في البداية أود أن أنوه أن هذا المقال هو ملخص من ورقة قدمتها في المؤتمر التأسيسي لـ”مجلس الديمقراطيين الإيرانيين” بمدينة كولونيا في ألمانيا، في ١٨ نوفمبر الماضي، والذي تم تشكيله بهدف “إسقاط نظام ولاية الفقيه وإقامة نظام ديمقراطي فيدرالي تعددي، يؤمن حقوق كل مكوناته ويكون مسالما مع جيرانه والعالم”، بحسب ما جاء في بيانه التأسيسي.
وتم تأسيس هذا المجلس بعد أكثر من عامين من الحوار والمشاورات بين عدد من أحزاب القوميات غير الفارسية والمنظمات السياسية الإيرانية في الخارج والتي لها امتدادات في الداخل، حيث شارك فيه كل من “الجبهة الديمقراطية لإيران، حزب كوملة كردستان الإيرانية، حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي والمركز الثقافي السياسي الأذربيجاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الشعب البلوشي، والمركز الثقافي السياسي التركماني والجبهة المتحدة لبلوشستان وحزب اتحاد بختياري ولورستان” بالإضافة إلى عدد من نقابات العمال ونشطاء المجتمع المدني والشخصيات السياسية المستقلة.
إن الهدف من تشكيل المجلس هو إيجاد ائتلاف شامل وانسجام كافة مكونات المعارضة داخل وخارج إيران وهذا المؤتمر يعد أول اجتماع معلن ورسمي للمجلس وإعلان تشكيل هذه الجبهة الموحدة، ولذلك دعا المجلس كافة القوى المعارضة التي تؤمن بالبنود الثمانية لميثاق المجلس للانضمام إليه، حيث تشير تلك البنود إلى النضال من أجل الانتقال من نظام ولاية الفقيه الثيوقراطي نحو نظام ديمقراطي عبر أساليب النضال السلمي للوصول الى مجتمع متقدم وجمهورية غير محتكرة للسلطة وبناء دولة فيدرالية ديمقراطية مبنية على أسس التعددية السياسية وتسود في ربوعها قيم الحرية في الرأي والمعتقد والدين وفقاً للميثاق العالمي لحقوق الإنسان وكل مرفقاته ومبدأ فصل الدين عن الدولة والمساواة بين الجنسين والاعتراف رسمياً بجميع الشعوب والقوميات والمكونات التي تقطن إيران واحترام حقوقها.
كما أن الهدف هو تأسيس نظام يؤمن بالتعايش السلمي مع دول الجوار واحترام القوانين الدولية، وأن يلعب دوراً فعالا في المجتمع الدولي، وأن ضمان استقلال الأقاليم وشعوبها في حدود إيران.
ويعد تشكيل مثل هذا المجلس خطوة غير مسبوقة خلال العقود الأربعة الماضية من عمر المعارضة الإيرانية ضد نظام ولاية الفقيه.
إن محور الوحدة التي ندعو إليها هي بمثابة الرد على سؤال “لماذا ما زالت إيران بلدا متخلفا، لم يلتحق بركب الدول المتقدمة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالرغم من إمكانياته المادية والبشرية؟ السؤال الذي يتهرب من الاجابة عليه المثقفون والساسة في إيران.
وفي الحقيقة فإن المثقفين الإيرانيين خلال المئة عام الماضية لم يقدموا فهماً جوهرياً لطبيعة المجتمع الإيراني المتنوع والمتعدد الشعوب والثقافات والأعراق والديانات ليتوصلوا الى حلول تتناسب مع هذا الواقع لضمان مشاركة جميع هذه المكونات التي تقطن جغرافية إيران، بل إنهم بدلا من ذلك عمدوا إلى فرض سيطرة قومية واحدة على القوميات الأخرى، وأنكروا حقيقة التنوع القومي في البلاد وبالتالي عملوا على تهميشها وممارسة اضطهاد مزدوج ضدها.
وبالعودة إلى الوراء، فقد حاول عدد من المثقفين التقدميين من الشعوب المختلفة خلال ثورة الدستورية (المشروطة) أي بين عامي ١٩٠٦-١٩٠٨ تكريس نظام لامركزي تحت قانون” انجمنهاى ايالتي و ولايتي”، أي” مجالس الأقاليم والولايات” واستطاعوا إدخالها في الدستور الأساسي للبلاد، لكن القوميين المتطرفين لم يسمحوا بتطبيق هذه المادة التي تتناسب تماما مع تركيبة إيران السكانية وتنوعها الاثني والثقافي والقومي واللغوي والعرقي، وبذلك تم إفشال محاولة بناء دولة تعددية حقيقة مبنية على العيش المشترك والتسامح والوفاق.
وأدى مشروع دولة الأمة (الفارسية) إلى تهميش القوميات التركية والعربية والكردية والبلوشية والتركمانية وغيرها، الأمر الذي اضطر هذه الشعوب غير الفارسية التي لا تملك أي سلطة، أن تتجه نحو مقاومة سياسات التفريس لكي تحافظ على هويتها من الاندثار وبدأ تقاوم مشاريع الاندماج القسري التي تفرضها عليها القوى القومية المتطرفة والمحتكرة للسلطة.
ومن هنا، انطلق مجلس الديمقراطيين الإيرانيين عبر الفهم الصحيح لواقع المجتمع الإيراني وأعلن القرار الشجاع حول أهدافه بإقامة دولة متعددة ديمقراطية تعترف بالتنوع العرقي والثقافي واللغوي والاجتماعي، ووضع مكافحة الأسباب الحقيقة لتخلف إيران الناجمة عن احتكار السلطة السياسية والاقتصادية وتهميش وحرمان وعدم اشراك الشعوب الأخرى في السلطة، محوراً لنشاطه.
إن ما نشهده من تنامي للوعي وتعزير الهوية القومية والذي تم بفضل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية لا سيما انتشار الإنترنت والفضائيات وتغطيتها الشاملة حيث دفع كفاح الشعوب غير الفارسية المهمشة الى الواجهة الأمامية في جبهة مناهضة الدكتاتورية والنضال من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية. وبات نضال هذه الشعوب مشهودا له حيث أثبت أبناء القوميات بأنهم مستعدون للتضحية من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة.
إن المجلس إذ يعترف بوجود هذه المشكلة الأساسية، يرى أن الوحدة والوفاق السبيل الأمثل لتحقيق النصر ضد نظام ولاية الفقيه الديكتاتوري، وبذلك وجد الفرصة المناسبة لكي تجتمع المعارضة الفارسية مع التنظيمات السياسية التابعة للشعوب غير الفارسية.
إن ميثاق المجلس قدّم شرحا تفصيليا للشروط الضرورية واللازمة لكيفية تحقيق الأهداف الداخلية وبنحو الإجمال يمكن القول إنّ هناك قناعة باتت راسخة لدى الجميع بأنّ إيران كبلد متعدد الشعوب واللغات والثقافات، ملك لكافة الشعوب الإيرانية ولا يمكن أن يكون حكراً على شعب أو قومية واحدة. وهذه القناعة باتت تتبلور حتى عند بعض القوميين المتطرفين من الفرس بالرغم من أنهم لم يقدموا مشاريع واقعية لمستقبل إيران، ولذا فإنّ ضرورة تكريس مبدأ المساواة في الحقوق في توزيع السلطة ومراكز القوة والثروة والتي تمّ سلبها طيلة العقود الماضية من الشعوب غير الفارسية أصبح واقعا لا مفر منه، حيث باتت هذه الشعوب مستعدة لخوض نضال مستميت لاستعادة كامل حقوقها المسلوبة والمغتصبة طوال العقود الماضية.
وبموازاة هذه الوتيرة المتنامية من نضالات مختلف فئات المجتمع الإيراني وشعوبه وقومياته لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية من جهة واتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية والحركات النقابية مثل الحركات العمالية والطلابية والنسائية وحركة المعلّمين وحركات الدفاع عن السجناء السياسيين وحملة إلغاء عقوبة الإعدام وسائر التكتلات والنقابات من جهة أخرى، أصبحت هذه الحركات بحاجة إلى قيادة سياسية موحدة وهو ما دفع بالقوى التي شاركت في تأسيس مجلس الديمقراطيين الإيرانيين أن يضع هذا الأمر أمامه ويعمل على تحقيقه.
وعلى المستوى الإقليمي نشهد اليوم أن دول المنطقة التي سيطر عليها نظام ولاية الفقيه مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن والدول التي تقع ضمن مدى صواريخ هذا النظام مثل إسرائيل وتركيا والدول الخليجية جميعها تريد التخلص من نظام الجمهورية الإسلامية وعملائها وميليشياتها وخلاياها.
ونرى اليوم أن أكثر من أربعين دولة تعتبر نظام الملالي خطراً وتهديداً عليها يعكس ذلك طبيعة النظام المعادي للسلام والأمن في المنطقة.
إن عدوان نظام الجمهورية الإسلامية لا يقتصر على داخل إيران فحسب وإنما يمتد ليشمل هذه الشعوب والدول أيضاً، كما أن مغامراته النووية وبرنامجه الصاروخي تسبب في تهديد الدول الأوربية والسلم والأمن الدوليين وهذا ما دفع بالمجتمع الدولي أن يفكر بضرورة تغيير نظام ولاية الفقيه.
وتصب كل هذه الأمور والتطورات لصالح المعارضة التقدمية والديمقراطية الإيرانية في طريق الكفاح ضد نظام ولاية الفقيه المجرم ويعزز الآمال في حشد الدعم العالمي لقوى التغيير في إيران، ويجب علينا أن نغتنم ونستغل هذه الفرصة الذهبية كون المجتمع الدولي والعالم بات مقتنعا أنه لا يمكن إصلاح هذا النظام أو تعديل سلوكه.
ومن أجل إنجاح حراك التغيير الديمقراطي في إيران يجب الاستفادة من تجاب كفاح الشعوب الأخرى وأساليبها في إدارة البلاد، ففي القرنين الماضيين استطاع المجتمع الإنساني أن يطبق بنجاح نموذج النظام الديمقراطي-الفيدرالي لإدارة الدول ذات التعددية القومية والثقافية والعرقية واللغوية، وهذا ما علينا أن نستفيد منه في إيران لتحقيق العدالة والمساواة وإعطاء كافة المكونات حقوقها.
وعلى هذا الأساس، اتخذ مجلس الديمقراطيين الإيرانيين بعد عامين من دراسة الأساليب والاستراتيجيات الناجعة للانتصار على الدكتاتورية وبناء مجتمع حديث وديمقراطي ودولة فيدرالية قائمة على التعددية، لتكون مبادئ وشعارات تجمع صفوف كافة القوى التي تريد الإطاحة بنظام ولاية الفقيه.
وتم التركيز على الفيدرالية كبديل عن النظام المركزي الذي أثبت أنه يؤدي الى تهميش القوميات في إيران واضطهادها واستبعادها عن السلطة والقرار والمشاركة في الحياة السياسية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
ففي هذه المرحلة من الكفاح، تعتبر الفيدرالية قضية مركزية ومشتركة للوحدة وأنها في الحقيقة الشعار الأساسي الذي تجتمع حوله جميع القوى الفاعلة على الأرض، سواء القوى التقدمية الفارسية أو القوى والمنظمات والأحزاب التابعة للشعوب غير الفارسية، كأحد أهداف مرحلة ما بعد سقوط نظام ولاية الفقيه.
وبالإضافة إلى ذلك سوف تكون الفيدرالية بمثابة أداة للحيلولة لمنع إعادة الديكتاتورية في إيران وأيضاً كأداة حكومية لإدارة شؤون الشعوب الإيرانية على المستوى المحلي من خلال الحكومات والبرلمانات المحلية التي يتم اختيار أعضائها عبر انتخابات حرة لكي تعمل حسب الضرورة مع الحكومة المركزية بتفاهم تام وبفرز كامل للسلطات الثلاث: التنفيذية والقضائية والتشريعية على المستويين المحلي والمركزي لتشكل أساساً للديمقراطية في إيران.
أما في يخص حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي الذي يعد من مؤسسي مجلس الديمقراطيين الإيرانيين والذي لي شرف تمثيله كمستشار للحزب، فيجب أن أقول بأنه حزب ليبرالي – ديمقراطي يؤمن بالعدالة الإجتماعية والديمقراطية والتعددية وفصل الدين عن الدولة ورفض كل أنواع الديكتاتورية من اليمين الي اليسار.
إن حزب التضامن الديمقراطي الذي تم تأسيسه في عام 2003، استطاع بمساندة الأحزاب التقدمية والليبرالية في الدول المتقدمة والوطن العربي والدول الغربية أن يقوم بتمثيل كفاح الشعب العربي الأهوازي على المستويين الإقليمي والعالمي وأن يوصل نداء استغاثتهم إلى العالم.
ويضم الحزب في صفوفه مناضلين مخضرمين وقدامى وكذلك شباب من جيل ما بعد الثورة، وأنهم جميعاً يؤمنون بمبادئ الحزب السامية مثل الايمان الكامل بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين وحق تقرير المصير لجميع الشعوب.
كما أن الحزب عضو في منظمة الشعوب غير الممثلة “ UNPO” وأحد مؤسسي “مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية” وهو ائتلاف يضم ١٣ من أحزاب ومنظمات القوميات غير الفارسية، والذي بدوره يؤمن كما هو الحال مع مجلس الديمقراطيين الإيرانيين بضرورة اسقاط نظام ولاية الفيقة وبناء نظام ديمقراطي، لا مركزي وفيدرالي عبر الكفاح السلمي والمدني ودون استخدام العنف، ولكنه يجيز لنفسه استخدام كافة أساليب الدفاع عن النفس في مواجهة إرهاب الحكومة.
وفي الختام، أود أن أركز على أنه من الضروري أن أؤكد على أن السبيل الوحيد لخلاص إيران من الوضع المؤسف الحالي، هو استخدام الأساليب السلمية لمقاومة نظام الملالي ونظراً للوضع الراهن في البلاد والمنطقة والعالم، حيث أثبتت الشعوب أنها قادرة على فعل المستحيل بالتعاون والتكاتف والوئام والوحدة بين جميع القوى المناضلة.
ولذا نحن نركز على هذا الأسلوب من النضال لأنه يمكننا من حشد جميع فئات المجتمع من شباب وشيوخ ويافعين ونساء، وكذلك من فقراء وأغنياء ومن القرويين إلى أهل المدن. ومع تنامي الاستياء الشعبي من النظام سوف تنخرط كافة هذه الفئات في طريق الكفاح من أجل اسقاط الديكتاتورية.
ولذلك يعول مجلس الديمقراطيين الإيرانيين على المظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية اليومية وتوسيع دائرتها لكي تشمل جميع أنحاء البلاد ومن ثم الدخول في حالة العصيان المدني العام والشامل في كل الاقاليم وذلك بهدف محاصرة النظام الديكتاتوري.
وأثبتت تطورات السنوات الأخيرة نجاعة وفاعلية هذا الأسلوب للتخلص من الدكتاتورية كما حدث افي الربيع العربي حيث تم إسقاط أعتى الديكتاتوريات كنظام حسني مبارك والقذافي وزين العابدين بن علي وعلي عبدالله صالح. وقبل ذلك تمكنت شعوب تشكوسلوفاكيا وصربيا وجورجيا واوكراينا وكازاخستان وباقي دول أوروبا الشرقية من الإطاحة بالدكتاتوريات التي كانت تحكم هذه البلدان بالحديد والنار.
إن إيران اليوم كبلد يبلغ عدد الشباب دون سن الـ 30 عاما فيه أكثر من 45 مليون نسمة، من الممكن جدا أن يشهد ظهور قوة شبابية كبيرة جدا لمواجهة الدكتاتوري، إلا أنها تحتاج إلى تنظيم وتشكيل لجان مختلفة لتقديم برامج ومخططات من أجل تنظيم النضال السلمي وتدوين استراتيجيات لهذ الكفاح والذي يقع في صلب عمل مجلس الديمقراطيين الإيرانيين. ويجب على المجلس أن يأخذ على عاتقه مسؤولية اللجان التنسيقية مع حركات الداخل ولجان دبلوماسية وإعلام ومالية ولجنة مختصة لكتابة الدستور المستقبلي للبلاد وفق رؤية النظام الديمقراطي الفيدرالي التعددي.
وأنهي حديثي بأنني أرى أننا أمام ثلاثة خيارات لمستقبل إيران، الأول: أن نبقى صامتين ومتفرجين وهذا يعني استمرار الوضع الموجود واستمرار نظام ولاية الفقيه في الحكم وتدمير المزيد من الأجيال، وثانيا: أن تتفق كل القوى السياسية الإيرانية وأن تشكل تحالفات بهدف الوحدة الشاملة كما فعل مجلس الديمقراطيين الإيرانيين وصولا الى انتفاضة عارمة وكفاح شامل لإسقاط النظام، والاحتمال الثالث: لا هذا ولا ذاك، أي مستقبل مجهول مفتوح أمام جميع الاحتمالات الأخرى وحروب داخلية أو تدخلات خارجية.
* الكاتب: ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران