“غصن الزيتون”.. تربك الاستراتيجية الأمريكية في سوريا

آخر تحديث : الأربعاء 24 يناير 2018 - 9:09 صباحًا
“غصن الزيتون”.. تربك الاستراتيجية الأمريكية في سوريا

تواجه خطط الولايات المتحدة الأميركية صعوبات جمة في سوريا وهذا يدفعها، وفق مراقبين، إلى التحرك بأقصى سرعة للحيلولة دون انهيارها الكامل، على أيدي الروس والإيرانيين والأتراك.

وعلى مدار السنوات الماضية لم تبد الولايات المتحدة أي اهتمام بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، حيث انصب تركيزها على محاربة تنظيم داعش، ودعم حليفها الكردي في مشروع بناء كيان مستقل، وتحجيم الوجود الإيراني الذي يشكل خطرا ليس فقط على القوى الحليفة في المنطقة بل وأيضا على مصالحها لأن تعاظم هذا الحضور سيعني حصر نفوذها الذي بنته خلال العقود الماضية.

ولئن نجحت عمليا في القضاء على التنظيم الجهادي الذي لم يعد له وجود وازن في أي من المناطق التي كان يحتلها في سوريا باستثناء بعض الخلايا النائمة المنتشرة هنا وهناك، بيد أن واشنطن تواجه صعوبة فعلية في تحقيق باقي الأهداف الأخرى الحيوية بالنسبة لها، خاصة بعد إقدام تركيا على خلط الأوراق مجددا في ما يتعلق بالملف الكردي، واستمرار تمدد النفوذ الإيراني الذي بات تقريبا موزعا على كامل الرقعة الجغرافية السورية، واليوم القوات المحسوبة على طهران هي التي تتصدر عملية إدلب، المحافظة السورية الوحيدة تقريبا الخالية من الوجود الإيراني.

ويقول مراقبون إن التدخل العسكري التركي في مدينة عفرين التي تعتبر إحدى المقاطعات الثلاث التي أعلنها الأكراد ضمن فيدراليتهم، والذي أتى بضوء أخضر روسي، يعني انهيار الحلم الكردي الذي دعمته الولايات المتحدة.

وتشكل عفرين الواقعة في ريف حلب منطقة حيوية بالنسبة للأكراد باعتبارها همزة الوصل بين الكنتونات الكردية، فضلا عن أنها وجرابلس ومنبج المدخل الرئيس لمنفذ على البحر الأبيض المتوسط الذي سيجعل المشروع الكردي قابلا للحياة، وهو ما يدفعهم إلى الاستماتة في الدفاع عنها رافضين أي مقترح ينهي نفوذهم عليها، كأن يدخل الجيش السوري إليها.

وبدت الولايات المتحدة إزاء عملية عفرين مرتبكة، رغم ما يحاول مسؤولوها أن يظهروه من رباطة جأش عبر مطالبتهم تركيا بـ”ضبط النفس″ مع البحث عن سيناريوهات لاحتواء الغضبة التركية، منها إقناع أنقرة بالتعاون معهم في إقامة منطقة آمنة، سبق وأعلنت الأخيرة عن أنها أحد أهدافها من العملية.

ويقول مراقبون إن تركيا لن تقبل بالتعاون مع واشنطن، قبل أن تتبرأ الأخيرة من الأكراد، وتوقف الدعم لهم الذي بلغ أوجه بإعلان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عن تشكيل قوة قوامها 30 ألف عنصر مؤلفة نصفها من قوات سوريا الديمقراطية والنصف الآخر من مجندين جدد من الأكراد لحماية حدود الكيان الكردي الموعود، وهو السبب الذي أعطى ذريعة لأنقرة للتدخل في عفرين.

ويشير هؤلاء إلى أن الولايات المتحدة في وضع أقل ما يقال إنه صعب، فهي تعتبر الأكراد الذين كان لهم دور بارز في حربها على داعش (ثلث المقاتلين الأكراد من عفرين) حليفا موثوقا، كما أن تشكيلهم لكيان خاص بهم سيسمح بتوفير غطاء دائم لها في سوريا التي سبق وأعلنت أنها لن تغادرها سريعا، واليوم يطالبها هذا الحليف بدور أكبر في درء الهجمة التركية بدل البقاء في موقع المتفرج على انهياره ومشروعه.

وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا الثلاثاء حالة “النفير العام” دفاعا عن عفرين، تزامنا مع اشتباكات عنيفة مستمرة منذ السبت الماضي من عملية “غصن الزيتون” التي تشنها القوات التركية مدعومة بفصائل سورية معارضة على المنطقة.

فقدان الورقة الكردية قد يعني انهيار الاستراتيجية الأميركية برمتها في سوريا بما فيها تحجيم النفوذ إيراني ويجد البعض أن خيارات الولايات المتحدة في حل المعضلة الكردية تبدو شبه منعدمة فهي لا ترغب في المقامرة والتصعيد مع تركيا لما لذلك من تداعيات خطيرة، ومن جهة ثانية هي لا تريد خسارة الحليف الكردي، الذي قد يضطر إلى تغيير استراتيجيته بالارتماء في أحضان النظام السوري وهذا ما تدفع روسيا باتجاهه من خلال العصا التركية.

ويشير هؤلاء إلى أنه في ظل حالة الاستعصاء هذه قد تضطر الولايات المتحدة إلى تبني وجهة نظر روسيا بأن يتم حل المسألة الكردية ضمن إطار سوري شامل قد تؤمنه منصة “سوتشي” أو “جنيف”، وتجنب السير في اتخاذ قرارات منفردة توحد القوى المقابلة (تركيا وروسيا وإيران) ضدها. ويلفت هؤلاء إلى أن حتى هذا الخيار سيكون من السوء بحيث ربما لن يشجع الأكراد على المضي قدما في تحالفهم معها، والذي لا ترمي من ورائه فقط إلى تكريس موطئ قدم ثابت لها في سوريا، بل وتوظيفهم في ضرب التغلغل الإيراني.

ومعلوم أن القوة الكردية التي أعلن التحالف الدولي عن تشكيلها من مهامها حماية جزء كبير من الحدود العراقية السورية التي باتت مفتوحة على مصراعيها أمام المقاتلين الإيرانيين للتنقل من وإلى سوريا، خاصة بعد طردهم لتنظيم داعش شرقي نهر الفرات وعلى طول تلك المنطقة الحدودية مع العراق.

ويرى متابعون أن الوضع الحالي لأكراد سوريا يذكر بشكل كبير بما تعرض له بنوا قومهم في العراق عقب قرارهم بإجراء استفتاء في سبتمبر الماضي مراهنين على الدعم الأميركي، الأمر الذي لم يحصل ليتحول ذلك الاستفتاء إلى كابوس، حيث اضطروا تحت الضغط الإيراني التركي العراقي إلى العودة إلى الوراء والتنازل عن مكاسب سياسية واقتصادية كانوا راكموها على مدار السنوات الماضية، ويخشى الأكراد في سوريا اليوم أن ينقادوا إلى نفس المصير، أي خسارة ما سعوا جاهدين إلى تحقيقه وهو إقليمهم المنشود.

وفقدان الورقة الكردية قد يعني انهيار الاستراتيجية الأميركية كلها في سوريا بما فيها تحجيم نفوذ إيران التي تبدو العملية التركية تتلاقى وأهدافها المتمثلة في رفع الغطاء عن الولايات المتحدة، وما يعنيه ذلك من تعجيل بنهاية وجودها في هذا البلد، الذي يشهد حربا مركبة منذ 7 سنوات.

ويقول خبراء إن جهود واشنطن لإنهاء الحضور الإيراني في سوريا باتت أصعب من ذي قبل وتخشى الدوائر الأميركية من أن تبقى الضغوط على إيران حبيسة الإجراءات القضائية والدبلوماسية، التي بالتأكيد ستؤثر على طهران وأذرعها ولكن ليس بالشكل الكبير الذي قد يفضي إلى نهاية تهديدها.

وشكلت مؤخرا الولايات المتحدة لجنة تحقيق في تمويلات الذراع الإيرانية الأبرز في المنطقة حزب الله، وتركز هذه اللجنة على التمويلات المرتبطة أساسا بتجارة المخدرات.

والتقى مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب والجرائم المالية مارشال بيلينغسليا، الاثنين، الرئيس اللبناني ميشال عون، ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من بدء عمل هذه اللجنة.

وحزب الله الممثل في الحكومة والبرلمان في لبنان لاعب أساسي في الحرب السورية، حيث يقاتل إلى جانب القوات النظامية، وبسببه نجحت إيران في التحول إلى رقم صعب في المعادلة السورية.

وعقب الللقاء قال عون حليف حزب الله إن “لبنان يشارك بفعالية في الجهود الهادفة إلى مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال”.

وتبنى الكونجرس الأميركي قانونا عام 2015 يسمح بفرض عقوبات على المصارف التي تمول حزب الله. وبالتأكيد أن الإجراءات الأميركية مؤلمة بالنسبة للحزب بيد أن خبراء يرون أن هناك العديد من الأساليب التي يمكنه اعتمادها للحد من تأثيراتها.

رابط مختصر
2018-01-24
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر