ألقى انسحاب عدد من الأحزاب من وثيقة قرطاج، التي تمثل الحزام السياسي لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد، بظلاله على الاستقرار السياسي وسط تسريبات عن أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي يفكّر في مبادرة للخروج من الأزمة سواء بتعديل وثيقة قرطاج أو طرح وثيقة بديلة تكون بمثابة “وثيقة قرطاج2″ لحشد عدد أكبر من الداعمين حول حكومة الوحدة الوطنية.
وبحسب صحيفة “العرب” اللندنية، زاد التعاطي الحكومي المرتبك مع الاحتجاجات الأخيرة في تفكك الحزام الداعم لها بعد انسحاب الحزب الجمهوري، وآفاق تونس، وحركة مشروع تونس، وتهديد حزبي المسار وحركة الشعب أيضا بالنسج على نفس التمشي.
وقللت مصادر تونسية مطّلعة من أهمية الحديث عن مبادرة رئاسية لعرض وثيقة جديدة، لكنها أكدت لـ”العرب” أن “السبسي يتابع عن كثب كل التطورات الحاصلة بعد انسحاب أحزاب مهمة من وثيقة قرطاج”.
وأشارت إلى أن الرئيس التونسي كان واضحا خلال آخر اجتماع للموقعين على وثيقة قرطاج، وذلك بطلبه من الموقعين على الوثيقة تقديم اقتراحات جديدة خصوصا أنه أقرّ صراحة بأن تنفيذ بنود وثيقة قرطاج يسير ببطء لا يتماشى مع متطلبات الوضع في تونس وخاصة في الملفين الاقتصادي والاجتماعي، وأنه لذلك اشترط على المشاركين في الاجتماع الأخير عدم تحديد أي موعد ثابت للاجتماع المقبل قبل التزام كل طرف بإعداد مقترحات عملية قد تضفي جرعات جديدة على الوثيقة بما يتناسب مع متطلبات الوضع الراهن في تونس.
وجوبهت وثيقة قرطاج منذ التوقيع عليها في يوليو 2016 بقصر قرطاج بانتقادات لاذعة لا من الأحزاب المعارضة فحسب بل من أغلب الموقّعين عليها أيضا.
وكان نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أحد أهم الأطراف المساندة لحكومة يوسف الشاهد، أول المنتقدين لمحتوى الوثيقة حيث اعتبر أنّها جاءت فضفاضة وبملامح عامّة لا يمكن لها أن تخرج البلاد من كل أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.
وانتقدت منظمة الأعراف (منظمة أرباب العمل)، وهي أحد أهم الأطراف الاجتماعية في تونس وثيقة قرطاج، واعتبرت أنها تتضمن نقاطا عامة لا سياسات وخيارات واضحة فيها، بل وهدّدت المنظمة مؤخرا بإمكانية الانسحاب منها عقب تمرير قانون المالية لعام 2018.
وقال سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل لـ”العرب” إن المنظمة الشغيلة بصدد دراسة كل التطورات الحاصلة بعد انسحاب بعض المكونات من وثيقة قرطاج، مؤكّدا أنه لم يبلغ إليهم أي دعوة رسمية لصياغة وثيقة ثانية قد يطلق عليها تسمية “وثيقة قرطاج2″.
من جهته، أكّد بوعلي المباركي الأمين العام المساعد بالمنظمة الشغيلة لـ”العرب” أن المكتب التنفيذي للاتحاد سينعقد قريبا وسيبلور موقفا واضحا ممّا حصل من تطورات في علاقة بوثيقة قرطاج التي تعتبر المرجع الأول لسياسات حكومة يوسف الشاهد.
وأضاف المباركي “لا علم لنا في اتحاد الشغل بأي مبادرة جديدة قد يطرحها رئيس الجمهورية وقد تفضي إلى صياغة ‘وثيقة قرطاج 2′”، ليستدرك قائلا “المنظمة الشغيلة منفتحة على كل الاقتراحات التي تخدم مصلحة البلاد وإن كانت هناك مبادرة في هذا الصدد سننظر فيها ونناقش ملامحها ومن ثمة نحدّد موقفا نهائيا منها”.
وتساءل الصحبي بن فرج، عضو كتلة الحرة، المحسوبة على حركة مشروع تونس “ماذا بقي من مسار (وثيقة) قرطاج؟ لا شيء سوى اجتماعات وتبادل خطابات بروتوكولية مملة من دون أي أثر أو هدف، اللّهم إعطاء الانطباع والوهم بأننا جميعا شركاء في المسار وفي النتائج”.
واقترح بن فرج في نص على موقع فيسبوك “عقد مؤتمر وطني لتصحيح المسار الديمقراطي تدعو له رئاسة الدولة وتشرف عليه هيئة وطنية مستقلة، بمشاركة الجميع (رئاسة وحكومة ومنظمات وطنية وهيئات مهنية وأحزابا فاعلة وشخصيات وطنية).
ويفرز المؤتمر تعديلا حكوميا واسعا بعيدا عن سلطة الأحزاب ويؤدي إلى فريق حكومي متجانس كفء يصيغ إجراءات إنقاذ اقتصادية واجتماعية عاجلة، يقترح خارطة طريق توافقية لإصلاح النظام السياسي الهجين الذي أوصلنا إلى الكارثة”.
وتشير كواليس الأحزاب الداعمة لحكومة الوحدة الوطنية إلى إمكانية أن يلتحق بعض تلك الأحزاب وخاصة المسار الديمقراطي (يسار وسط) وحركة الشعب (قوميون ناصريون) بحركة مشروع تونس والحزب الجمهوري وحزب آفاق تونس.
ويرى متابعون للشأن التونسي أنّ رئيس الجمهورية هو الشخصية السياسية الوحيدة في الوقت الراهن القادرة على إنقاذ الموقف عبر تقديم مبادرة جديدة لضمان الاستقرار السياسي إلى حدود الانتخابات الرئاسية والتشريعية في عام 2019.
ورغم أنّ صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور حُصرت في ثلاث مهام أساسية وهي الخارجية والدفاع والأمن، فإن السبسي وفق كل الملاحظين كان له دور كبير في تسطير المشهد الحكومي وضمان استقرار له.
ونجح الباجي قائد السبسي في أواسط عام 2016 في إنقاذ البلاد من المجهول أو الفراغ عبر تجميع عدد هام من المنظمات والأحزاب السياسية حول مبادرته التي أفضت إلى تشكيل حكومة يوسف الشاهد بعد أن فشل الائتلاف الحكومي الذي قاده آنذاك بالخصوص حزبا نداء تونس والنهضة في تأمين استمرار رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد.