>> آنذاك كان السبب تصدّع داخل النظام، والآن، يطالب الشعب بإسقاط النظام
نشرت، أول أمس الإثنين، صحيفة “وول استريت جورنال” الأمريكية مقالا لزعيمة المقاومة الإيرانية، مريم رجوي، عن الانتفاضة الإيرانية التي تشهدها البلاد، في آواخر ديسمبر، والتي لازالت تندلع بين الحين والآخر.
وفيما يلي نص المقال:
أرسلت الاحتجاجات في إيران رسالة مقنعة: نظام الملالي يقف على أرض هشّة، والشعب الإيراني لن يتزعزع في سعيه لإسقاط النظام. شعارات ضدّ ولاية الفقيه، أو الحكم الديني المطلق تدعو إلى إقامة جمهورية حقيقية وتستهدف بشكل صريح نظام المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس حسن روحاني. هذا يبدّد الأسطورة التي لا تزال بعض الحكومات تتبنّاها وهي أنّ الإيرانيين يميّزون بين المعتدلين والمتشدّدين في طهران. كما أنّها تُضعف الحجج الخاطئة التي تصوّر نظامًا مستقرًا.
فالملايين من الإيرانيين يعيشون في الفقر. ومع ذلك، أنفقت طهران ما يزيد عن 100 مليار دولار للمجازر في سوريا، وفقا لتقارير تمّ الحصول عليها من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. هتافات “الموت لحزب الله” و”أُخرجوا من سوريا وفكّروا بنا بدلا من ذلك” تدلّ بوضوح على معارضة الشعب لمخطّطات النظام الحربية في المنطقة.
تخصّص الميزانية الرسمية للبلاد هذا العام أكثر من 26.8 مليار دولار للشؤون العسكرية والأمنية وتصدير الإرهاب. هذا بالإضافة إلى 27.5 مليار دولار للإنفاق العسكري لمؤسسات خاضعة لسيطرة السيد خامنئي والحرس الثوري الإسلامي. أمّا الميزانية المخصّصة للرعاية الصحية فهي لا تتعدّى مجرد 16.3 مليار دولار. ينفق هذا النظام الضعيف والمستضعف هذه المبالغ الخيالية على التدخّل الإقليمي كجزء من استراتيجيته للبقاء والإستمرار.
قد يشير المشكّكون إلى أنّه قد سبق لإيران أن واجهت احتجاجات من قبل. ما الذي يجعل الانتفاضة الحالية مختلفة عن احتجاجات 2009؟
اندلعت احتجاجات 2009 جرّاء انشقاقات في أعلى هرم النظام. أما الاحتجاجات الحالية – التي بدأت في مشهد ثاني أكبر مدينة في إيران وسرعان ما انتشرت في جميع أنحاء البلاد- كانت بدافع ارتفاع الأسعار والخراب الاقتصادي وتفشي الفساد والاستياء تجاه النظام. سوء الإدارة الاقتصادية الشاملة له جذور في النظام السياسي، وإنّه يزداد سوءا يوما بعد يوم. ولهذا السبب طفت على السطح، على الفور تقريبا، المطالب بتغيير النظام. والتي تبدو النتيجة الوحيدة التي يمكن تصوّرها.
فرق رئيسي آخر: قاد انتفاضة 2009 في البداية الطبقة المتوسطة العليا وفي جوهرها طلاب الجامعة واتّخذوا من طهران مركزًا لها. أمّا المظاهرات الأخيرة فهي تغطي شريحة أوسع من السكان، الطبقة المتوسطة، والناس المحرومين، والعمال، والطلاب، والنساء والشباب. كل شرائح تقريبا مُثّلت على خط الإعتصام.
ولا ترتبط الانتفاضة الحالية بأي من فصائل النظام الداخلية أو تجمّعاته. وليس هناك أيّة أوهام حول الإصلاح أو التغيير التدريجي النّابع من الداخل. وإحدى الشعارات الشعبية في طهران “أيها المتشدّدون، المصلحون لقد انتهت اللعبة الآن.” وهذا أيضا علامة أخرى من اليقين بإسقاط النظام. كما يقول تعبير إيراني: ربّما عاجلا أو آجلا، ولكنّه بالتأكيد.
عامل الإختلاف النهائي بين هذه الإحتجاجات وتلك في عام 2009 هو وتيرة الأحداث. في ظرف أقل من 24 ساعة، تحوّلت شعارات المتظاهرين المندّدة بالصعوبات الاقتصادية لرفض النظام بأكمله. أخذت هذه الأحداث كيانات النظام على حين غرة ويسعى الأخير جاهدا لإيجاد حلّ موحد. أعلن الحرس الثوري الإيراني يوم الأحد الانتصار على الاحتجاجات ، ولكنّ هذا يعكس امنياته أكثر ممّا يعبّر عن الواقع.
أصدر النظام تحذيرات صارمة ضدّ الانضمام إلى مجموعة المعارضة الرئيسية، مجاهدي خلق. قادة النظام واحداً تلو الآخر، ذوي الرُّتب الدنيا وكبار المسؤولين، انضمّ إليهم أئمّة صلاة الجمعة من أنحاء البلاد موالين للنظام، ألقو اللّوم على منظمّة مجاهدي خلق بسبب الإحتجاجات. سيل التصريحات الذي أدلى بها مسؤولو النظام تعكس حالة من الذّعر من جرّاء توسع الإنتفاضة على الصعيد الوطني وارتفاع شعبية منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
لجأت الدكتاتورية الدينية إلى قمع واسع النطاق لمواجهة المتظاهرين. فقد قتلت قوات الحرس الثوري الإيراني 50 شخصا على الأقل وأصابت المئات. بحلول نهاية اليوم التاسع من الاحتجاجات اُعتقل 3000 شخص على الأقل وفقًا لمصادرنا في البلاد. تقارير عديدة تشير إلى أنّ قوات الأمن تدقّ أبواب الناس، بالمعنى الحرفي، وتحذّرهم من الإنضمام إلى المظاهرات. شبكة القمع تعمل على أوسع نطاق ممكن.
وفي ضوء هذا القمع الوحشي، يجب على المجتمع الدولي أن لا يلتزم الصمت. يجب أن يتّخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة إجراءات عقابية ضدّ جرائم النظام. وهو ما يطالب به منذ فترة طويلة الشعب الإيراني والمعارضة. يجب ألّا ننسى أن مرتكبي المذبحة المروعة في عام 1988 التي أُعدم خلالها ثلاثين ألف سجين سياسي لا يزالون في السلطة اليوم، يتولون مناصب كبار المسؤولين التنفيذيين والمناصب القضائية و يقومون بقتل المتظاهرين في الشوارع.
وربما يكون الفرق النهائي بين احتجاجات 2009 والانتفاضة الأخيرة أنّ هذه الأخيرة تنجح في الإطاحة بالثيوقراطية الملعونة في إيران. الشعب الإيراني يحدوه وطيد الأمل في ذلك.