يسعى المبعوث الأممي إلى الصحراء هورست كوهلر إلى بلورة حل للأزمة بين المغرب وجبهة البوليساريو، يحظى بقبول أفريقي وأوروبي في نفس الوقت، ما تعكسه زياراته المتلاحقة لدول أفريقية وأوروبية.
ودشن كوهلر بداية الأسبوع الماضي جولة أفريقية بدأها بلقاء مع رئيس الاتحاد الأفريقي بول كاغامي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمد فقي لينتقل في ما بعد إلى أوروبا حيث التقى في بروكسيل مع الجزائري إسماعيل شرقي، مفوض السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي.
وبحسب صحيفة “العرب” اللندنية، التقى كوهلر في ما بعد جون إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي الذي أكد له دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية، والذي قدمه المغرب في عام 2007، معتبرا إياه “مقترحا جادا وذو مصداقية لحل هذا الملف الذي طال أمده”.
واعتبر شرقي خطري، المدير التنفيذي لمركز الجنوب للدراسات والأبحاث، في تصريح لـ”العرب”، أن كوهلر يحاول أن يعيد الدور الأوروبي في نزاع الصحراء وفق مقاربة فرنسية ألمانية تتجاوز التوجه البريطاني الداعم للانفصاليين.
وشدد لودريان على تشبّث فرنسا باحترام الأطراف لقرار وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى الحلول العادلة المتوافق عليها لملف الصحراء وفقا لقرارات مجلس الأمن.
ويقول ملاحظون إن هذه اللقاءات هي تمهيدية لإطلاق مفاوضات محتملة في الصيف المقبل بعواصم أوروبية أو أفريقية بدل الولايات المتحدة.
ويرى هؤلاء أن كوهلر تخطى نقطة فهم الملف الشائك ليتجه في هذه المرحلة إلى شحذ الدعم لوجهة نظر بلورها من خلال اللقاءات التي أجراها في أكتوبر الماضي مع الدول المعنية بالملف في المنطقة، وتوسيع مجال المشاورات بين دول الاتحادين الأوروبي والأفريقي.
وترتبط أطراف النزاع بشكل وثيق بهاتين المنظمتين اللتين من شأنهما دعم كوهلر في مساعيه لإحياء المفاوضات بشروط وتقديرات متجددة.
وتحاول الجزائر جاهدة إقحام الاتحاد الأفريقي بالتدخل المباشر في ملف الصحراء إلا أن هورست كوهلر يعرف جيدا أن المغرب لا يقبل باستبدال إشراف الأمم المتحدة بالاتحاد الأفريقي.
ومازالت الجزائر تستثمر في إذكاء التوتر مع المغرب، وهو ما عكسته تصريحات رئيس حكومتها أحمد أويحيى الذي وجه اتهامات ضمنية للمغرب بتزويد بلاده بالمخدرات.
وندّد أويحيى خلال افتتاح الدورة الرابعة للمجلس الوطني لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الخميس، بتعاضدية عمال البناء بمدينة زرالدة، “بكل الأطراف التي تحاول من الخارج إغراق الجزائر تحت قوافل الحشيش وقوافل الكوكايين”.
واعتبر “أن هذا الواقع بمثابة عدوان على الجزائر ومحاولة لتسميم الشباب الجزائري وسعي لتعطيل وتيرة التنمية الجزائرية”، مضيفا أن “هذا نكران لمستقبل الشعوب المغاربية”. وأكد شرقي خطري أن تصعيد أويحيى يأتي في إطار الحروب الإعلامية المفتوحة التي تهدف إلى تشويه صورة المغرب في ما يتعلق بعلاقاته الخارجية خاصة مع أفريقيا.وأوضح “أن ردة فعل أويحيى جاءت كمحاولة لتجاوز الإخفاقات الداخلية والخارجية بالجزائر خصوصا مع الضجة الأخيرة التي أثيرت حول تنازع الاختصاصات بين رئيس الحكومة ومربع الرئيس الجزائري”.
ولم يفوت أحمد أويحيى، المناسبة للتأكيد على دعم الجزائر للبوليساريو. وقال “نشدد التأكيد على التضامن المطلق للتجمع الوطني الديمقراطي مع الشعب الصحراوي الشقيق الذي يناضل تحت قيادة البوليساريو من أجل تجسيد حقوق الشعب الصحراوي، بعيدا عن كل الضغوط”.
ويرى خطري أن النجاحات المغربية في عدة مجالات جعلت جارته الشرقية الجزائر في تدافع دائم ومناكفة له سواء في أجهزة القرار داخل المنظمات الدولية والإقليمية أو في المحيط الاقتصادي والجيوسياسي للمغرب. وسجل المغرب في السنوات الماضية نجاحات على مختلف الأصعدة كللت بعودته إلى الاتحاد الأفريقي وتدعيم علاقاته مع قوى اقتصادية دولية، كالصين وروسيا والهند وأفريقيا.
وبحسب خطري، فإن الجزائر دائما ما تلجأ إلى الاستفزاز عندما يقوم المغرب بتجديد اتفاقية ما أو عقد أخرى. وتابع “في السنوات الأخيرة لاحظنا أن المغرب بدأ ينطلق من مقاربة جديدة تستند إلى مصالح رابح، رابح ولو اقتضى الأمر سيلعب أوراقه في قضايا أكثر حساسية خاصة الأمنية ومحاربة الإرهاب”.
ويقول مراقبون إنه كلما اشتد الضغط الدولي على جبهة البوليساريو والجزائر في ملف الصحراء، فإن وتيرة تأليبهما للرأي العام الدولي على المغرب تزداد عبر إثارة مواضيع لا تمس موقع الرباط الدبلوماسي والسياسي.