خيبت وسائل الإعلام العالمية آمال المواطنين الإيرانيين في تسليط الضوء على احتجاجاتهم وانتفاضاتهم ضد الأوضاع السيئة التي يعانونها في البلاد، وأظهر الناشطون الإيرانيون على مواقع التواصل الاجتماعي استياء من وسائل الإعلام التي منحت مساحة كبيرة لرواية السلطات الرسمية، على حساب أصواتهم المقموعة.
واستحوذت الاحتجاجات في إيران على اهتمام الإعلام الغربي، إلا أنها لم تكن بالمستوى الذي يرقى إلى حجم الحدث، لا سيما وأن هذه الوسائل اعترفت بأن حجم المظاهرات يبدو أكبر مما كان عليه في مظاهرات 2009 التي حازت على تغطية واسعة، فقد شملت الانتفاضة الحالية شرائح اجتماعية وشعبية واسعة ولم تقتصر على الإصلاحيين فقط كما في عام 2009. وهذا ما أكدته صحيفة الغارديان البريطانية التي ذكرت أنه للمرة الأولى تظهر هتافات مؤيدة للعصر الملكي وحكم الشاه في إيران، مشيرة إلى أنَّ نطاق الاحتجاجات شمل الكثير من المحافظات الإيرانية.
واهتمت وسائل الإعلام الغربية بالتركيز على ردود الفعل الخارجية، حيث أبرزت التعليقات الإسرائيلية على ما يجري في الداخل الإيراني، وأفردت صحف مساحات لتلك التعليقات، حيث نقلت صحيفة الغارديان عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قوله إن ما يجري في إيران “تهديد وجودي لدولته” القلقة من احتمال قيام قادة إيران بتحويل غضبها إلى إسرائيل، وهي تصريحات تشير إلى عدم الرغبة في نجاح الحراك الثوري في المدن الإيرانية، بعكس ما تكهن البعض.
ولم تغفل الصحيفة تناول وجهة النظر الإسرائيلية الأخرى بالنقل عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي إسرائيل كاتس، تمنياته بنجاح المتظاهرين الإيرانيين، مع التأكيد على أن بلاده لا تدعم المظاهرات الجماهيرية، في إشارة إلى اهتمام إسرائيلي بالأحداث الجارية في إيران.
ووجهت وسائل إعلام أخرى بوصلتها نحو الموقف الأميركي أكثر من اهتمامها بنقل أصوات الثوار داخل إيران، إذ نقلت صحيفة “ذا ايكونوميك تايمز”، تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ردا على كلمة الرئيس الإيراني روحاني، بأن “الاحتجاجات الكبيرة” التي تشهدها المدن الإيرانية أظهرت أن “الناس يدركون كيف تتم سرقة أموالهم وثرواتهم”، وظهر التركيز الأميركي على الموقف من طهران، منصبا على الناحية الاقتصادية.
وكان العامل المشترك في غالبية الصحف ووسائل الإعلام الغربية، إفراد مساحات للتركيز على الأسباب التي أدت إلى انفجار المجتمع الإيراني؛ وهو ما بدا واضحا من تغطيات شبكة “فوكس نيوز” التي قامت بعمل تقرير مفصل حول الانتهاكات التي تقوم بها السلطات الإيرانية ضد المتظاهرين بشكل عام، بالإضافة إلى ممارسات الاعتقال التعسفي والعشوائي لأي شخص يقف ضد رموز النظام في إيران، والرقابة الممنهجة على جميع الإيرانيين بشكل ينتهك خصوصياتهم وحياتهم بشكل عام، لكنها افتقرت لآراء الناشطين داخل إيران.
وتساءل مراقبون أين المراسلون الأجانب في طهران، هل عجزت جميع التقنيات الحديثة عن الوصول للمتظاهرين؟
ومن جهتها، رأت صحيفة “نيويورك تايمز” أن قطع وسائل الاتصال على المتظاهرين في مختلف المدن الإيرانية، سيؤجج حالة الاحتقان وسيدفع بالعديد من سكان المدن والأحياء الإيرانية للانضمام إلى المظاهرات. بينما قالت شبكة “سي إن إن”، إن الإيرانيين لا يخرجون للتظاهر، إلا إذا كانت الأوضاع شديدة السوء.
ونادت التغطيات الغربية بالتأكيد على ضرورة مساندة حقوق الشعب الإيراني، في ظل تخوفها من قمع قوات الأمن الإيرانية، مستندة إلى آراء محللين ومتابعين خارج إيران. واستندت صحيفة “ذا ناشيونال”، في تغطيتها للحراك الإيراني على تصريحات المعارِضة الإيرانية والحائزة على جائزة نوبل، شيرين عبادي، التي قالت “إن الاحتجاجات لن تنتهي قريبا، وإن إيران ستشهد بداية حركة احتجاج كبيرة يمكن أن تذهب إلى ما هو أبعد من الموجة الخضراء لعام 2009”، وشددت على أنّ ما يحدث ربَّما يكون بداية لحدث أكبر في البلاد، وهي رؤية استنتجتها من تزايد الحراك وانضمام مدن أخرى للمحتجين الذين أصبحوا أكثر جرأة على مواجهة قمع الشرطة.
وتبنت الصحيفة وجهة النظر هذه، قائلة إن الوضع “يمهد الطريق لإنهاء معاناة المعارضة والأقليات”، داعمة تصورها لرموز المعارضة بأن “ما يحدث في إيران الآن مقدمة لإيران الجديدة”.
واتجهت صحيفة “أميركان ثينكر” إلى الأسلوب نفسه بإبراز دور المعارضة الذي شهد تصاعدا خلال الفترة الماضية بعد معاناة في الخارج، والاستناد إلى تصريحات مريم رجوي رئيسة المجلس الوطني للمقاومة في إيران، والتي تمارس نشاطها خارج البلاد، وقالت إن “الاحتجاجات الجارية في مدن مختلفة ضد النظام تكشف الحالة المتفجرة للمجتمع الإيراني ورغبة الشعب في تغيير النظام”.
وانبرت بعض المنابر الغربية في التركيز على القصة الرسمية للنظام الحاكم في إيران، فاستضافت على سبيل المثال قناة دويتشه فيله الألمانية، حسين رويوران الخبير في الشؤون الإيرانية، الذي قال بوجود جهات تقف وراء الاحتجاجات المتصاعدة في إيران وذكر أسماء بعضها، ممن وصفهم بالمعارضة الخارجية.
وبدورها “بي بي سي” البريطانية، منحت مظاهرات التأييد للنظام مساحة واسعة في تغطيتها، واهتمت بتصريحات المسؤولين الإيرانيين وتغاضت عن قمع قوات الأمن والشرطة للآلاف من المتظاهرين، وأشارت إلى الاحتجاجات بالقول “لا يبدو أنها تجري على نطاق واسع!”، الأمر الذي أثار غضب الناشطين الإيرانيين وعبروا عن انزعاجهم من تغطية “بي بي سي” التي عانى مراسلوها في طهران من قمع السلطات كثيرا.
وعملت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية على الحد من التغطية الإعلامية لتلك المظاهرات. وتشير المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى وجود المئات من المتظاهرين في بلدات ومدن إيران.
والأحد الماضي، توجه العشرات من الطلبة الذين يعتقد بارتباطهم بالمتشددين، إلى جامعة طهران للاحتجاج ضد حكومة روحاني. وهتفوا “لا نريد حكومة مشلولة” و”حكومتنا، مصدر عارنا”، وفقا لوسائل إعلام محلية. وكالعادة الرسمية، أشارت وسائل إعلام متشددة إلى أن القوى الأجنبية تقف خلف تلك الاضطرابات، وحذرت من وجود مؤامرة ضد الجمهورية الإيرانية.
وقد أشارت وكالة فارس للأنباء، وهي مقربة من الحرس الثوري الإيراني، إلى أن أعداء إيران قد يفعلون أي شيء من أجل تفاقم الوضع بشكل أكبر.
وبدورها، ساندت وسائل الإعلام الروسية نظيرتها الإيرانية في تأكيد وجود “الأيادي الخارجية” في الحدث الإيراني، وزعمت وكالة نوفوستي أن البيت الأبيض أكد ما كانت التلفزة الإسرائيلية قد كشفت عنه مؤخرا، من أن “مذكرة تفاهم حول الشأن الإيراني” بين إسرائيل والولايات المتحدة قد تم التوقيع عليها في واشنطن في 12 ديسمبر.