أكدت أوساط مالية تونسية أن اقتراح رئيس الحكومة يوسف الشاهد بإعفاء محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري من مهامه جاء بسبب التراجع المتسارع في احتياطات البلاد من العملة الصعبة واستمرار فقدان الدينار لقيمته بشكل غير مسبوق.
وأرجعت ذلك إلى أسباب كثيرة ومعقّدة ولا يمكن اختصارها بإقالة العياري أو وضع معضلة الاقتصاد التونسي على مشجب إدارة السياسات المالية من قبل البنك المركزي الذي يبدو أنه لم ينجح في المساعدة على الخروج من الأزمة.
وقالت الحكومة في بيان صدر الأربعاء إنه، “عملا بأحكام الفصل 78 من الدستور، قام رئيس الحكومة بتقديم مقترح لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، يتعلق بإعفاء الشاذلي العياري، من مهامه على رأس البنك المركزي، واقتراح تعيين مروان العباسي خلفا له”.
وينص البند الرابع من الفصل، على أن “تعيين محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة، وبعد مصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب. ويتمّ إعفاؤه بنفس الطريقة أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس نواب الشعب، ومصادقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء”.
وتولى العياري، منصبه زمن حكومة الترويكا، التي تشكلت من ائتلاف تقوده حركة النهضة، والتي تحمّلها شريحة واسعة من المواطنين والأوساط الاقتصادية التدهور الكبير الذي يعيشه الاقتصاد التونسي.
وجاءت الخطوة بعد ساعات من تصويت البرلمان الأوروبي لصالح قرار إدراج تونس ضمن القائمة السوداء للدول المعرضة بقوة لخطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رغم أن تونس صادقت في 2015 على قانون مكافحة الإرهاب.
ويشكّل هذا التصويت تهديدا إضافيا لصورة تونس رغم النوايا المعلنة من الاتحاد الأوروبي لدعم الانتقال الديمقراطي والاقتصادي المتعثر في الديمقراطية الناشئة. وقالت مصادر حكومية إن الشاهد “يسعى للحصول على موافقة برلمانية ورئاسية لاستبدال محافظ البنك المركزي”، مؤكدا أن رئيس الحكومة قرر بدء الإجراءات لإعفاء العياري من منصبه.
مروان العباسي سيكون المحافظ الجديد للبنك المركزي، والذي سبق أن رفض حقيبة المالية ولم يعلن عن سبب هذه الخطوة التي تأتي بعد أن أظهرت بيانات من البنك المركزي الثلاثاء الماضي أنّ احتياطي البلاد من العملة الأجنبية واصل الهبوط لمستويات تكفي واردات البلاد لمدة 84 يوما فقط، وذلك للمرة الأولى منذ 2003.
وأضافت المصادر أن رئيس الحكومة اقترح الخبير الاقتصادي في البنك الدولي المكلف بالملف الليبي، مروان العباسي، كمحافظ جديد للبنك المركزي.
وكان العباسي الحاصل على درجة الدكتوراه في علوم الاقتصاد من جامعة باريس الأولى قد رفض المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، بعد رفضه حقيبة وزارة المالية في أغسطس 2016. وعلل العباسي رفضه حينها بأسباب تتعلق بتشكيلة الحكومة وعدم الاستجابة لطلبه بتوسيع نطاق وزارة المالية لتشمل الاقتصاد المحلي، حتى يتمكّن من القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية والخروج بالبلاد من الأزمة.
وتسارعت وتيرة هبوط احتياطات النقد الأجنبي منذ العام الماضي بفعل تفاقم عجز الميزان التجاري من جهة، وهبوط أسعار صرف العملة المحلية مقابل الدولار واليورو، من جهة ثانية.
وطيلة العام الماضي، تراجع سعر صرف الدينار بنسبة 9 بالمئة إلى 2.48 دينار لكل دولار، نزولا من 2.23 دينار مع مطلع العام نفسه. وأظهرت بيانات نشرها البنك المركزي هذا الأسبوع أن احتياطات البلاد من النقد الأجنبي تراجعت من 5.63 مليار دولار بداية العام الماضي إلى 4.9 مليار دولار.
وتؤكد أوساط مصرفية أن حلول العباسي مكان العياري على رأس البنك المركزي هو إجراء تقني لا يمكنه مواجهة الأزمة البنيوية للاقتصاد التونسي، وأن تراكم الأزمات سبب إرباكا في كافة القطاعات.
وما يزيد الأمور تعقيدا هو توقف إنتاج الفوسفات مجددا في الحوض المنجمي وهو ما يضع البلاد أمام تحدّ كبير لتأمين إيرادات إضافية لسد العجز الكبير في الموازنة.
ويبدو أن هذه المشكلة ليست الوحيدة، فكل الشركات التي تعمل في قطاع الفوسفات مهددة بالتوقف حيث قالت مصادر لـ”العرب” إن المجمع الكيميائي في ولاية (محافظة) قابس جنوب البلاد توقف نهائيا عن العمل.
وأشارت تلك المصادر إلى أن النية تتجه لتسريح العمالة في المجمع نظرا إلى توقف النشاط وهو ما يزيد من الأعباء على كاهل الدولة.
ولم تتمكّن الحكومة حتى الآن من إحداث اختراق في الأزمة الاقتصادية والتي طفت على السطح في شكل احتجاجات شعبية على تدابير التقشف القاسية وتباطؤ وتيرة الإصلاحات بما يحسن من معيشة المواطنين بعد سبع سنوات من الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.
ويقول اقتصاديون إن تنصّل صندوق النقد الدولي من دوره في تطبيق الإصلاحات التونسية القاسية التي تسببت في احتجاجات شعبية مؤخرا، يتناقض مع المواقف السابقة للمؤسسة المالية الدولية، التي أشاد خبراؤها بإجراءات التقشف التي تضمنتها موازنة 2018. وأشاروا إلى أن القروض التي حصلت عليها تونس من الصندوق أدت في النهاية إلى أن احتمالية التغيير حاليا أقل مما كان عليه قبل سبع سنوات، إلا أن التذمر الشعبي المستمر يؤكد أن الأوضاع الاقتصادية باتت لا تطاق.