عند استذكار السنوات الثلاث السابقة التي مرت على الاقتصاد العراقي تقفز الى الذاكرة مواقف وقرارات اقتصادية بانت اليوم ملامح حكمتها بشكل جلي بعد ان أسهمت في عبور تلك السنين العجاف، يأتي في مقدمتها سياسات الجهاز المصرفي العراقي عموما والبنك المركزي خصوصا في سياق تعزيز مالية الحكومة عن طريق ابتياع السندات الحكومية على الرغم من الانتقادات غير المبررة التي تعرض لها البنك المركزي على ذلك، فمن من المنتقدين كان قادرا على البقاء شهرا واحدا من دون راتب؟!
اغلب تلك الانتقادات فاحت منها رائحة السياسة ولم تحمل من الحجج الاقتصادية ما يكفي للصمود امام معطيات الواقع، فالبعض اشكل على البنك المركزي تدخله في الاقراض بان قانونه يمنع اقراض الحكومة لتعزيزاستقلاليته، وهذا صحيح الا ان القانون ذاته يسمح للمركزي بالاقراض غير المباشر عبر السوق الثانوي وهذا ما حصل، وبالتالي يجب ان لا تصور استقلالية البنك المركزي على انها علاقة “طلاق” مع الحكومة، وانما هي تمثل قدرة المركزي على اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة من دون ضغوط سياسية.
الاجراء الثاني الذي لا يقل اهمية عن سابقه تمثل في الدور التنموي الذي اقدم عليه البنك المركزي عبر مبادرة اقراض المشاريع الصناعية والزراعية والسكنية مبلغ خمسة تريليونات دينار فضلا عن تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة مبلغ تريليون دينار، وعلى الرغم من النجاح النسبي للمباردة في المجالات الصناعية والزراعية ولاسباب خارجة عن قدرة الجهات التمويلية، فان نجاح المبادرة السكنية لوحده يكفي للقول باهمية المبادرة ونجاحها.
ومن اجل تعزيز الاجراءات السابقة اقدم البنك المركزي قبل ايام على تقديم تمويل جديد للمشاريع السكنية وصل الى نحو خمسمائة مليار دينار، وهذه الخطوة بالتاكيد لها مبرراتها التنموية التي ذكرتها لا سيما مع النسب المرتفعة في النمو السكاني والتي تزيد من الحاجة الى الوحدات السكنية، ومن جانب اخر فان لهذه المبادرة اثارا ايجابية غير مباشرة في تحقيق الاستقرار السعري الذي يستهدفه البنك المركزي حيث ان الوزن النسبي لاسعار المنازل والايجار يعد الاكبر من بين العوامل المكونة للرقم القياسي للاسعار في العراق وبالتالي فان هذه الخطوة تدلل على وعي كبير من قبل السطلة النقدية في تحفيز التنمية وتحقيق الاستقرار السعري معا.