجاراً صغيراً أم أنه صوت رصاصة، وفجأة وجدنا أشخاصاً ملثمين واقفين عند كل باب من أبواب المسجد، وعند النوافذ، يطلقون النيران علينا من الخارج”.
الإرهابيون — والرواية عند إسلام- لم يتوقفوا عند ذلك، بل خطا عدد منهم إلى داخل المسجد، وكانوا يطلقون النار على الرؤوس، من أفلت من الموت عند إطلاق النار لأول مرة، يؤكدون موته برصاصة في رأسه، حتى أنهم كانوا يتبارون فيما بينهم، ويتنافسون من يقتل عدداً أكبر من الآخر، وآخرون عند الأبواب كانوا يستهدفون الفارين من المسجد ويلاحقونهم ليقتلوهم.
يكشف إسلام أن المعتدين على مسجد الروضة كان عددهم يتخطى الـ20 ملثماً، ولكن لهجتهم أثناء حديثهم مع بعضهم البعض لم تكن مصرية، كما أن أجسامهم لم تكن عادية، كانوا جميعهم ضخام الجثة كما لو كانوا مختارين كقوات خاصة، وكانوا جميعهم يرتدون زياً موحداً، بنطلون أسود و”تي شيرت” رمادي، وسترة سوداء واقية من الرصاص، ويلفون على أذرعهم أشرطة “حداد”.
“كانوا منظمين جدا، ولهم قائد يشرف على أماكنهم ويوجههم إلى الأماكن المناسبة لوقوفهم، ويوبخهم إذا لزم الأمر، وهو نفسه — القائد — الذي صرخ في الناس بعد وقوع عدد كبير من القتلى قائلا: هذا هو جزاء إهانة المجاهدين وعدم إطاعة أوامرهم، وبينهم كانوا يتبادلون شتائم بألفاظ بذيئة لا علاقة لها بالدين الذي يتحدثون عنه”، حسب إسلام.
لم يفكر الطفل ذو الـ15 عاما، عندما بدأ الهجوم وكاد أحدهم أن يقتله إلا أن يحاول النجاة بحياته وحياة شقيقه، يقول “أطلق أحدهم رصاصة نحوي، ولكني وقعت فأصابت رأس رجل بجواري، فأمسكت بيد شقيقي وجريت خارجاً من المسجد، ولكني رأيتهم يقتلون من يخرج، فاتجهت به إلى دورات مياه المسجد، وهناك اختبأنا في أخر دورة مياه، وجلسنا نصف ساعة نستمع لصوت النيران بالخارج”.
شاء الله أن يكتب النجاة للطفلين، إذ اتجه أحد الإرهابيين إلى دورات المياه لتفتيشها، وبالفعل بدأ يفتح الباب تلو الآخر، ولكن قبل أن يصل إلى الأخين المختبئين، نهره قائده وطالبه أن يتجه إلى مكان آخر، قبل أن يتوقف سيل النيران ليخرج الطفلين ليبحثا عن الوالد والطفل الصغير، اللذين كانا داخل المسجد قبل بدء الهجوم.
يصف إسلام المشهد، بمزيج من الخوف والحزن، قائلا “عندما خرجت كان همي أن أجد أبي، ولكن أول مشهد وقعت عليه عيناي كان أمي وهي تسند رأسه أبي، الذي فجرته إحدى الرصاصات على قدميها وتبكي، فقمت أبحث عن أخي “آدم” لعلي أجده بخير ولم تقتله رصاصات الإرهابيين، وعلمت أنه بعد توقف إطلاق النار حمله الناس وسلموه إلى أمي التي نقلته إلى البيت قبل أن تأتي باحثة عن جثة أبي.
في إحدى غرف الرعاية المتوسطة، يرقد الطفل “آدم محمد”، ذو الـ3 سنوات، مصاباً بطلق ناري في قدمه وشظية في الظهر، وحوله يجلس شقيقيه إسلام وأحمد، ووالدته، في انتظار الشفاء من جرح الجسد، بينما يدركون أن جرح القلب لن يندمل أبداً، بل سيظل مشهد الموت والدماء مختلطاً برائحة البارود في أذهانهم، ولن يفارقهم أبداً طيف الأب، الذي خطفه رصاص الإرهاب، وهو بين يدي ربه، من داخل بيته، من المسجد.
شاهد آخر قال لـ”سبوتنيك”:
أسكن بالقرب من المسجد وكنت أنوى الصلاة فيه، ومع نهاية الآذان الثاني الذي نبدأ معه الصلاة كنت ما زالت بالمنزل، سمعت صوت إطلاق رصاص يأتي من بعيد حوالي 30 مسلحا أتوا في 5 سيارات، دخل بعضهم إلى المسجد والآخرين وقفوا بالخارج يطلقون النار على كل الناس وهي في طريقها إلى الصلاة وعلى كل من حاول الهرب من المسجد.
وأضاف الشاهد “في البداية حين سمعنا أصوات ضرب النار فكرنا أن سرية قريبة للجيش تجرى تدريبا، لم نتوقع أن يكون هناك هجوما على الجامع في وقت الصلاة”.
وأضاف “خرج المسلحون من داخل المسجد، ألقوا 4 قنابل يدوية تقريبا في محيط المسجد، وخطفوا 7 أشخاص وفروا، حين سمعوا أصوات طائرات الجيش”.
وأوضح الشاهد أن “الهجوم استمر لمدة تراوحت من 20 إلى 30 دقيقة”.
وتابع “سيدة مسنة رأتهم وهم يهربون بعد أن أتت طائرات الجيش، أطلقوا النار عليها وقتلوها”، وواصل “كما عثرت القوات على جثث السبعة أشخاص الذين خرجوا بهم من المسجد”.
وقال “عمي كان داخل المسجد وقت الهجوم، قال لي إن المسلحين انقسموا، بعضهم وقف على الأبواب يقتل من يحاول الهروب من المسجد، و2 منهم اعتلوا منبر الخطيب ووقفوا يقتلون المصلين، كل من يحاول أن يتحرك أو يتكلم يقتلوه، العديد من الناس كانوا يحاولون نطق الشهادة قتلوهم”.
ويحكي الشاهد عن الأوضاع في القرية قائلا إن “عائلات بأكملها فقدت كل رجالها، هناك عائلة فقدت 22 رجلا من رجالها الآباء والأبناء، لم يتبق فيها سوى النساء، وطفل عمره 12 عاما لكنه مصاب ويرقد في العناية المركزة”.
يذكر أن النيابة العامة المصرية أعلنت، صباح أمس السبت، تفاصيل الهجوم على المسجد، والذي أسفر عن مقتل 305 شخصا، بينهم 27 طفلا، وإصابة 128 آخرين.
وقالت النيابة، في بيان، إن “المصلين فوجئوا بقيام ما بين 25- 30 عضو تكفيري يرفعون أعلام داعش، وقد اتخذوا مواقع لهم أمام باب المسجد ونوافذه البالغ عددها 12 نافذة، يحملون الأسلحة الآلية وأخذوا في إطلاق الأعيرة النارية على المصلين”.
وأضاف بيان النيابة “تبين أن التكفيرين قد حضروا مستقلون خمس سيارات دفع رباعي، وقاموا بإحراق السيارات الخاصة بالمصلين وعددها 7 سيارات”.
وهاجم المسلحون المسجد خلال أداء صلاة الجمعة أمس، وتعهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالرد على الهجوم، وبأن تقوم “القوات المسلحة والشرطة بالثأر للشهداء، واستعادة الأمن والاستقرار، خلال الفترة القليلة القادمة”.
ويقع مسجد الروضة على الطريق الدولي (العريش- بئر العبد) وهو أحد المساجد التابعة للطريقة الجريرية، أحد أشهر الطرق الصوفية الموجودة في سيناء.
وفي تشرين الأول من العام الماضي اختطف تنظيم “داعش” أحد اكبر مشايخ الطريقة الجريرية الصوفية في سيناء وهو الشيخ سليمان أبو حراز، وبعد نحو شهر من خطفه نشر التنظيم فيديو إعدام الشيخ، بصحبة شيخ آخر هو أقطيفان، حيث اتهمها التنظيم بـ”التكهن والشرك وادعاء الغيب”.
وتشهد منطقة شمال سيناء تصعيدا في الهجمات الإرهابية من قبل الجماعات التكفيرية، منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، وتقوم القوات المسلحة المصرية بعمليات دهم وتمشيط منهجية في المنطقة لملاحقة تلك الجماعات.