أزمة المياه في كيب تاون.. الأسباب والجهد المحلي للتغلُّب عليها

آخر تحديث : الأربعاء 14 فبراير 2018 - 9:29 صباحًا
أزمة المياه في كيب تاون.. الأسباب والجهد المحلي للتغلُّب عليها
عبدالحكيم نجم الدين:

تشهد كيب تاون، ثاني أكبر مدن في جنوب إفريقيا من حيث عدد السكان، نقصًا ملحوظًا في المياه، وتتجه نحو يوم تصبح فيه الصنابير جافَّةً. ومن المتوقع أن يحدث ذلك في مارس أو أبريل القادمين.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعاني كيب تاون من الجفاف, فقد نجحت المدينة في تخطي سنوات جافة بفضل إعادة ملء السدود في السنوات الرطبة التي تتبع فترة الجفاف.

غير أن أزمة المياه القائمة في الوقت الحالي تبدو مختلفة؛ إذ لم تواجه كيب تاون في تاريخها المسجَّل – بحسب الخبراء – جفافًا حادًّا كهذا يدوم لأكثر من ثلاث سنوات متتالية.

وتضم كيب تاون -وهي من أهم المقاصد السياحية الدولية- مستوطنات غير رسمية مترامية الأطراف، وأحياءً ذات دخل مرتفع. والبعض يتهم السكان البسطاء – على نحو غير عادل- بأنهم مَن يُهْدِرُونَ المياه الثمينة. ويرى آخرون أن الجيش مستعِدٌّ للمساعدة في تأمين نقاط توفير المياه إذا ما حدث ذلك اليوم الذي تجفُّ فيه الصنابير.

وفي حين تبدو لعبة إلقاء اللوم داخل المدينة, هي السبيل الوحيد لرفع السياسيين مسؤولية الكارثة عن أنفسهم، فإنَّ أكبر المناقشات تدور حول ما إذا كانت الحكومة الوطنية والمحلية تُعالِج الأزمة بفاعلية أم لا.

التنافس السياسي وحالة المياه في كيب الغربية:

إنَّ إمعان النظر في أسباب هذه الأزمة المائية يعطي انطباعًا بأنها صراعٌ سياسي؛ ذلك لأن كيب الغربية هي المقاطعة الوحيدة في جنوب إفريقيا التي يُديرها حزب المعارضة الرسمي – وهو التحالف الديمقراطي-.

ويهيمن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم على باقي المقاطعات؛ مما يعني أن العلاقة بين الحكومة الوطنية وإدارات المقاطعات والمدن التي يقودها التحالف الديمقراطي في كيب الغربي عدائية ومعقَّدة.

ومع تزايد محاولات إدارة الرئيس جاكوب زوما بإعاقة وإيقاف انتشار حزب المعارضة، أصبح من المحتمل للحزب الحاكم أن يستغلَّ أيَّ طريقة لإحراج الإدارة التي يقودها التحالف الديمقراطي. الأمر الذي أدَّى إلى تخريب ما كان ينبغي أن يكون جوًّا تعاونيًّا في جميع مجالات الحكومة.

وتحوي ستة سدود رئيسة حوالي 99.6٪ من حجم المياه في نظام إمدادات المياه في كيب الغربية. وتستند استراتيجية كيب تاون للتعامل مع حالات الجفاف إلى نظام إنذار ينطلق عندما تكون مستويات السد أقل من المعتاد في وقت معين من السنة.

المصدر: مستويات السد الأسبوعية لمدينة كيب تاون – 15 مايو 2017م.

وبحسب ديفيد دبليو أوليفييه – زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في معهد التغيير العالمي بجامعة ويتواترسراند, فإنه يحدث انخفاض حادّ لهطول الأمطار في سد ثيواترسكلوف الرئيس حوالي مرة واحدة كل عشر سنوات. وكان آخر تخوُّف من انخفاض في مستوى السد في الفترة 2004-2005م.

وفي عام 2007م، أصدرت الإدارة الوطنية للمياه والصرف الصحي تحذيرًا بشأن إمدادات المياه في كيب تاون، قائلة: إن المدينة ستحتاج إلى مصادر جديدة للمياه بحلول عام 2015م. فأخذت المدينة هذا التحذير على محمل الجدّ وتصرَّفت بسرعة. ونفَّذَت استراتيجية لإدارة الطلب على المياه تشمل استبدال عدادات المياه، وإدارة الضغط، وكشف التسريب، وإصلاحات السباكة مجانًا للأسر الفقيرة.

إن هذه الاستراتيجية ناجحة وفعَّالة – يقول ديفيد دبليو أوليفييه – بحيث استوفت المدينة هدفها في توفير المياه للفترة 2015-2016م قبل ثلاث سنوات من الموعد المتوقع. وهذا النجاح أجَّل الموعد النهائي إلى عام 2019م؛ استنادًا إلى هطول الأمطار والاستخدام العادي للمياه.

وفي أعقاب الأجواء الماطرة في الفترة 2013-2014م، قدَّرت دائرة الطقس في جنوب إفريقيا أن هطول الأمطار في كيب تاون للفترة 2014-2016م سيكون أقل من المعدل الطبيعي، بما يتفق مع أنماط الطقس المسجلة منذ عام 1976م.

واستنادًا إلى المعلومات المتاحة للمدينة، كانت كيب تاون تستهدف تنفيذ أول مشروع لزيادة المياه بحلول عام 2019م – عن طريق زيادة إمدادات المياه لسدّ فولفلي. إلا أنها لم تُنَفَّذْ إلى حين وقوع كارثة الجفاف الحالية.

الحكومة الوطنية وقراراتها السيئة:

وحتى لو استبعدنا التنافس السياسي، فإنَّ إهمال الحكومة لِلْبِنْيَةِ التحتية والتفكير المستقبلي قد ساهم في فشل التخطيط المسبَق لتفادي حدوث مثل هذه الكارثة. كما أن التركيز على الاحتياجات قصيرة الأمد للفقراء والمواطنين الأقل دخلاً تُضْعِف معالجة الاتجاهات الأطول أمدًا التي تربط تغير المناخ بالتصحُّر.

ففي عام 2015م، تم تخصيص 60٪ من مياه نظام إمدادات المياه الخاصة لـ “كيب الغربية” لمدينة كيب تاون. وصُرِفَ ما تبقَّى منها للزراعة، وخاصة المحاصيل طويلة الأجل، مثل الفاكهة والموالح، ورعي الماشية. مع الإشارة إلى أن المقاطعات لا تملك القدرة على تخصيص الموارد المائية للزراعة بنفسها, إذ يتم ذلك من قبل الحكومة الوطنية.

وعلى الرغم من أن الجفاف بدأ يؤثر سلبًا على السدود في المقاطعات, إلا أن ذلك لم يجعل الإدارة الوطنية للمياه والصرف الصحي تتخذ أيَّ إجراء جَدِّيّ للحدِّ من استخدام المياه للزراعة في الفترة 2015-2016م.

بل خصصت الإدارة الكثير من المياه للزراعة في كيب الغربية, وهذا الطلب المفرط للمياه أدَّى إلى إرهاق قدرة نظام الإمدادات, وكانت النتيجة أن تمَّ استهلاك احتياطي السلامة في كيب تاون البالغ حوالي 28 ألف لتر.

يبين هذا الرسم البياني مستويات السد في المدينة من عام 2000 إلى عام 2017م. وفي منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان هناك أيضًا جفاف خطير. المصدر: مدينة كيب تاون.

واستجابةً لانخفاض أمطار الشتاء في عام 2015م، اتخذت حكومة المقاطعة – التي يقودها حزب المعارضة – إجراءات استباقية، وطالبت من الحكومة الوطنية مبلغ 35 مليون راند (عملة جنوب إفريقيا)؛ لزيادة إمدادات المياه؛ عن طريق حفر آبار المياه، وإعادة تدوير المياه.

لكنَّ الحكومة الوطنية التي يقودها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي رفضت الطلب لأسباب؛ منها أن السدود لا تزال كاملة بنسبة 75 في المئة.

وفي العام 2016م، وافقت الحكومة الوطنية على الاعتراف بعدد 5 فقط – من بلديات كيب الغربية البالغة 30 بلدية – كمناطق تحتمل كارثة الجفاف. وبحلول أكتوبر2017م لم تقم الحكومة الوطنية بصرف الأموال الموعودة.

يُضاف إلى ما سبق أن رئيس بلدية كيب تاون ناشد إدارةَ المياه والصرف الصحي لتمويل الإغاثة في حالات الكوارث, غير أن مناشدته قُوبِلَتْ بالرفض على أساس أن كيب تاون “لم تكن بعدُ على مستوى الكارثة”.

على جانب آخر, ادَّعت مجموعة المجتمع المدني – المعروفة بـ “تجمع المياه في جنوب إفريقيا” – أن تردّد الحكومة الوطنية في تقديم تمويل الإغاثة من الجفاف (ليس سياسيًّا, بل) ينبع من تصاعد الديون، وسوء الإدارة والفساد في الإدارة الوطنية للمياه والصرف الصحي.

ويدعم هذا الادِّعاءَ مُراجِعُ الحسابات العام الذي يعزو “النفقات غير المنتظمة وغير المثمرة وغير المبررة” في الإدارة التي تتجاوز ميزانيتها للفترة 2016-2017م حوالي 110.8 مليون راند.

التكيُّف مع الوضع والطريق إلى الأمام:

من الممكن تخفيف أزمة المياه في كيب تاون إذا كانت الحكومة الوطنية قد أعارت التحذيرات المسبقة أهمية قصوى، ووضعت جانبًا الخلافات السياسية، مع الاستجابة المبكرة لإعلانات الكوارث؛ إذ من شأن تخصيص المياه المناسب أن يوفِّر المزيد من المياه لكيب تاون, وتعزز البنية التحتية لتكثيف المياه المتوفرة.

وفي حين لا تزال الحكومة الوطنية تجمع قواها وتبحث كل السبل الممكنة لتفادي حدوث “يوم الصفر” الذي تجفُّ فيه صنابير مياه المدينة, فإنها قد فرضت قيودًا جديدة على المياه بداية الشهر الجاري (فبراير 2018م)؛ حيث أمرت السكان باستخدام ما لا يزيد عن 13.2 غالون من المياه يوميًّا، بانخفاض عن الحد السابق البالغ 23 غالونًا.

وبموجب قيود المياه الجديدة, يُمنع استخدام مياه الشرب في المدينة لغسل المركبات، وصار جرُّ خرطوم المياه إلى المناطق المعبَّدة، وملء حمامات السباحة الخاصة والحدائق المائية غير قانوني. وسيتم تغريم السكان الذين يستخدمون الكثير من المياه.

ويراقب العلماء أيضًا كيف تتعامل السلطات مع الوضع الراهن؛ حيث ستكون كيب تاون أول مدينة كبرى في العالم تجفُّ مياهها.

وقد انضمت كيب تاون أيضًا مع أربع مدن أخرى هذا العام إلى مشروع تطوير مجموعة من الأدوات العملية التي من شأنها أن تساعد المناطق الحضرية على التعامل مع المياه, بقيادة شركة الهندسة “أروب” التي اتخذت من لندن مقرًّا لها.

والهدف من ذلك هو إعداد دليل للمدن من جميع الأحجام لفهم وقياس مرونة نظم مياهها. “إن مناخًا متغيرًا مقترنًا بالتحضر السريع يزيد من تواتر الأزمات المتعلقة بالمياه التي تواجه المدن”؛ هكذا قال مارك فليتشر، رئيس شركة أروب العالمية للمياه في بيان له.

اختراع محلي يقلل من آثار أزمة المياه:

ومن حيث الجهد المحلي لحل الأزمة, فقد اخترع “لودويك ماريشان” حلاً متمثلاً في “دريباث DryBath”. ويقول المخترع: إن 15 ملليلتر من “دريباث” – التي هي عبارة عن (جل) مادة هلامية – يكفي لغسل الجسم كله.

“إنها صخرة بلورية من آسيا. أنت تغسل بدنك بالماء، وعادة ما تستخدم هذه الصخور الكريستالية كصابونك الخاص. وأكثر من 80 في المئة من المنتَج من الماء؛ وتتكون أيضًا من المرطبات. إنها آمنة. وقد تم اختبارها على البشرة الحساسة … دون أي آثار ضارة”؛ هكذا يقول المخترع ماريشان.

وقد جاء ماريشان فكرة “دريباث” في عام 2007م وهو في سن الـ 17 من عمره، في المدرسة الثانوية بقرية ريفية في مقاطعة ليمبوبو بجنوب إفريقيا. وكان عليه أن يحمل تَعَب الوقوف في خطوط طويلة للمياه في الصنبور المستخدَم من قبل القرية.

“لقد ذكر صديق لي أنه يريد لشخص ما أن يخترع شيئًا يمكن أن يُنظِّف الجسم دون الحاجة إلى الماء. والسبب في ذلك أننا كنا نغتسل بدلو الماء كي نبقى نظيفين. لذلك، قد تكون كيب تاون تعاني من الجفاف الآن ويجب على الجميع استخدام دلو الماء للحمام؛ إلا أن 60 في المئة من العالم يعيش هكذا كل يوم”.

“بالنسبة للأسر متوسطة المعيشة الحديثة، نقوم بحفظ ما بين 80 إلى 150 لترًا من الماء كلما ترك شخصٌ ما الاغتسالَ بالدش أو حوض استحمام”؛ يقول ماريشان.

إن توجُّه كيب تاون نحو جفاف الصنابير، يعني نقطة تحوُّل لـ “لودويك ماريشان”، وشهرة واسعة لمنتَج هذا الشاب. وتعني قصة نجاحه وصعوده إلى سُلَّم الثراء والكاريزما الذي يتمتع به؛ أنه الآن متحدِّث محفِّز شهير.

وعلى حدّ تعبيره: “لقد بِعنا في الأسبوع الماضي عشرة أضعاف ما نبيعه عادة في الشهر. ووضعنا بالفعل طلب حوالي مائة ألف وحدة من الغسول والذي يجب تسليمه في الأسبوع المقبل .. ومزيد من الطلبات حيز التنفيذ”.

“لقد صنفتني غوغل كواحد من [12] ألمع عقول شابَّة في العالم [في عام 2011م]. كنت أفضل رجل أعمال طالب في العالم [في جوائز رواد الأعمال العالمية 2011م], وأول إفريقي يحصل على هذا التكريم”؛ يضيف ماريشان.

إن ما تعانيه كيب تاون يعلمنا أن أزمات المياه نادرًا ما تكون مسألة هطول الأمطار؛ لأن فهم الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والحدّ منها يحتاجان لرؤية القضية من زوايا ووجهات نظر مختلفة؛ سياسية، اجتماعية، واقتصادية. ويؤكد لنا أيضًا أن الأفارقة، وخصوصًا الشباب منهم، قادرون على إيجاد حلول لتحدياتهم وقضاياهم المحلية؛ ما دامت الآليات والمحفِّزَات متوفرة لديهم.

المصادر:

– Emma Luker & Lucy Rodina (2017). The Future of Drought Management for Cape Town: Summary for Policy Makers, Institute for Resources, Environment and Sustainability, University of British Columbia, Vancouver, Canada., 1-6.

– Fin24: ANALYSIS: What caused Cape Town’s water crisis? , Daniel Silke, Published on: Jan 29 2018, Retrieved from: https://goo.gl/pKvz8m

– The Conversation: Cape Town’s water crisis: driven by politics more than drought, David W. Olivier, Published on: December 12, 2017, Retrieved from: https://goo.gl/w2pDmS

– Youtube: Ludwick Marishane: A bath without water, https://www.youtube.com/watch?v=MpYrJs0rX84

– VOA: Demand for ‘Waterless’ Washing Spikes in Drought-Stricken Cape Town, Publish on: February 09, 2018, Retrieved from: https://goo.gl/58dsMq

رابط مختصر
2018-02-14 2018-02-14
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر