قال فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الأسبق، إن العرب يعيشون مرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد نتيجة الإنكسارات الداخلية والضغوط والمتغيرات الخارجية، وهو ما خلق حالة من الفوضى استغلتها قوى إقليمية وساهمت فيها حكومات محلية، من أجل الإبقاء على تلك الحالة لتحقيق أهدافها.
وتطرق السنيورة خلال مقابلة صحفيةـ أجرتها معه وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية، إلى توصيف الحالة العربية والإقليمية وسيناريوهات الخروج من تلك الأزمات الداخلية واستقلالية القرار العربي بعد سنوات من الهيمنة الاستعمارية سواء الحديثة أو القديمة.
وإلى نص الحوار
سبوتنيك: المشاكل التي تعيشها المنطقة في الوقت الراهن كثيرة ومن الصعوبة التنبؤ بما ستسفر عنه من نتائج.. فما هو توصيفكم للوضع الحالي؟
لا شك أن المنطقة تعاني منذ عقود، وهذه المشكلات كانت دائما عرضه لأن تتفاقم بسبب التحولات والتغيرات الجارية في المنطقة، والمعالجات كانت قاصرة عن معالجة تلك التحولات والتى كانت معظمها سلبية، ومازلت أعتبر أن المشكلة الفلسطينية هى الأساس، وما جرى لفلسطين من طرد لشعبها أدى إلى صدمة داخل المجتمع العربي، وبالتالي كانت هناك محاولات عربية للرد على تلك الهزيمة التي تعرض لها الإنسان العربي والمجتمعات العربية، ومن تلك الردود كانت على شكل الانقلابات العسكرية، ومحصلة تلك الانقلابات كان العجز عن معالجة تلك المشكلات المتضخمة، بسبب تصاعد الضغوط الخارجية على العالم العربي، وبسبب الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي والتي ما عالجت المشكلات ومنها إعادة الأرض الفلسطينية المحتلة، ولم تفلح بشكل أو بأخر في استعادة الكرامة العربية، وأعني بالكرامة العربية كل ماله علاقة بالحالة السياسية أو الإجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية وهذا بمعناها العريض، من المشاركة بالقرار والمساهمة في طريق حلول المجتمعات لمشاكلها القادمة، فهذا التهميش الذي تعرضت له مجتمعات عريضه في العالم العربي، وتفاقمت الصدمات الداخلية بما فيها موضوع النكسة، والتطورات التي حدثت في العالم العربي ولاسيما ما حدث في العامين 1978 و 1979، وفي تلك الفترة البسيطة حدثت تقريبا 4 أحداث.
سبوتنيك: هل تريد القول أن تلك المرحلة البسيطة كانت فارقة في تاريخ العالم العربي؟
نعم حدثت أربعة أحداث هامة كانت بمثابة الزلزال في العالمين العربي والإسلامي، الحدث الأول هو الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، وما أدى إليه من زلزال داخل المجتمعات العربية، وما تمخض عن هذا الاجتياح من وسائل لمواجهته من خلال إيقاظ الحركات الإسلامية، ثم جاءت بعد ذلك الإتفاقية التي خرجت بموجبها مصر من العالم العربي، اتفاقية “كامب ديفيد”، وكان ذلك لسببين أحدهما بسبب القرار، والآخر للرد على القرار، وأخرجت مصر من الجامعة العربية وبالتالي خرج ما يمثل ثلث العالم العربي من الجامعة، وكان أثر ذلك كبير على الوضع العربي المتأزم، وما كان يجب معالجة الأمر بتلك الطريقة، وكان لذلك تداعيات خطيرة جدا أدت إلى تراجع الفكر القومي العربي، وتراجع الفكر العروبي المستنير، والحدث الثالث كان الثورة الإيرانية، وما حملته من أفكار جديدة تنطلق مما يسمى بفكرة تصدير الثورة المبنية على نظرية “ولاية الفقيه” العابرة للحدود السياسية، والحدث الرابع جاء رداً على هذا الجو الذي نشرته الثورة الإيرانية، والتي كان أول تلك الردود ما يسمى بقضية “سلمان رشدي”، وكانت أولى نتائجها أيضاً هو إستيلاء “الجهيمان” على الحرم المكي، ونتيجة ذلك كانت ردة الفعل في العالم العربي هي مزيد من الإنغلاق الداخلي، وما نراه الآن من حالة نهوض في المملكة العربية السعودية ليس جديداً فقد رأيت السيدات يقودن السيارات في جدة ما قبل العام 1979، كما رأيت الكثير في حمامات السباحة في هذا التوقيت أيضاً، وأنا لست هنا بصدد تقييم الوضع الراهن في السعودية ولكنه كان أحد نتائج الإنغلاق التي تحدثنا عنها والتي اختتمت بما يسمى الربيع العربي، والذي جري جرفه باتجاه المنظمات الإرهابية.
سبوتنيك: بعد فترة الإنغلاق التي تحدثتم عنها جاءت الحرب العراقية الإيرانية.. ما الدور الذي لعبته تلك الحرب في تلك المرحلة؟
ما جري كان مهما وأساسيا، وبعد الحرب العراقية الإيرانية، كان هجوم العراق بقيادة صدام حسين على الكويت وتم إخراجه منها، وبعدها كانت فضيحة “أسلحة الدمار الشامل” العراقية، والتي اتضح أنها كانت كذبة استخدمت من أجل الهجوم على العراق وإنهاء دوره بتسريح الجيش العراقي وإنهاء الدولة العراقية بالكامل، وحدث هذا لأن العراق عبر التاريخ كان يلعب دورا يمكن تسميته بالمنطقة الحاجزة في الداخل الآسيوي والبحر المتوسط، وبعدما أزيلت الدولة العراقية، بدأنا نسمع من إيران أن لديها سلطة في بغداد وسلطة على دمشق وبيروت، تلك هى المتغيرات التي يجب أن نأخذها ونبني على أساسها، ولذا جاء الربيع العربي كردة فعل على هذه المتغيرات والتحولات وعلى التردي بالنسبة للأوضاع الاقتصادية والسياسية، والوضع الآن بعد تلك الحالة التي أدت إلى خلل استراتيجي وضغط منخفض داخل المنطقة العربية، يقابلها مناطق من الضغط المرتفع الآتي من إسرائيل وإيران وتركيا، والتدخلات الأجنبية من خارج المنطقة، هذا كله في ظل ثورة تكنولوجية عالمية اسقطت حواجز الزمان والمكان وحواجز الدول والجماعات وحواجز الصمت والخوف، ولذا شهدنا تلك الحركات والتي دخلت عليها الأنظمة وهى قادرة على أن تفتعل المشكلة وفي نفس الوقت تخترع الوسائل لمجابهتها، وتعمل جاهدة على ألا تنهيها حتى تبقي سيطرتها ودورها فاعلاً، واعتقد أن أكثر من يقوم بها العمل وعلى مدى طويل ونحن نعرفه بهذا الأمر في لبنان، وبالنسبة لسوريا والتي كانت على مدي فترات طويلة لاعب أساسي في المنطقة، أصبحت اليوم ملعب أساسي لدول المنطقة والعالم، وعند دراستنا لكيفية ظهور داعش (الإرهابي) واستمرارها بالشكل الذي نراه، نكتشف أنه ليس ممكناً لها أن تقوم بهذا الدور دون أن يكون لها حامي ولاعب أساسي يسيرها ويساعدها، وفي ظل تلك التطورات والمتغيرات شعرت إسرائيل أن العالم العربي يمر بحالة من الفوضى والتشرذم، وتلك الحالة كانت مناسبة للقرار الأخير للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بنقل سفارة بلاده إلى القدس، خلافاً للرأي الذي كان سائداً في الولايات المتحدة على مدى عقود بأن القدس تحت الاحتلال، وهى مازالت تحت الإحتلال لم يتغير شيء.
سبوتنيك: هل يعني هذا أن قرار الرئيس ترامب لم يكن له قبول في السياسة الأمريكية؟
أعتقد أن الضغوط الإسرائيلية والتي استغلت الوضع الراهن وحالة الفوضى العربية دفعت الرئيس الأمريكي دون أن يقصد بتقديم خدمتين للعالم العربي والإسلامي، أولهما، أنه نجح في إعادة إحياء قضية القدس وفلسطين ووضعها على الطاولة بعد أن تراجع الإهتمام بها لسنوات طويلة، والأمر الآخر هو أن ترامب نجح في أن يضع الولايات المتحدة وإسرائيل في مكان والعالم كله في مكان آخر وتمثل ذلك في التصويت في مجلس الأمن حين صوتت 14 دولة ضد القرار مقابل “فيتو” أمريكا، وأيضا في الجمعية العمومية، وتلك مؤشرات في منتهى الأهمية، وأعتقد أن هذه فرصة نادرة جداً للعالمين العربي والإسلامي، ولابد من البحث عن كيفية الاستفادة منها لتركيز وتعزيز هذا الموقف الدولي المؤيد للقدس وفلسطين، وأعتقد أن الاجتماع الأخير بالأزهر يمكن أن نقول أنه يمثل الشارع العربي والإسلامي لتلك الرياح المؤاتية “فلا رياح مؤاتية لمن لا أشرعة له”، ولذا نحن بحاجة لأن يكون لدينا أكثر من شراع تستطيع أن تدخل فية تلك الرياح المؤاتية لتحرك سفينتنا باتجاه خدمة قضيتنا، ولو أخذنا مقررات هذا المؤتمر بالأزهر نكتشف كم كان مهما بالنسبة لنا فشارك به ممثلين من 86 دولة، و كأنني ألمح بداية نهوض في العالمين العربي والاسلامي، والنجاح والفشل يعتمد على الجدية والمتابعة.
سبوتنيك: هل كان لتفكك الاتحاد السوفيتي دورا في المشاكل التي تعاني منها المنطقة في الوقت الراهن؟
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نشأ ما يسمى “الوحدانية” في العالم تجسدت في الولايات المتحدة، وما نشهده اليوم هو عودة التعدد للعالم بأن يكون هناك أكثر من طرف، فهناك الأوربيين وروسيا صاعدة والصين وغيرها، كل هذه قوى تتطلب منا كعرب أن نبني علاقات وجسور بيننا وأن نفهم الظرف الذي نعيشه وحالة الخلل الاستراتيجي بين تلك الإقليمية الموجودة، وهنا يجب أن يكون موقفنا واضح فلدينا عداوة مع إسرائيل، والدول العربية قالت موقفها في المبادرة العربية المعروفة “الأرض مقابل السلام”، وما هو حادث بين بعض الدول العربية من معاهدات هو سلام بارد، فلم يستطع الإسرائيليين إختراق الدول التي وقعوا معها اتفاقات سلام سواء الأردن أو مصر.