يعد متحف “زايتز للفن الأفريقي المعاصر”، بمدينة كيب تاون الأول من نوعه في القارة الأفريقية، وهو مؤسسة أهلية مخصصة لعرض الأعمال الفنية لأفضل فناني القارة السمراء.
يعد المتحف، المعروف محلياً باسم “زايتز موكا” في جنوب أفريقيا، أكبر المتاحف المخصصة لعرض أعمال الإبداع الفني المعاصر، التي ينتجها أبناء القارة في الداخل، أو الخارج.
وتأسس المتحف في إطار شراكة بين رجل الأعمال الألماني جوكن زايتز، ومركز “فكتوريا آند ألفريد وترفرونت” التجاري، وهو مجمّع يضم مطاعم ومتاجر فاخرة أقيم داخل صومعة غلال أثرية تعود إلى عشرينييات القرن الماضي.
وقد حولت شركة “هيثيرويك ستوديو” للتصميمات الداخلية تلك الصومعة لتصبح مبنى عصريا مذهلا في جنوب أفريقيا. ويقول القائمون على المتحف إنهم يستهدفون أيضا إحداث تحولات اجتماعية في هذا البلد، من خلال عدم الخوف من تحدي الأعراف السائدة.
وتبلغ مساحة المتحف 6000 متر مربع، وتنتشر أروقة العرض في تسعة طوابق. ويأمل مؤسسو ذلك المتحف، الذي افتُتح في شهر سبتمبر/أيلول 2017، أن تساهم المساحة الهائلة للمتحف، بالإضافة إلى استخدام برنامج عرض إلكتروني مبتكر، في تمكين المتحف من إبراز التنوع الهائل للإبداع في القارة السمراء.
ويقول المدير التنفيذي للمتحف، وكبير أمنائه، مارك كوتزي: “في العرض الافتتاحي، قلنا إننا ‘سنمثل الجميع'”.
ويضيف: “إنه متحف تجريدي جداً، وهناك رسوم شخصية كثيرة، ولوحات كثيرة تصوّر الفنانين أنفسهم وهم ينجزون أعمالهم بينما يتطلعون إلى المُشاهد. والأمر الاستثنائي هنا هو كيف سيبدو التنوع في بلدنا، عندما نضع الأعمال الفنية جنباً إلى جنب، وإلى أي مدى تقع علينا مسؤولية تمثيل الجميع”.
إن اجتذاب جمهور كان يشعر في الغالب باستبعاده من المؤسسات الثقافية، هو أمر مهم جدا بالنسبة لمؤسسي المتحف أيضا.
ويقول كوتزي: “نظّمنا الكثير من المناهج لكسر تلك الحواجز. ومن السهل القول ‘دعونا ندرج جميع الثقافات ضمن هذا المشروع’. لكن إذا لم يسهل الوصول إليه فسيكون ذلك دربا من الجنون. لكن لِما لا نقوم به من الأساس؟”.
لا بد أن النجاح قد جاء كنوع من السلوى في مقابل الانتقادات التي تعرض لها المشروع في أسابيعه الأولى، إذ وُجّهت معظمها إلى فكرة أن الأشخاص الرئيسيين الذين يقفون وراء المتحف هم جميعاً رجال من ذوي البشرة البيضاء.
يقول كوتزي إنه كان مدركاً عند بناء المتحف “أن ذلك الأمر سيصبح معضلة”، لكن بعد عدة محاولات لإيجاد وسائل أخرى مختلفة لتمويل المتحف، “كانت هذه هي الظروف التي أدت إلى ما حدث”.
ويشكك البعض في مدى شمولية المعروضات حقاً، ويدرك كوتزي أن المتحف لا يسعى للتعريف بكل فنون القارة بأكملها، لكنه يشير أيضاً إلى أن كل مؤسسة لها نقاط ضعفها، وأن السبيل لتجاوزها هو التعاون والمشاركة.
كان مركز “فكتوريا آند ألفريد وترفرونت” التجاري، وكما يؤكد كوتزي، من جازف بتلك المخاطرة الكبيرة بالاستثمار في المشروع، وأصحابه هم الذين اختاروا هيثيرويك، العقل المدبر وراء تجديد المنشأة وتحويلها من صومعة حبوب إلى صالة عصري للمعروضات الفنية.
كانت هيثيرويك قد سبق وأن أنشأت المرجل المعدني لدورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012.
ربما كان المؤسسون من البيض، إلا أنهم استطاعوا توظيف أناس من مختلف العرقيات لتحقيق التنوع. أضف إلى ذلك أن أمناء المتحف، وهم شباب من أعراق متنوعة، هم الذين برهنوا على كونهم مفتاح نجاح ذلك المتحف.
فهم يعملون، مثل باقي الموظفين، في أماكن وجود الزوار في المتحف، بما يتيح لهم مجالاً للتفاعل مع الزوار بأشكال لا يمكن للمتاحف التقليدية أن تقوم بها.
ويقول كوتزي: “يتكلم أمناء المتحف عندنا بجميع لغات السكان الأصليين، ولدينا رسائل رائعة من مدرّسين يذكرون فيها مدى أهمية أن يتحدث أحد بلغة الأطفال عن أمور تهمّ مجتمعاتهم وبشكل يومي”.
ورغم أن “زايتز موكا” متحف مفتوح لعامة الناس، فإن فكرة أنه مموّل بشكل رئيسي من القطاع الخاص يعني أننا “نستطيع التعامل مع مواضيع ربما لا تستطيع مؤسسات حكومية التعامل معها”، حسب قول كوتزي.
ويحقق مختبر المتحف حالياً في شكوى من مثليين وغيرهم بخصوص رهاب المثليّة وقمع حقوق المثليين في جنوب أفريقيا، وهو موضوع مثير للجدل بقوة في مجتمع تترسخ فيه معايير صارمة تجاه المثلية.
ويقول كوتزي: “تلك هي المعضلات التي تجابهنا. وهناك زوار ممن يستصعبون هذا الأمر”، ودخل أمناء المتحف في “نقاشات مزعجة”، لكنها ليست مسؤولية يخجل المتحف من الخوض فيها.
الدخول مجاني إلى المتحف لجميع مواطني جنوب أفريقيا – ولكل من يحمل جنسية أي بلد في أفريقيا – في أوقات الصباح من أيام الأربعاء. وهو أول متحف في البلد يدخله من هم دون الثامنة عشرة من العمر مجاناً على مدار السنة.
كما ينظم المتحف برامج لجلب أطفال المدارس بالحافلات، وبعضهم يأتي من مسافات بعيدة، مثل محافظة كيب الشرقية، التي تبعد 11 ساعة في رحلة بالحافلة.
وأثمرت جهود المتحف بشكل لم يكن متوقعا. وتَعتبر معظم المتاحف في جنوب أفريقيا نفسها محظوظة إذا ما زارها 45 ألف زائر في السنة. أما متحف “زايتز موكا” فقد زاره 100 ألف شخص في أول شهر من افتتاحه.
ويقول كوتزي: “كانت رؤيتي على الدوام أن لا يصبح المتحف مجرد معرض أعمال فنية، بل يكون قادراً على إحداث تحولات اجتماعية واضحة. والوسيلة المطلوبة للقيام بذلك هي ترك أكبر أثر ممكن على فئة الشباب”.
ويتابع: “ما وجدناه هو أن معظم صغار ما بعد فترة الفصل العنصري يدخلون أفواجاً إلى المتحف. إنهم الشباب، المتمسكون بتنوعهم العرقي؛ وليس الشباب البيض فقط. ويُسعدني كثيراً أن أعرف أن الأمر قد نجح”.