بعد أشهر من تعهّده والكشف عن خطته لـ”مواجهة” حكومة الرئيس أوهورو كينياتا، أدّى زعيم المعارضة فى كينيا, رايلا اودينغا, اليمين الدستورية كـ”رئيس الشعب” يوم الثلاثاء الماضي (30 يناير), حتى وإن كان “نائبه” كالونزو موسيوكا لم يشاركه في المناسبة.
ومما أدى لتصاعد التوترات السياسية في الدولة الواقعة شرق إفريقيا في الارتفاع, خاصة في ظل تحدي الحكومة قرار محكمة برفع الحظر عن ثلاث منظمات إعلامية مستقلة. كما اعتقلت السلطات حليف المعارضة الرئيسى فى أعقاب تنصيب اودينغا لنفسه.
وبعد ساعة واحدة من تأدية اليمين، غيّر أودينغا ألقابه على صفحات التواصل الاجتماعي الرسمية.
وجاء لقبه على تويتر كالتالي: “هذا هو الحساب الرسمي لصاحب السعادة رايلا أمولو أودينغا، رئيس جمهورية كينيا”. وفي الفيسبوك: “مرحبا بكم في الصفحة الرسمية لصاحب السعادة رايلا أمولو أودينغا، رئيس جمهورية كينيا”.
وفي حين أعطت هذه الوضعية, الكينيين فرصة التفاعل والمشاركة بآرائهم من الناحية السياسية والتدوينات الفكاهية على مواقع التواصل الاجتماعي – لوجود شخصين يدّعي كل منهما أنه الرئيس الحقيقي للبلاد, فإن هناك آخرين ينظرون إلى الوضع بعدسات قانونية.
يُذكر أن وضعا مماثلا سبق وأن حدث في غامبيا قبل أكثر من عام, عندما أدّى أداما بارو – الذي فاز على الرئيس السابق يحيى جامع – اليمين الدستورية الأولى في داكار بينما كان جامع لا يزال يتمسك بالسلطة في العاصمة الغامبية بانجول, الأمر الذي جعل محرّك البحث “جوجل” يمنح “رسميا” كلّا من بارو وجامع لقب الرئيس, إلى حين موافقة جامع لمغادرة البلاد والسفر إلى المنفى, ليحصل بارو وحده بعد ذلك على لقب رئيس غامبيا.
خلفية سريعة عن الأوضاع:
انسحب رايلا أودينغا من جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية فى أكتوبر عام 2017 بدعوى أن الانتخابات لن تكون حرة ونزيهة, متّهما الحكومة باستخدام أغلبيتها فى مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية لتوحيد الفوز.
بعد المقاطعة وعدم المشاركة، أعلنت لجنة الانتخابات فوز الرئيس أوهورو كينياتا، بحصده أكثر من 98٪ من الأصوات، ليمنحه ذلك ولاية ثانية في منصبه. غير أن أودينغا رفض الانتخابات ووصفها بأنها “خدعة” و “عملية لا معنى لها”, ودعا إلى إقامة “تجمع الشعب” الذى سيكون مسؤولا عن المقاطعة الاقتصادية والاحتجاجات السلمية والتغيير الدستورى.
وقد أعلن هذا التجمع فى يوم 12 ديسمبر 2017، أنه سيتقدم بتنصيب أودينغا “رئيسا لكينيا” – لكنه لم يحدث. ثم أصدر التحالف الوطني (NASA) المعارض في الأسبوع الماضي، نتائج جديدة تدّعي أن أودينغا هو الفائز في انتخابات أغسطس الأولى والرسمية، وأنه سيستخدم تلك النتائج كعنصر ومبدإ أساسي لتنصيبه. وكلها ادعاءات دحضتها اللجنة الانتخابية.
وفى يوم الثلاثاء (30 يناير 2018) احتشد الآلاف من مؤيدي (NASA) في حديقة “أوهورو” وسط مدينة نيروبى لحضور مراسم أداء القسم اليمينى, على الرغم من أن حكومة المقاطعة (وسط نيروبي) أعلنت في البداية أن الحديقة منطقة منعزلة، قبل أن تنسحب الشرطة والعناصر الأمنية من المنطقة قبل ساعات من القسم والاحتفال.
وتشكّل اليمين الدستورية التي أداها زعيم المعارضة أزمة دستورية فى كينيا بل وتزيد من المأزق السياسى الذى يعانى منه البلاد منذ أغسطس من العام الماضى.
وقد أكّد أودينغا خلال الأسابيع القليلة الماضية لأنصاره أنه مستعد لتوصيلهم إلى “أرض كنعان الموعودة” – وهو يعني بذلك التي رحلة كينيا السياسية منذ استقلال. كما قال أن حياته لم تكن ثمينة اكثر من 92 شخصا او الذين لقوا حتفهم خلال موسم الانتخابات الطويل والمثير للانقسام.
“إذا كان سيكلفني حياتي أو سأُرسَل إلى السجن مدى الحياة، فأنا مستعد لذلك,” قال أودينغا.
وبحسب موقع كوارتز, أحاط شعور من الارتباك والكثير من القصص الإخبارية المزيفة شرعية اليمين التي أداها أودينغا. ففي منتصف يناير، قدّم المدعي العام غيثو مويغاي التماسا للمحكمة العليا يسعى إلى منع رايلا أودينغا من أداء اليمين. وبدأت رسالة مزورة تنتشر عبر الإنترنت، مزعومة ومنسوبة إلى رئيس القضاء ديفيد ماراغا، تحذر جميع القضاة من المشاركة في أداء أودينغا لليمين. لكنّ ماراغا قال إنه لم يرسل الرسالة، وأنه لا يملك تفويضا قانونيا لتوجيه أي قاض أو حاكم في أي مسألة.
إيقاف المحطات التلفزيونية الخاصة:
وقبل مراسم أداء اليمين حيث تستعد الوسائل الإعلامية للتغطية المباشرة للحدث، أوقفت هيئة الاتصالات الكينية أكبر محطات التلفزيون الخاصة فى البلاد دون تقديم أى سبب أو معلومات. وأكدت شركة “رويال ميديا سيرفيسز” أنه تم إيقاف تلفزيون وإذاعة “سيتيزين” وتلفزيون “إينورو” عن الهواء, على الرغم من قرار المحكمة العليا بأن على الحكومة أن تتراجع عن الإيقاق وتعليق البثّ.
حاول أوكيا أومتاتا، الناشط الكيني في مجال حقوق الإنسان والواقف وراء التحدي القانوني ضد إيقاف الحكومة للقنوات الخاصة، تقديم أوراق المحكمة إلى هيئة الاتصالات الحكومية يوم الجمعة.
“لقد تم حظري شخصيا,” قال لإذاعة صوت أمريكا, “ولم يسمح لي بالمرور بالبوابة، وقيل لي إنهم تلقوا تعليمات من الأعلى بعدم السماح له بالمرور أمام البوابة ولا يمكنني تقديم قرار المحكمة (لهم)، ولذلك قمتُ بلصق نسخة من القرار على الحائط، لكنهم مزقوها.”
وعليه ليس أمام أومتاتا أي خيار سوى إعادة القضية إلى المحكمة يوم الاثنين.
ولم تعلق هيئة الاتصالات الكينية على حظر القنوات. وقال أومتاتا إنه تمكن من تقديم ما تبقى من أوراق المحكمة الموجهة إلى النائب العام ووزير الداخلية ووزير الإعلام والاتصالات والتكنولوجيا.
وتتهم حكومة حزب “يوبيل” الحاكم, وسائل الإعلام بتجاهل نصيحتها بعدم بث “اليمين الدستورية” التي أدتها المعارضة يوم الثلاثاء. وفى بيان صدر يوم الأربعاء قال وزير الداخلية فريد ماتيانغى إن المحطات ستبقى مغلقة خلال التحقيقات الجارية حول التواطؤ المزعوم فيما وصفه بأنه محاولة لتخريب الحكومة وإشعال العنف.
أداء المعارضة لليمين من الناحية القانونية:
يرى الكثيرون أن ما قام به زعيم المعارضة رايلا أودينغا يعتبر انتهاكا صريحا لدستور البلاد, وتحديا للحكومة التي أدت يمينها بشكل رسمي وقانوني وفق الدستور – على الرغم من أن أودينغا يدّعي هو وأنصاره أن ما فعلوه غير مخالف للقانون.
“إننا نؤكد للجميع أن كل شيء سيكون وفقا للقانون,” قال أودينغا لشبكة “كي ان ان نيوز”.
وبخلاف أدائه لليمين في الساعة الثانية بعد الظهر، فإن رئيس القضاة الذي يجب أن يكون حاضرا في المناسبة ليس موجودا من بين القضاة الموجودين. هذا بالنظر إلى المادة 141 من دستور عام 2010 التي تنص على كيفية تولي الرئيس منصبه في كينيا.
وبحسب الدستور؛
– يجب أن يكون أداء الرئيس المنتخب لليمين أمام رئيس القضاة، أو نائب رئيس القضاة في حال غياب رئيس القضاة.
– وتضيف المادة في الفقرة (2) أن الرئيس المنتخب يؤدي اليمين الدستورية في أول يوم ثلاثاء كما يلي: “(أ) اليوم الرابع عشر بعد تاريخ إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية إذا لم يقدم أي التماس بموجب المادة 140.”
– وفي حالة تقديم التماس رئاسي، يؤدي الرئيس المنتخب اليمين الدستورية في اليوم السابع الذي يلي تاريخ إصدار المحكمة قرارا بإعلان أن الانتخابات صحيحة.
– “يتولى الرئيس المنتخب منصبه من خلال أخذ وتوقيع اليمين أو التأكيد على الولاء، واليمين أو التأكيد على تنفيذ مهام منصبه، كما هو منصوص عليه في الجدول الثالث,” تقول المادة 141 (3).
– وتقتضي المادة أيضا على أن يصدر البرلمان تشريعا ينصّ على الإجراءات والاحتفال بأداء اليمين للرئيس المنتخب.
– وتنص المادة 12 من القانون على أن أداء اليمين للرئيس المنتخب سيجري في احتفال عام يعقد في العاصمة, كما يجب أن يكون اليوم الذي يؤدي فيه الرئيس المنتخب اليمين الدستورية عطلة رسمية.
– ويوقع الرئيس أيضا – بعد أدائه لليمين الدستورية – شهادة تنصيب الرئيس بحضور رئيس القضاة أو نائب رئيس القضاة – في غياب رئيس القضاة.
وتنص المادة 14″يقوم الرئيس المنتهية ولايته، بعد التوقيع على شهادة تنصيب الرئيس (الجديد)، بتسليم ما يلي من أدوات القوة والسلطة: (أ) السيف؛ و (ب) الدستور,”.
– غير أن هذا النص الأخير لا ينطبق إذا كان هذا الرئيس أعيد انتخابه في المنصب.
– وتنص المادة 16 على أن يقوم الرئيس، بعد أداء اليمين أمام نائب الرئيس المنتخب، بإلقاء خطاب تنصيبه للأمة.
وعليه يتضح ما يشير إليه بعض محللين ومراقبين قانونيين من مخالفة المعارضة لدستور البلاد.فضلا عن كون أودينغا وحزبه (NASA) رفضوا وتجاهلوا نداءات من الزعماء المحليين والدوليين لإلغاء المراسم. كما أرسلت الأمم المتحدة في الأسبوع الماضى, الرئيس النيجيرى السابق أولوسيغون أوباسانجو للتوصل إلى اتفاق بين أودينغا والرئيس كينياتا.
وردّا على سؤال حول كيفية إدارة كينيا بوجود رئيسين، قال الرئيس التنفيذى لـ(NASA) المعارض, نورمان ماغايا: “لا يوجد فى كينيا رئيسان,” مضيفا أنه لم يكن في كينيا رئيس حقيقي – يعني بذلك الرئيس كينياتا, بل من يوجد هو “دجال”، على حد قوله.
المراجع:
– Hansen, T. O. (2011). Transitional Justice in Kenya-An Assessment of the Accountability Process in Light of Domestic Politics and Security Concerns. Cal. W. Int’l LJ, 42, 1.
– Quartz: Kenya’s opposition leader has been sworn in as the “people’s president”, Abdi Latif Dahir, Retrieved from URL: http://bit.ly/2EBrA0t
– Law Of Kenya: CONSTITUTION OF KENYA, 2010, Retrieved from URL: http://bit.ly/2jivlQs
– Mail & Guardian: Kenya inaugurates another crisis, Retrieved from URL: http://bit.ly/2DUnxzb
– Africa News: Kenyans react to having two presidents, Gambia had same in 2017, Abdur Rahman Alfa Shaban, Retrieved from URL: https://goo.gl/PrhdCk