>> وعي اللبنانيون وتمسكهم بالوحدة الوطنية ضرب مخطط استهداف لبنان
>> “الوطنية اللبنانية” كانت وراء توحد جميع الطوائف حفاظا على الكرامة والسيادة
>> اللبنانيون ارادوا توصيل رسالة.. “كفانا إملاءات من الخارج” >> تهديدات إسرائيل بحجة “حزب الله” واهية.. فهل كان موجودا في 1948 و1967؟!!
>> من يريدون إزاحة “حزب الله”.. هل سيأتون إلى جنوب لبنان للدفاع عنه أمام العدو الإسرائيلي
>> وجود “حزب الله” هو سياسة دفاعية متوازنة مع الجيش اللبناني منذ عهد الرئيس إميل لحود
>> “عون” شجع المبادرة المصرية وتمسك بها مما كان لها دورا كبيرا في حلحلة الأزمة
>> جولات “باسيل” الأوروبية أوضحت تفاصيل المشهد اللبناني وردود الأفعال المرتقبة
>> “عون” أفسح المجال في الحوار مع أطراف الأزمة المحليين لتجنب لبنان انعكاس الصراعات الإقليمية على أرضها
>> لبنان مستقل وعروبته عميقة منذ الفتح العربي في 635 ميلادية
>> لا أحد يريد أن تكون لبنان ولاية إيرانية أو إمارة سعودية
>> الشركات العقارية والمصارف ومغتصبي الأملاك البحرية هم من يسيطرون على الاقتصاد اللبناني
>> “حزب الله” تصرف بحكمة خلال الأزمة و”بري” لعب دورا كبيرا و”المستقبل” كان منقسما
>> الدور العربي مفقود في “أستانة” و”جنيف” ما فتح الباب واسعا لدول أخرى لقيادة الملف السوري
>> اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير لم يكن موفقا ولم يميز بين المقاومة والإرهاب
أثارت أزمة الاستقالة المفاجأة لرئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، والتي أعلنها من العاصمة السعودية، الرياض، قبل ثلاثة أسابيع، جرحا غائرا في نفوس اللبنانيين؛ لما مثله هذا الإعلان من مساس بالكرامة والسيادة للدولة اللبنانية، كما أنها خالفت الطريق الذي رسمه الدستور اللبناني لكيفية استقالة رئيس الحكومة، وكذلك خالف الإعلان كل الأعراف والتقاليد المتعلقة باستقالات رؤساء الدول والحكومات.
فلا يليق بدولة أن يعلن رئيس حكومتها استقالته من خطاب مذاع من استديو إحدى القنوات التليفزيونية، ومن خارج وطنه.
“الاستقالة” فتحت بابا واسعا لاحتمالية نشوب أزمة في لبنان قد تمتد إلى دول المنطقة بأسرها، نظرا لاستراتيجية لبنان الجيوسياسية، ولأنها تمثل نقطة التقاء مصالح لعدد من الأطراف الإقليمية والدولية.
وأخطر ما في أزمة استقالة الحريري أن طرفاها الأصليين دولتان عربيتان بينهما علاقات وطيدة وشركات لا تنتهي (سياسيا واقتصاديا) هما السعودية ولبنان.
وفي القلب يظهر طرف أصيل ثالث وهو دولة إيران ومعها حليفها في لبنان حزب الله، حيث علل “الحريري” أن استقالته راجعة إلى تدخل إيران في الشأن اللبناني عن طريق حزب الله، وأنه شعر بتهديدات تريد النيل من شخصه وأنه يستشعر الأجواء التي سبقت اغتيال والده رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، حيث اغتيل “الحريري” في فبراير 2005.
وبعد إعلان الاستقالة تبادل الإعلام في كل من السعودية ولبنان هجوما ضاريا وصل لحد الاتهامات والسباب متجاوزين كل حد وكل سقف.
وبدأ الموقف يشتعل، لولا حكمة الرئيس اللبناني ميشال عون ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري وعقلاء السياسة اللبنانية، حتى تم احتواء الأزمة بمساعي خاصة من مصر وفرنسا وروسيا.
وخلال تواجدي في لبنان، فقد حرصت على إجراء هذا الحوار مع واحد من رموز الحركة السياسية اللبنانية، الأستاذ كمال شاتيلا، رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني، والذي حيا دور مصر في حلحلة الأزمة، وأنها كانت اللاعب الأبرز فيها مع كل من فرنسا وروسيا. فقد رأيناها فرصة للتعرف على أبعاد الأزمة وتداعياتها من الداخل اللبناني، وإلى نص الحوار:
• برؤيتكم.. إلى أين وصلت أزمة استقالة رئيس الحكومة الللبنانية سعد الحريري وإلى أين ستنتهي؟
الأزمة وصلت الآن إلى مرحلة موافقة “الحريري” على تمني الرئيس ميشال عون بتجميد الاستقالة، أو ما عرف بـ”التريث”، على أساس أن هذا الأمر يدفع إلى مشاورات يقوم بها “عون” لما يقال أنه تسبيب عن الصراعات الإقليمية بالمنطقة وعدم التدخل في الشؤون العربية. وفي الحقيقة كانت الاستقالة مفاجأة، والسبب أن “الحريري”، منذ عامين، كان في حوار ثنائي مع حزب الله بإشراف رئيس مجلس النواب، نبيه بري، ووافق “الحريري” على مشاركة حزب الله في الحكومة.
والاستقالة من خارج لبنان شكلت استفزازا للبنانيين، وما كانوا يركزون على الاستقالة بقدر ما كانوا يركزون على المكان الذي صدرت منه الاستقالة.
وكنا نخشى من استغلال إسرائيل لإحداث فوضى شاملة في البلاد، وضرب الوحدة الوطنية وإثارة الصراعات بين المسلمين (سنة وشيعة).. إلا أن وعي الشعب اللبناني وتمسكه بالوحدة الوطنية ودفاعه عن كرامته ضرب هذا المخطط.
• لأول مرة يتوحد جميع أطياف لبنان على موقف واحد وهو المطالبة بعودة “الحريري” وعدوله عن الاستقالة.. كيف ذلك؟
الإحساس العميق بأن العدو الإسرائيلي سيستغل “الاستقالة” لإحداث فوضى قد تصبح مسلحة، كنوع من حرب أهلية، أدى إلى أن فطن اللبنانيون إلى المخطط الذي ينتظرهم، وهو ما جعلهم مستمرين على وحدة المسلمين (سنة وشيعة) ووحدة كرامتهم التي شعروا بأنها جرحت.. فلم يكن أمام اللبنانيين إلا التوحد بدافع من الوطنية اللبنانية. فقد أراد اللبنانيون توصيل رسالة مفادها “كفانا إملاءات من الخارج على الداخل”.. فهذه هي الأمور التي وحدت الشعب اللبناني وجعلت صوته عاليا.
• هل تجميد استقالة “الحريري” هو “تريث” أم عدول نهائي أم في الأمر رائحة مناورة؟
أعتقد أن “الأزمة” لم تنتهي بعد، ومن المؤكد أن الرئيس عون سيقوم بمشاورات لإعادة التذكير بالثوابت الوطنية اللبنانية والدستورية، وسيكون محل المناقشة هو (النأي بالنفس عن الأحداث الخارجية).
ولكن لا نستطيع أن نسقط أطماع إسرائيل في لبنان، فالتهديدات الإسرائيلية للبنان تحت مزاعم أن في لبنان “مقاومة إسلامية مسلحة” هي ادعاءات ساقطة؛ ففي حرب 1948 وفي حرب 1967 بدأت إسرائيل في انتزاع مزارع شبعا واحدة تلو الأخرى، ولم يكن في ذلك الوقت مقاومة إسلامية لبنانية ولا مقاومة سورية ولا فلسطينية؛ ولذلك ما عاد بالإمكان للعدو الإسرائيلي أن يخدع الشعوب.
ومن هنا فمن الممكن مناقشة “حزب الله” في القضايا العربية وأن يكون هناك مساحة واسعة ومقبولة في رفض تدخله في شأن أي دولة عربية، ولكن في الشأن اللبناني فحزب الله هو ركيزة سياسية دفاعية منذ عهد الرئيس إميل لحود، وهذا الأمر معادلة تمثل توازنا بين الجيش اللبناني و”حزب الله” وهي نفس المعادلة اليوم.. عمليا هذه هي السياسة الدفاعية لنا في لبنان.
فهناك من يطالب ببحث السياسات الدفاعية في لبنان ومن الممكن مناقشتها.. وهناك بعض الإخوان من العرب يريدون تجريد لبنان من “حزب الله” وفي نفس الوقت فهم لا يستطيعوا أن يأتوا إلى جنوب لبنان للدفاع عنه أمام العدو الإسرائيلي، خاصة في وجود أكثر من 60 كيلو متر من الأراضي اللبنانية مازالت تحت الاحتلال الإسرائيلي.
• كيف تقيمون العملية السياسية والدبلوماسية على المستوى الرسمي والتيارات السياسية اللبنانية خلال أزمة الاستقالة؟
شددنا على ضرورة حل الأزمة داخل البيت العربي ولم نشجع على تدويلها؛ لأن الدول الأجنبية لها مصالح خاصة بها، ليس بالضرورة تلتقي مع مصلحة لبنان.
والرئيس عون أدار الملف بدقة متناهية، وتفاعل مع المبادرة المصرية وشجعها، ووسط كثيرين من العرب ليتحدثوا مع السعودية لعودة “الحريري”.. ثم تحرك وزير الخارجية جبران باسيل نحو الدول الأوروبية طارحا دقة الوضع اللبناني، حيث أن حدوث أي فوضى سيكون لها آثارا تهدد المنطقة بأثرها، خاصة وأن لبنان بها مليون ونصف المليون سوري ونصف مليون فلسطيني، علاوة على الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان، كما أن أطماع إسرائيل لا تتوقف.
وقد كان للجولة أثرها الإيجابي، وأفسح “عون” المجال في الحوارات مع أطراف الأزمة المحليين للوصول إلى تجنب لبنان انعكاسات الصراعات الإقليمية على أرضها.
وأنا هنا أحيي الدور المصري الذي لعبه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي ساهم في انفراج الأزمة، وسانده الدور الفرنسي والروسي، فمصر وفرنسا وروسيا هي الدول الأكثر سعيا لحل الأزمة، وإلا حدثت مشكلة خطيرة في لبنان.
وهنا أود أن أؤكد على عروبة لبنان، فليس هناك خطر على “عروبة لبنان”.. عروبة لبنان عميقة، منذ الفتح العربي في عام 635 ميلاديا، وبقيت عروبته صامدة.
ولا أحد منا يريد أن تكون لبنان ولاية إيرانية أو إمارة سعودية.. لبنان ذا هوية عربية وهو مستقل، فلا خطر على عروبة لبنان.
وإذا سأل سائل “من يسيطر على لبنان؟”، فأقول له “لا أحد يسيطر على لبنان”، فعلى الصعيد الاقتصادي من يسيطر على لبنان فيه فهم أصحاب الشركات العقارية والمصارف ومغتصبي الأملاك البحرية.. هؤلاء هم من يسيطرون على الاقتصاد مع قوى إقليمية ودولية وليس للخط الوطني.
وعلى المستوى الأمني، فالجيش اللبناني يمسك بالأمن الوطني من أقصى الجنوب لأقصى الشمال.
• كيف رأيت “حزب الله” في هذه الأزمة؟
“حزب الله” تصرف بحكمة، فقد امتص الهجوم في الخطاب الذي ألقاه أمينه العام حسن نصر الله، ولم يرد على الاستفزازات الواردة في نص استقالة “الحريري”، كما أن الدور الرئيسي الثاني في الأزمة كان لرئيس مجلس النواب نبيه بري وخاصة عند لقاءه بالرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر، فالتصرف كان حكيما.
أيضا بيان كتلة الوفاء النيابية (التابعة لحزب الله) فقد أشات بتصريحات “الحريري” بعد عودته، مما ساهم في إجهاض أي مؤامرة لتقسيم الصفوف وإحداث فوضى في لبنان؟
• رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة كان له موقف مغاير خلال الأزمة مع بعض أعضاء الكتلة.. ما مرجعية ذلك؟
الرئيس السنيورة له حساباته الخاصة، ولا يتسع المجال لها هنا، ولكن من الواضح أن حزب المستقبل كان منقسما.
• ما رؤيتك لقمة “سوتشي” التي جمعت الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب إردوغا، وقد سبقها بيوم لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع بوتين؟
للأسف الشديد، الدور العربي مفقود في “أستانة” وفي “جنيف”، وجامعة الدول العربية، تحت تأثير تركي قطري، اتخذت قرار تجميد عضوية سوريا وأبعدت نفسها عن الحلول التي يجب أن تحافظ على وحدة سوريا، وهذا الغياب العربي مثل فرصة ثمينة لدول أخرى أن تقود الملف السوري وتلقفته روسيا.
• كيف رأيت الاجتماع الطارئ الأخير لوزراء الخارجية العرب؟
لم يكن موفقا، فعن أزمة لبنان لم يذكر الاجتماع كلمة واحدة عن مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل.
فقد ركز الاجتماع على مساواة المقاومة بالإرهاب، رغم كل القرارات السابقة للجامعة العربية وللقمم العربية السابقة التي كانت تميز بين المقاومة والإرهاب. وهنا أُذكِر بأن بعض الدول تتحاشى ربط الإرهاب بالعنصرية الغربية؛ حتى لا تثير مشكلات مع الغرب.
والإرهاب ليس تطرفا طائفيا أو مفهوم مغلوط للدين أو انحراف عن وسطية الإسلام… الإرهاب هو مجمع لعدة عناصر، وفي هذا أذكر:
– مشروع الشرق الأوسط الكبير لتقسيم البلاد العربية. – المشروع الإسرائيلي الذي قرره المؤتمر اليهودي العالمي في القدس في الثمانينيات، والذي قضى بتقسيم القدس على أساس طائفي ومذهبي.
وإذا تحدثنا عن الإرهاب فلا يمكن تبرئة إسرائيل أو بريطانيا مما يحدث في سيناء. ووفي سوريا.. كيف دخلت كل هذه التنظيمات الإرهابية؟!.. دخلت من تركيا التي هي عضو في الحلف الأطلسي (الناتو), فلماذا سكتت الدول الأوروبية على ذلك وغضت الطرف؟!! أضف إلى ذلك أن الإعلام العربي كان مقصرا جدا فس شرح كل هذه الأبعاد.
ودعني أقول لك بصراحة أن مصر تلعب دورا مركزيا وتباشر إحياء دورها العربي الاستراتيجي الرائد، وقد تجل ذلك في حل الأزمة السورية، والمصالحة الفلسطينية، ولم الشمل في ليبيا، وأخيرا دورها في الأزمة اللبنانية؛ ولذلك كلما نهضت مصر كثر الهجوم عليها، وإسرائيل تريد إحداث فراغ تستفيد منه لتحقق مصالحها من هذا الفراغ.