تشهد مناطق تونسية احتقانا اجتماعيا بات ينذر بموجة من الاحتجاجات الشعبية في البلاد، في وقت تحذر فيه مختلف الأحزاب من تداعيات تدهور القدرة الشرائية للمواطن على الاستقرار والسلم الاجتماعي.
ويخشى المراقبون أن تتسع رقعة هذه الاحتجاجات لتشمل مناطق أخرى من البلاد، خاصة وأن شهر يناير يعرف في تونس بأنه شهر الاحتجاجات والإضرابات العشوائية.
وبحسب صحيفة “العرب” اللندنية، قال رضا بالحاج رئيس الهيئة التأسيسية لحزب “تونس أولا”، إن الاحتجاجات التي تشهدها تونس هذه الأيام تعكس مؤشرات قلق اجتماعي، يتعين على الحكومة الاهتمام به لتفكيك أسبابه.
ووصف الاحتجاجات بأنها “إنذار جدي للحكومة رغم أنها كانت منتظرة، وسبق لمختلف القوى السياسية والحزبية أن حذرت من اندلاعها بسبب تردي الأوضاع الاجتماعية”.
وأعرب بالحاج عن أمله في ألا تتطور الاحتجاجات إلى ما يُشبه الانفجار الاجتماعي، باعتبار أن البلاد لا قدرة لها على تحمل مثل هذا الوضع، ودعا في المقابل الحكومة إلى التحرك الجدي لاحتواء هذا الغضب.
واندلعت مساء الأربعاء احتجاجات في منطقة الكرم الغربي بالضاحية الشمالية للعاصمة، تخللتها مواجهات حادة مع قوات الأمن التي اضطرت إلى استخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين.
وأغلق المحتجون الطريق الرئيسي في الكرم الغربي كما رشقوا قوات الأمن بالحجارة وزجاجات المولوتوف، ما أسفر عن خسائر مادية شملت عدة مركبات أمنية.
واستهجن وليد حكيمة الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني استهداف أفراد الأمن بالحجارة والزجاجات الحارقة، قائلا إن هذا الأمر غير مقبول في ظل الظروف الطارئة التي تعيشها البلاد.
كما استنكر عملية الاعتداء على التجهيزات والمقرات الأمنية، معتبرا أن إتلاف تلك المعدات ووسائل النقل سيحد من أداء رجال الأمن في مقاومة الجريمة وسيكلف الدولة الكثير، فضلا طرح إشكال انعكاسات ذلك على عمل الدوريات لبسط الأمن في المستقبل.
وقبل ذلك، شهدت المكناسي من محافظة سيدي بوزيد مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين احتجوا على تردي أوضاعهم المعيشية وطالبوا بالتنمية وإنهاء التهميش لمنطقتهم. وترافقت احتجاجات المكناسي مع احتجاجات أخرى عرفتها بوعرادة من محافظة سليانة، على خلفية انتحار شاب أصيل المنطقة داخل مقر الحرس الوطني (الدرك) ببلدة مجاورة.
وفي سجنان من محافظة بنزرت بأقصى الشمال التونسي، لم تهدأ الأوضاع بعد مواجهات عنيفة عرفتها المدينة الثلاثاء، في أعقاب مظاهرات للمطالبة بالتنمية والتشغيل.
وشهدت المدينة الثلاثاء الماضي إضرابا عاما تخللته مسيرات احتجاجية سرعان ما تحولت إلى مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن بعد أن عمد عدد من المتظاهرين إلى مهاجمة مركز أمني تابع للحرس الوطني (الدرك) بالحجارة ما تسبب في إصابة دركيين اثنين بجروح متفاوتة الخطورة.
وعرفت مدينة سجنان قبل ذلك أعمال عنف وشغب، اندلعت إثر وفاة امرأة بعد إضرامها النار في جسدها الشهر الماضي احتجاجا على إلغاء السلطات المحلية مساعدة اجتماعية كانت تتلقاها شهريا.
واعتبر وليد حكيمة الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني أن تلك الاحتجاجات تبقى منفصلة ولا رابط بينها. لكن زهير حمدي، الأمين العام لحزب التيار الشعبي التونسي، لم يتردد في التحذير من تداعياتها على أمن واستقرار البلاد.
وقال حمدي لـ”العرب” إن هذه التحركات الاحتجاجية “رد فعل طبيعي على الأزمة الاجتماعية الخانقة التي تعيشها البلاد منذ نحو سبع سنوات، حيث لم يبق أمام المواطن في تلك المناطق التي وصفها بـ’المهمشة’ سوى الاحتجاج للتعبير عن الإحباط واليأس من الحكومات المتعاقبة “التي فشلت في تلبية المطالب التي ينادي بها منذ سقوط النظام السابق في 14 يناير 2011”.
وتوقع أن ترتفع وتيرة هذه الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية خلال الشهر المقبل نتيجة تردي الأوضاع المعيشية وانسداد أفق التنمية في غالبية مناطق البلاد، نظرا لاستمرار الحكومة في انتهاج الحلول “الترقيعة” لمواجهة الأزمة الراهنة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية”.
واستبعد الأكاديمي التونسي حسان قصار، المختص في علم الاجتماع، اتساع رقعة الاحتجاجات، لتتحول إلى انفجار اجتماعي “لأن الشعب لم تعد له القدرة على الدخول في مواجهة أو صراع واسع مع السلطة”.
وقال قصار لـ”العرب” إن الموجة الحالية من الاحتجاجات التي تشهدها عدة مناطق في شمال ووسط وجنوب البلاد كانت متوقعة رغم اختلاف أسبابها وتباين أهدافها.
واعتبر أن الأوضاع الحالية في البلاد تعكس مشهدا غريبا وغير طبيعي، حيث وصل اليأس والإحباط لدى غالبية الشعب إلى درجات عالية، فيما الحكومة الحالية أو غيرها ليست قادرة على حل جميع المشاكل، ومع ذلك “لن تبلغ الأمور درجة الانفجار الاجتماعي الكبير”.