العراق.. موسم تكاثر الأحزاب

آخر تحديث : الجمعة 15 ديسمبر 2017 - 5:07 مساءً
العراق.. موسم تكاثر الأحزاب

بعد الانتصار الكبير الذي حققه العراق على واحد من أشرس التنظيمات الإرهابية التي شهدها العالم في العصر الحديث، يواجه العراق الآن مرحلة في غاية الأهمية وهي العملية السياسية التي يتخللها مصالحة وطنية تهدف إلى لم شمل جميع مكونات المجتمع العراقي تحت مظلة وطن واحد لكل العراقيين.

وفي هذا الإطار ألقى الكاتب العراقي الضوء على منعطفات المشهد العراقي الحالي، وذلك من خلال رؤيته التي كتبها في موقع “ميدل إيست أون لاين”، حيث قال إن: العملية السياسية في العراق تستهلك كثيراً من المصطلحات والمفاهيم والمؤسسات وتسيء لجهود إنسانية عظيمة لتنظيم وتطوير العمل السياسي هذه عملية تخريب لأذهان الناس ومستقبلهم كثرة الأحزاب ليست دليل عافية.

وفي السطور التالية تنقل “العربي الأفريقي” الرؤية الكاملة للكاتب العراقي:

200 حزب؛ الرقم كبير جداً في بلاد كالتي نعيش فيها، وهو يمثل توقع مفوضية الانتخابات التي سجّلت فعلاً مايزيد على 140 حزباً حتى الآن، والرقم يعبّر عن أزمة وليس عن عافية كما قد يقول معظم الساسة؛ فصحيح أن الخروج من زمن الحزب الواحد يفتح الشهية لتشكيل احزاب كثيرة لكن 200 اكثر مما ينبغي؛ وهي بالأساس ليست أحزاباً تعبّر عن قوى وتوجهات ومصالح لفئات اجتماعية، وإنما هي مشاريع فردية وعائلية أو شللية في أحسن الحالات، تعود معظمها لنواب موجودين فعلاً في العمل السياسي، وهم يسعون اليوم لتقوية موقفهم التفاوضي في تشكيل القوائم الانتخابية ويجدون في المنصب أو الوضع الحزبي طريقاً جيداً للتسويق الإعلامي؛ فعبارة مثل “الأمين العام للحزب” فيها إغراء لايقاوم وبريق لايمكن تجاهله في بلادنا المغرمة بالألقاب.

عدد الأحزاب الكبير ليس دليل عافية للديمقراطية في العراق، بل على العكس، هو تأكيد للأزمة السياسية التي تعيشها الأحزاب بعد فشلها في ترسيخ الديمقراطية داخلياً، وكذلك فشلها في ضمّ الشخصيات الجديدة إليها ومأسسة عملها؛ الأفراد المشتغلون في السياسة أو الذين نجحوا بإقناع زعيم ائتلاف ما بضمّهم الى قائمته ثم نجحوا في الانتخابات؛ هؤلاء لايريدون الدخول في قطيع الزعيم الأوحد لذلك اتجهوا لتشكيل احزاب منتفعين من امكاناتهم وظهورهم الاعلامي ووجودهم في السلطة؛ وكان هذا الوضع سيكون عادياً لو أن هؤلاء القادة الجدد للأحزاب المستحدثة يمثلون توجهات جديدة ويمتلكون برامج حقيقية تسهم في اخراج البلاد من الحلقة المفرغة؛ بل على العكس يريد القادة الجدد المشاركة في اللعبة نفسها ويسعون الى التحالف مع نفس الزعامات ولذلك هي عملية تكاثر وليست تطويراً.

إن تزايد عدد الأحزاب بهذه الدرجة يؤدي الى مزيد من المشاكل في ما يتعلق بتشكيل الحكومات، فكل كتلة نيابية سيكون عليها ادارة مفاوضات داخلية لإرضاء جميع مكوناتها، بالاضافة الى مفاوضات الكتل فيما بينها؛ كل غاضب لم يستفد من التشكيل سيتحول الى مؤسسة تهريج وتحريض لا تطرح بديلاً عن الأشخاص أو المشاريع؛ وبعيداً عن انطباق الشروط القانونية على التشكيلات لكونها أحزاباً، علينا مواجهة الحقيقة، حيث لا توجد احزاب في العراق، وإنما جماعات تتراوح في ادائها بين المشروع العائلي والفردي الهادف لجمع الأرباح وعمل العصابات المنظمة التي تستغل وجودها في السلطة ومقراتها الحزبية لارتكاب أعمال مخالفة للقانون بهدف جني الأموال.

ديمقراطيات عريقة، في مجتمعات تضمّ مكونات اكثر مما في العراق واختلافاتها أعمق ولديها رؤوس أموال تمكّنها من تشكيل احزاب لكن مع ذلك لم يظهر فيها إلا عدد محدود من الأحزاب؛ وذلك لأن الاحزاب القائمة قادرة فعلاً على استقطاب الشباب وكل الراغبين بالعمل السياسي ولا تستخدمهم كمروّجين أو كديكور يعبّر عن التنوع؛ كما أن الأحزاب في الديمقراطيات المعافاة تتفاعل مع المجتمع وتطوّر نفسها وتجدّد خطابها ولا تتمسك بزعيم أو قيادي حتى يموت وتحرم الآلاف من منتسبيها حق المنافسة داخل الحزب؛ بذريعة القيادة التأريخية، وإذا ما اجرت انتخابات داخلية ولم تكن النتائج على هواها سرعان ما تبتكر طريقة للتحايل على النتائج ومحو أثرها، أما بإضافة اعضاء للقيادة غير منتخبين أو ابتداع تشكيلات قيادية جديدة لتشتيت صنع القرار الحزبي.

العملية السياسية في العراق تستهلك كثيراً من المصطلحات والمفاهيم والمؤسسات وتسيء لجهود إنسانية عظيمة لتنظيم وتطوير العمل السياسي؛ هذه عملية تخريب لأذهان الناس ومستقبلهم.

رابط مختصر
2017-12-15 2017-12-15
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر