عاد الحديث حول الدور الاستخباراتي التخريبي لدولة قطر في تونس إلى دائرة الضوء من جديد، وسط جدل متصاعد في البلاد حول أسباب وأبعاد ودلالات حالة الهستيريا التي دخلتها حركة النهضة الإسلامية، حليفة قطر وأداتها في تونس، والتي وصلت إلى حد تهديد رئيسها راشد الغنوشي بحرب أهلية في البلاد.
وقال الصحبي بن فرج، النائب البرلماني من كتلة الحرة لحركة مشروع تونس برئاسة محسن مرزوق، إن كتلته البرلمانية تدعو إلى إنارة الرأي العام حول ملابسات قضية التحويلات المالية المنسوبة إلى ضابط قطري على حساب مفتوح لدى أحد فروع بنك تونسي ومصير المتورطين فيها من عسكريين ومدنيين.
وكشف في تدوينة، نشرها في صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، جزءا من تفاصيل مراسلة من محافظ البنك المركزي إلى نواب الكتلة تتعلق بهذه القضية وتضمنت إقرارا بوجود تحويلات مالية مشبوهة قام بها الضابط العسكري القطري في تونس.
وفي تقرير نشرته صحيفة “العرب” اللندنية، أشار “بن فرج”، نقلا عن الوثيقة، إلى أن الضابط القطري “جنرال متقاعد بالقوات المسلحة القطرية وأن الحساب تضمن أموالا متأتية من حساب مفتوح باسم القوات المسلحة القطرية المتفرع عن الحساب البنكي باسم سفارة دولة قطر بتونس”.
وأكد أن البنك المركزي قام بتجميد كل حسابات الجنرال القطري موضوع الشبهة (حوالي 3 ملايين دينار تونسي)، بإذن من قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي، وذلك في 24 يوليو من العام 2015، لافتا في نفس الوقت إلى أن وزارة الدفاع التونسية استمعت إلى أقوال هذا الضابط القطري وقررت إحالة ملفه على القضاء العسكري.
وتؤكد مراسلة البنك المركزي التونسي، التي تسلمتها كتلة الحرة الثلاثاء، أن الأموال التي كانت مودعة بحساب الضابط القطري موضوع الشبهة والمسحوبة نقدا بلغت 4.5 مليون دينار تونسي.
الصحبي بن فرج: وزارة الدفاع استمعت إلى الضابط القطري وأحالت ملفه على القضاء العسكري وعاينت لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي “مؤشرات شبهة عالية” شملت عسكريين ومدنيين انتفعوا بجزء من تلك الأموال، ليفتح الجدل من جديد حول هذه القضية الخطيرة التي بدأ الحديث حولها في شهر يونيو من العام الماضي إثر معلومات كشفها في ذلك الوقت الجيش الليبي.
وكان العميد أحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، قد اتهم في شهر يونيو من العام 2017 ضابطا قطريا بأنه المسؤول عن “الخراب المالي والأخلاقي” في تونس ودول شمال أفريقيا.
وأوضح المسماري أن “العميد القطري سالم علي الجربوعي يعمل في تونس ودول شمال أفريقيا ويقوم بدعم تنظيمات داعش والقاعدة والإخوان في عدد من الدول، وهو المسؤول عن الخراب المالي والأخلاقي في هذه المنطقة”.
وأشار إلى أن هذا الضابط “لديه أموال كثيرة في مصارف تونسية ويصرف منها متى يشاء، حيث قام بشراء ذمم ضباط تونسيين وليبيين”.
ويرى مراقبون أن هذه القضية مرشحة لأن تتفاعل أكثر فأكثر بعد الكشف عن هذه التفاصيل الجديدة وإقرار البنك المركزي بها، لا سيما وأن عودة الحديث حولها ترافقت مع تصعيد مفاجئ وغير مبرر لحركة النهضة الإسلامية التي ينظر إليها على أنها أداة من أدوات قطر في تونس والمنطقة المغاربية.
وقد وصل هذا التصعيد إلى حد تهديد راشد الغنوشي بحرب أهلية في تونس، وذلك في سابقة خطيرة كشفت حقيقة هذه الحركة، ونزعت عنها المساحيق التجميلية التي حاولت من خلالها الظهور في صورة مغايرة لحقيقتها.
وأعاد هذا التهديد إلى الأذهان تلك التهديدات التي أطلقها الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي وقادة جماعة الإخوان المسلمين من على منصة رابعة، منهم عاصم عبدالماجد وصفوت حجازي ومحمد عبدالمقصود، ضد الذين خرجوا للتظاهر في ثورة يوليو في العام 2013.
ويؤشر تهديد الغنوشي الذي جاء بعد أقل من ثلاثة أيام من توعد حركته الصحافيين والإعلاميين، على أن هذه الحركة باتت تدرك أن رياح المتغيرات الإقليمية والدولية اقتربت كثيرا من ركائز كيانها المالية والسياسية، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لسفير الاتحاد الأوروبي باتريس برغميني التي وصف فيها حركة النهضة بأنها “حزب الإخوان المسلمين في تونس”.
ويحمل هذا التوصيف دلالات سياسية فارقة، لا سيما في هذا التوقيت الذي بدأت فيه أوروبا في مراجعة مواقفها من تنظيمات الإسلام السياسي، وارتباطاتها بجماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابية في عدد من الدول. وساهم توصيف الدبلوماسي الأوروبي في ارتفاع وتيرة التشنج والتوتر لدى حركة النهضة، حيث سارع رئيس مجلسها للشورى عبدالكريم الهاروني إلى محاولة التقليل من تداعيات هذا التوصيف.
وقال الهاروني في تصريحات إذاعية، بثتها الثلاثاء إذاعة محلية خاصة، إن سفير الاتحاد الأوروبي “أخطأ وعليه الاعتذار في أول فرصة وأن توصيفه لا يعني تغيرا في موقف الاتحاد الأوروبي”.
ومع ذلك، تجمع مختلف الأوساط الفاعلة في المشهد السياسي في البلاد على أن هذا التوصيف جدي ويعكس تبدلا في موقف الاتحاد الأوروبي تجاه النهضة.
وترى هذه الأوساط أن حالة الهستيريا التي تعيشها الحركة هذه الأيام، تدل على أنها باتت تدرك خطورة المرحلة التي تنتظرها.