تتجه الانتخابات البرلمانية العراقية إلى تنافس غير تقليدي بين رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، والسابق نوري المالكي، للفوز بمنصب رئيس السلطة التنفيذية، وهو أرفع منصب في البلاد، رغم أن الرجلين ينتميان إلى حزب الدعوة.
وكان من المفروض أن يختار حزب الدعوة مرشحا واحداً، لشغل منصب رئيس الحكومة، قبل خوض الانتخابات، لكن الحزب ارتأى الانسحاب من الانتخابات، والاكتفاء بدعم قائمتي العبادي “النصر” والمالكي “دولة القانون”، على أمل تجنب حدوث شرخ قد يفضي إلى انقسامه على نفسه.
العبادي والحشد وإيران
في ظل حكم المالكي (2006-2014) خسر العراق ثلث مساحة أراضيه لصالح تنظيم داعش، قبل أن يقود العبادي البلد إلى استعادة كل تلك الأراضي، بدعم من التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن نجاحه في إحباط محاولة انفصال إقليم الشمال.
جمع العبادي أكبر قدر ممكن من الأحزاب في تحالفه الانتخابي، على أمل أن يحصد ثمرة انتصاره على داعش والأكراد، لضمان تولي منصب رئيس الحكومة، للدورة الثانية على التوالي، في الانتخابات المقررة 12 مايو المقبل.
ويبدو أن القوى المنضوية في تحالفه كانت غير متجانسة، لذلك انحل عقده بسرعة كبيرة، إذ انسحب تحالف الفتح، الذي يضم أجنحة سياسية لفصائل الحشد الشعبي (قوات شيعية موالية للحكومة)، المقربة من إيران، بعد يوم من انضمامها إلى التحالف، ثم تبعها انسحاب قائمة سنية.
ويرى السياسي العراقي المنشق عن ائتلاف دولة القانون عزت الشاهبندر أن “شكيل هذا التحالف، ومن ثم الانسحابات، كانت عملية مكلفة وباهظة الثمن للعبادي، وستنعكس سلبا على حظوظه في الانتخابات المقبلة”.
وأضاف الشاهبندر، وهو عضو سابق في البرلمان، أن “إيران أرادت احتواء العبادي، ونجحت في إقناعه وإغرائه بضم الحشد إلى قائمته، وقبوله التحالف مع من كان يصفهم (العبادي) بالميليشيات، ومن كان رافضا دخولهم الانتخابات أصلا”.
تحالف “طائفي ومقيت”
وبحسب تقرير نشرته، اليوم، صحيفة “العرب” اللندنية، كان تحالف العبادي مع الحشد الشعبي مفاجئا بالنسبة لكثيرين في العراق كانوا يتوقعون أن يعمل على لجم النفوذ المتعاظم للحشد في الفترة المقبلة، وذلك بعد انتفاء الحاجة لتلك الفصائل، إثر انتهاء الحرب ضد داعش، العام الماضي، وخشية من أن تصبح كيانا أقوى من الدولة ذاتها.
ووصف رجل الدين الشيعي البارز، مقتدى الصدر، زعيم تيار سياسي، الأسبوع الماضي، تحالف العبادي مع الحشد بأنه “طائفي ومقيت”. والصدر من أبرز الداعين إلى حل قوات الحشد الشعبي ودمج مقاتليه في الأجهزة الأمنية الرسمية.
وهي تطورات علق عليها الشاهبندر بقوله “لا نستبعد أن يكون العبادي قد شعر بتورطه بانضمام الحشد إلى تحالفه، لذلك سارع إلى استعجالهم الانسحاب عبر إخلاله بالاتفاق معهم، وضم حزب الحكمة، بزعامة عمار الحكيم وكيانات أخرى”.
وفي الاتجاه نفسه قال مصدر سياسي، إن “انسحاب الفصائل الشيعية من تحالف العبادي كان بسبب انضمام حزب الحكيم إليه وكتل سياسية سنية، نظرا لأن هذه الأطراف لا تنسجم مطلقا في أفكارها السياسية وكيفية إدارة البلاد”.
ووسط هذا كله اكتفى الحشد بوضع تبريرات مقتضبة لانسحابه، ووصفها بالأسباب “الفنية”، بحسب رئيس تحالف الفتح، زعيم منظمة بدر، هادي العامري، الذي لم يستبعد، في بيان، تحالف الحشد مع العبادي بعد الانتخابات لتشكيل الحكومة.
ولم يقتصر الانسحاب من تحالف العبادي على الحشد، إذ لحقته كتلة بيارق الخبر السنية، بزعامة وزير الدفاع السابق، خالد العبيدي.
وقال محمد الخالدي، نائب الأمين العام لحركة بيارق الخير “فضلنا عدم البقاء مع تحالف العبادي، بعد انضمام وجوه فاسدة وطائفية ووجوه ينقمها الشعب العراقي، ومنها حسين الشهرستاني وقاسم الفهداوي وإبراهيم الجعفري ومشعان الجبوري وعبداللطيف الهميم وغيرهم”، على حد وصفه.
تحالفات مهددة بالتفكك
ورغم التنافس غير التقليدي بين المالكي والعبادي لحصد أصوات الشيعة في وسط وجنوبي العراق، إلا أن التحالفات لم تخرج عن سياقها المتبع في السنوات الأخيرة، حيث تتشكل بناء على الانتماء الطائفي والعرقي، من خلال تحالفات يغلب عليها الشيعة أو السنة أو الأكراد.
وفي المعسكر السني سيكون التنافس للحصول على الأصوات في شمالي وغربي البلاد بين ائتلاف الوطنية، بزعامة نائب رئيس الجمهورية، إياد علاوي، المتحالف مع رئيس البرلمان، سليم الجبوري، وبين تحالف القرار العراقي، بزعامة نائب رئيس الجمهورية، رئيس البرلمان السابق، أسامة النجيفي.
واستبعدت النائبة العراقية، القيادية في ائتلاف الوطنية، ميسون الدملوجي، بقاء التحالفات على هيكليتها الحالية. وقالت “أشك في استمرار كل هذه التحالفات. هناك فوضى تعكس الوضع العام لإدارة البلد”.
وتابعت “لذا كانت هذه التحالف نتيجة مفاوضات اللحظة الأخيرة، ومن الممكن أن تبدأ من جديد بعد الانتخابات، وسيكون المؤثر الأبرز فيها هو نتائج الانتخابات”.
ومنذ إسقاط نظام الرئيس الراحل، صدام حسين، عام 2003، على يد تحالف دولي قادته واشنطن، يتم تقاسم المناصب في العراق، بحيث يتولى الشيعة رئاسة الحكومة، والسنة رئاسة البرلمان، والأكراد رئاسة الجمهورية (منصب شرفي). لكن المرشح لشغل منصب رئيس الوزراء يجب أن يحظى في المحصلة بتأييد القوى السنية والكردية البارزة.
إقليم الشمال
وفي إقليم شمالي العراق، محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، والمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، لا يزال مشهد التحالفات يلفه الغموض.
ويوحي المشهد العام بأن عدوى الانقسامات الانتخابية والسياسية قد طالت الكرد أيضا، خاصة في المناطق المتنازع عليها بين بغداد والإقليم، المتمتع بنوع من الحكم الذاتي منذ عام 1991، والذي حاول العام الماضي الانفصال عن العراق، عبر استفتاء باطل دستوريا.
وفي الانتخابات الأخيرة عام 2014، دخلت غالبية القوى الكردية بقائمة موحدة، لا سيما الحزبان الحاكمان (الديمقراطي الكردستاني والاتحادي الوطني الكردستاني)، في المناطق المتنازع عليها، وخاصة كركوك، لضمان عدم تشتيت أصوات الناخبين، وحصلت بالفعل على ثمانية مقاعد من أصل 12 في كركوك.
وقال المستشار الإعلامي لبرلمان الإقليم، طارق جوهر “لن تكون هناك قائمة انتخابية كردستانية موحدة كما الدورات السابقة”.
وختم جوهر بأنه “في هذه الدورة ستكون أكثر من قائمة، وهذا سيضر الناخب، خصوصا في المناطق المتنازع عليها، لأن هذا الصراع سيفقد القوائم الكردية الكثير من الأصوات”.
ويرى العراقيون أن الانتخابات المقبلة تكتسب أهمية خاصة، لكونها ستشكل حكومة تقود العراق في مرحلة ما بعد داعش، وكذلك مرحلة مواجهة الفساد، لاسيما المالي والإداري، المستشري في البلاد.