شهدت كينيا في الفترة من عام 2003 إلى عام 2008 زيادة كبيرة في عدد الملتحقين بالتعليم الابتدائي والثانوي, بسبب إدخال التعليم المجاني والأهداف الإنمائية للألفية. غير أن نسبة 17 في المائة من الأطفال الكينيين – وفقا لليونيسيف – في سن التعليم الابتدائي لا يزالون خارج المدرسة.
وكان هناك نوعان من المدارس في كينيا وهما: المدارس العامة المجانية نسبيا, والمدارس الخاصة المكلفة. غير أن هناك آلاف المدارس الأخرى التي لا تقع في أي من الفئتين المذكورتين، وهي ما تعرف باسم “المدارس غير الرسمية”.
ولا يخفى مساهمة هذه “المدارس غير الرسمية” – التي أئشئت في مختلف المجتمعات الكينية – في تعليم الأطفال في الأحياء الريفية والمناطق النائية، حيث تساعد على التعويض عن النقص العام في المدارس والكلفة في الرسوم.
ونظرا لطبيعة هذه المدارس والمجتمعات التي تخدمها، فإنها لا تستطيع تلبية متطلبات التسجيل لتنضمّ إلى فئة المدارس الخاصة, لبهْظِ تكاليف التسجيل ومعايير البناء الخاصة بالمدارس الخاصة، وهذا يفسر السبب وراء فرض المدارس الخاصة رسوما عالية مقارنة مع الرسوم التي تفرضها المدارس غير الرسمية على طلابها.
بل وتجدر الإشارة إلى أن الطلاب الذين يتلقون تعليمهم في المدارس غير الرسمية غالبا ما يكونون أفضل في المستوى، حيث يركز العديد من هذه المدارس على النواتج بدلا من المدخلات. وهذا يعني – كما يقول العضو في البرلمان الكيني كريس وامالوا – أن هذه المدارس تقيس النجاح من خلال التحسن في التعلم. “فهي تعطي الأولوية لما يخرج من الفصول الدراسية، على عكس العديد من المدارس التي تركز مجهوداتها على المبنى أو المرافق، بدلا من قياس ما إذا كانت ناجحة في تقديم الخدمات التعليمية للطلاب.”
ولأن طلب المجتمع الكيني للتعليم مرتفع نتيجة لتزايد عدد السكان، فإن قطاع التعليم في البلاد منذ سنوات ماضية تشهد تزايدا في الاستثمار وتحركات نحو الإصلاح. الأمر الذي جعل الحكومة تركز اهتمامها على تحسين فرص الوصول والجودة التعليمية مع متطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي والعالمي.
ولا شك أن هذا الاهتمام بالقطاع والرغبة في مواءمته مع احتياجات سوق العمل سيؤدي إلى فرص كبيرة للجهات الفاعلة في القطاع العام والخاص، وخاصة على مستوى التعليم العالي.
تأملات في إصلاح نظام التعليم الكيني:
اشتهرت كينيا – من بين أقرانها بشرق أفريقيا – بمشاريعها الطموحة وتقدّمها بخطوة تلو أخرى نحو التنمية المستدامة وتحقيق الرفاهية للمواطنين. وكان إطلاق “M-Pesa” وهي خدمة تحويل الأموال المتنقلة, ونجاحها الملحوظ خير مثال, حيث تستهدف الخدمة غير الحاصلين على الخدمات المصرفية من الكينين, وقد تطورت هذه الخدمة منذ عقد من الزمن لتصبح عنصر رئيسي في الاقتصاد الكيني.
فكيف يمكن لكينيا تحقيق ابتكارات في قطاع التعليم لإحداث تغيير استثنائي وإصلاح يستفيد منه أجيال بأكملها – وخاصة وأن البلاد واحدة من أعلى معدلات البطالة في شرق أفريقيا، وفقا لمؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2016 ؟
إن الحديث عن إصلاح نظام التعليم في كينيا لا بد وأن يشمل الإصلاحات السياسية والتشريعية، وإصلاح المناهج الدراسية، والابتكارات التعليمية، والنهج القائمة على المهارات، والأخذ في الاعتبار الروابط بين الصناعة والفصول الدراسية، واكتساب المهارات القابلة للتوظيف، والتعلم مدى الحياة، وتوفير التعليم لمتعلمي القرن الحادي والعشرين, مما يدفع نظام التعليم إلى إنتاج مبدعين ومخترعين ومبتكرين يحلون المشكلات, ويزود الشباب بالأساسيات والتوجيهات اللازمة ليكونوا أصحاب المشاريع والمفكرين وصانعي التغيير في مجتمعهم المحلي والدولي.
وكما يقول داريوس موغاكا أوغوتو, مدير السياسات والشراكات وشؤون مجموعة شرق أفريقيا في وزارة التعليم الكينية, في مقاله لمركز بروكنغز:
“لقد كانت دائما رغبة الحكومات المتعاقبة في كينيا تحقيق إصلاحات في النظام تتماشى مع تطلعاتها الوطنية والقارية. وعلى مستوى الاتحاد الأفريقي، وافقت الدول الأعضاء على جدول أعمال عام 2063، الذي يتضمن طموحات التعليم لتحفيز ثورة التعليم والمهارات والعمل بنشاط على تعزيز العلم والتكنولوجيا والبحث والابتكار، بهدف بناء المعرفة والقدرات والمهارات في مستقبل أفريقيا. وهذا الزخم جاء بهدف رؤية أفريقيا المتكاملة والسلمية والمزدهرة، التي يقودها مواطنوها لتحتل مكانها الصحيح في الساحة العالمية. وهذا يتطلب متابعة عملية التغيير لبناء القرار القائم على الأدلة، والأطر التشريعية الداعمة، وتخصيص الموارد لعملية التدريس والتعلم الفعلية في الفصول الدراسية.”
واتخذت حكومات كينيا أيضا استراتيجيات تقاسم التجارب مع أقرانها في جميع أنحاء القارة مصدرا للتفكير والتخطيط في عملية إصلاحها التعليمي. وكعضو في مجموعة شرق أفريقيا الإقليمية، فإن استفادة كينيا من تجارب أقرانها ودعمهم سيشكل عنصرا رئيسيا في بناء قدراتها وقدرات الدول الأعضاء من أجل تعزيز نوعية الحياة للمواطنين في المنطقة.
سوق العمل كمحرك لإصلاح التعليم الكيني:
وقد شرعتْ كينيا في تنفيذ برنامج تجريبي لإصلاح نظامها التعليمي كانت قد خططت له منذ سنوات. ويهدف هذا البرنامج إلى التركيز على المهارات وتفضيلها على المعرفة وإدراج المزيد من مقررات ودورات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) والتدريب المهني, في محاولة لتحسين إعداد الشباب لتطورات سوق العمل.
وإذا ما نُفّذ هذا البرنامج، فسيكون ثاني إصلاح رئيسي يتم للمناهج المدرسية الوطنية في كينيا منذ الاستقلال.
إذ كان آخر تغيير من هذا القبيل في عام 1985, وانتقلت البلاد إلى ما يسمى بنظام 8-4-4 ؛ أي ثماني سنوات للتعليم الابتدائي، أربع سنوات للتعليم الثانوي، وأربع سنوات للمرحلة الجامعية.
وبحسب برنامج الإصلاح الجديد، فقد طرحت وزارة التعليم الكينية نموذجا جديدا يطلق عليه نظام 2-6-6-3، والذي يعيد تنظيم عدد السنوات التي يقضيها الطلاب في المستوى الابتدائي والثانوي والجامعي, بهدف إعداد الطلاب للوظائف الحالية والناشئة.
تقول سارا روتو، رئيسة الوكالة الحكومية, المعهد الكيني لتطوير المناهج الدراسية, “إن نظام 8-4-4 يحتاج إلى تغيير لأنه لم يعد يعالج احتياجات اليوم”.
وأضافت: “إذا نظرتم إلى أصحاب العمل، فإنهم يقولون دائما أن الخريجين الذين يأتون إليهم للعمل لا يملكون المهارات والكفاءات التي تناسبهم في سوق العمل، وهذا يعيدنا إلى نظام التعليم. كيف يتم عملية التعليم ؟”
ويقول المسؤولون الكينيون إن النظام الجديد يدعم خطة التنمية الحكومية، التي تسمى “رؤية 2030″، لتحويل كينيا إلى اقتصاد صناعي متوسط الدخل بحلول نهاية العقد المقبل.
وسيدخل الأطفال مرحلة ما قبل المدرسة في سن الرابعة لمدّة عامين, ثم ينتقل الطلاب إلى ست سنوات في المرحلة الابتدائية، حيث سينصب التركيز على التفكير المنطقي والمهارات الاجتماعية ومحو الأمية الرقمية.
وتشمل المرحلة التالية التي هي ست سنوات من التعليم الثانوي، التوجيه المهني الدقيق. وستتركز السنوات الثلاث الأخيرة على الفنون والرياضة، ومحو الأمية المالية، وتنظيم المشاريع وتخصصات ” STEM”. كما سيركز الطلاب على تخصص معين على أساس قدراتهم.
وعلى أساس هذا البرنامج, فإن محو الأمية الرقمية يعتبر عنصرا رئيسيا في جميع المراحل الدراسية، وستنتقل المدارس من التقييم القائم على الامتحانات, كما سيجلس طلبة المدارس الثانوية على امتحان نهائي لتحديد ما إذا كانوا سينتقلون إلى ثلاث سنوات إضافية في الجامعات أو التدريب المهني الإضافي.
تقول روتو “هناك الكثير من التغييرات التى تحدث وأحد أكبر التغييرات هو التكنولوجيا، وكيف كانت التكنولوجيا تشكل (مجتمعاتنا وعالمنا) وتؤثر (فيهما),” مضيفة “إذا لم تجلس وتفكر وتقوم بالإصلاح، فستجد أن ما تفعله في المدرسة مختلف جدا عما يحدث خارجها، وهذا يعني أنه عندما يتخرج أطفالك من النظام المدرسي، فإنهم مُدرَّبون لشيء غير موجود في المجتمع “.
وقد بدأ اختبار النموذج الجديد في المدارس التي اختارتها الحكومة.
وإذا سارت الأمور حسب الخطة الموضوعة ، سيقدم اختصاصيو التوعية خطة رسمية لإجراء الإصلاحات على مستوى البلاد للبرلمان لمناقشتها والموافقة عليها.
هذا, وعلى الرغم من كل ما سبق وأهمية هذه الخطوة الإصلاحية بالنسبة للحكومة الكينية وقطاع التعليم، فإن الخبراء التربوبيين يحذرون من أن المناهج الجديدة ليست “عصا سحرية”. وأشاروا إلى أنه يجب على كينيا أيضا معالجة قضايا أخرى، مثل الإضرابات المتكررة للمدرسين والافتقار إلى الضروريات الأساسية في المدارس. كما أنه يجب تزويد المعلمين بالأدوات والوسائل التعليمية التي يحتاجون إليها, فضلا عن صعوبات سياسية أخرى تصاحب إدخال لوائح جديدة في البلاد.