أثارت دعوة نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي إلى إجراء تعديل وزاري جدلا في تونس، عما إذا كان الاتحاد قد حاد عن دوره كمنظمة نقابية ليتحول إلى حزب سياسي فيما سارع الطبوبي إلى التوضيح بأن الاتحاد “ليس دعاية حكم”.
وهذه هي المرة الأولى التي يجاهر فيها الاتحاد بالتدخل المباشر في الشأن السياسي حيث اكتفى خلال السنوات الماضية بنقد الحكومة والمطالبة بإشراكه في القرار.
والأربعاء دعا الطبوبي إلى ضرورة إجراء تعديل وزاري على حكومة يوسف الشاهد لـ”ضخ دماء جديدة وكفاءات سياسية في بعض المواقع لخلق تجانس بين الوزارات”.
وجاءت دعوة الطبوبي لتزيد من الضغط السياسي على الحكومة التي يهيمن عليها كل من النداء والنهضة في ظل أوضاع عامة تغلب عليها حالة من الاحتقان الاجتماعي.
ولئن كانت مسألة التعديل الوزاري تمثل إحدى أهم مطالب الأحزاب المعارضة وفي مقدمتها الائتلاف المدني الذي يضم 11 حزبا ليبراليا وعلمانيا فإن الدعوة إليها من قبل اتحاد الشغل تعد سابقة لكونه منظمة نقابية معنية بالدفاع عن حقوق العمال.
وقال عبد الرزاق تقية أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية “إن دعوة الطبوبي تؤشر الى أن الاتحاد بات يعتبر نفسه طرفا من القوى السياسية والحال أنه قوة مدنية يجب أن تقف على نفس المسافة من كل الأحزاب وألا يزج بنفسه في مستنقع السياسة”.
وشدد تقية متحدثا لمراسل ميدل ايست أونلاين يقول “على امتداد تاريخه النضالي كان الاتحاد يستمد قوته من ذاته كإحدى أهم قوى المجتمع المدني التي نأت بنفسها عن التجاذبات السياسية ومثلت قوة ضغط إيجابية في مواجهة السلطة”.
غير ان وحيد الراجحي الأخصائي في علم الاجتماع السياسي والناشط النقابي رأى انه “من حق الاتحاد أن يطالب بتحوير وزاري لا فقط باعتباره مركزية نقابية معنية بالدفاع عن حقوق العمال وإنما أيضا باعتباره منظمة وطنية معنية بالشأن العام وبالحكومة”.
وقال الراجحي لمراسل ميدل ايست أونلاين “هناك مساع لتقزيم دور الاتحاد وتهميشه وعدم إشراكه في القرارات المصيرية التي تهم الشعب التونسي” ملاحظا أن “الحكومة ليست حكرا على الأحزاب وإنما هي تعني الاتحاد أيضا”.
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد صرح في أكثر من مناسبة أنه ينتهج سياسة الحوار مع اتحاد الشغل اقتناعا منه بأن فض الملفات الاقتصادية والاجتماعية تستوجب إشراكه بصفة جدية وفاعلة.
غير أن قيادات المركزية النقابية تقول إن الحكومة التي يهيمن عليها كل من النداء والنهضة تنتهج سياسة لتهميش الاتحاد واستبعاده من صناعة أي قرار.
وفي ظل الجدل سارع الطبوبي إلى توضيح موقف الاتحاد قائلا إن دعوته إلى تعديل وزاري ما هي إلى “دعوة إلى القيام بتقييم موضوعي لوضع البلاد وتحديد مسؤولية كل طرف عن هذا الوضع والمؤشرات السلبية” لافتا “لسنا دعاة حكم ولا نريد وزارة” وحين “نقوم بقراءة نقدية هذا لا يعني أننا نطالب بتغيير النظام السياسي”.
غير أنه شدد، بالمقابل ” لن نبقى صامتين. لا بد من نقد بناء ولا حسابات ضيقة فيه لاستهداف طرف ما”، مضيفا “كلنا تائهون في إيجاد الحلول الملائمة والسؤال اليوم عن مدى تنفيذ وثيقة قرطاج كما أن السؤال اليوم من يحكم البلاد”.
ويعد اتحاد الشغل أحد الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج التي تشكلت بناء عليها حكومة الشاهد وبرنامجها في توفير التنمية والشغل ومحاربة الفساد والإرهاب.
ويواجه اتحاد الشغل انتقادات لاذعة من قبل الخبراء المتخصصين في التنمية وفي علم اجتماع الشغل إذ يرون في انتصاره للمطلبية المجحفة في ظل الأوضاع الاقتصادية الهشة حيادا عن دوره كمنظمة وطنية مدعوة الى مراعاة المصلحة العليا للبلاد.
ويقول عبد المجيد الجويني الإخصائي في علم التنمية إن “التصعيد الذي يقوده اتحاد الشغل وانتصاره لمنطق المطلبية في ظل نسبة نمو لا تتجاوز 1 بالمئة لا يخدم الاتحاد ولا يخدم الحكومة ولا يخدم مصلحة البلاد التي هي اليوم في حاجة إلى التهدئة”.
وفي تعليقه على تصريحات الطبوبي قال الجويني “من الخطأ أن يتعاطى اتحاد الشغل مع الأوضاع العامة بالبلاد كما لو أنه حزب سياسي معارض، والحال أنه قوة مدنية من حقها أن تمارس وظيفة تعديلية بين برامج الحكومة ومطالب العمال والأجراء”.
ولم يتردد الطبوبي في التلميح إلى نقد كل من النداء والنهضة مشيرا إلى أنه “حين تفرض الأحزاب الحاكمة على رئيس الحكومة تعيين زيد أو عمرو ثم تطالبه بالنتيجة، فإن ذلك سوف يقود بالضرورة إلى خيارات غير واقعية، والاتحاد يطالب بالنتيجة”.
وحمل الطبوبي حكومة الشاهد “مسؤولية الوضع الاقتصادي ومسؤولية قوت الناس وأمنهم واستنباط الحلول، لا أن تبقى في العجز وتقديم التبريرات التي لا تقنع أحدا”.
غير أن مراقبين يؤكدون أنه كلما أقدمت الحكومة على اتخاذ أي إجراء في إطار الإصلاحات، واجهت معارضة من قبل الاتحاد. وهو يستدلون على ذلك بقرار زيادة الأسعار الذي أثار موجة من الاحتجاجات مسنودة من المركزية النقابية.
وذهب الطبوبي إلى حد القول بـ”وجود تفكك وعجز في بعض مفاصل الدولة وإدارتها”، مطالبا بإجراء تقييم بخصوص عمل بعض الوزارات وإدارات مؤسسات القطاع العام.
وبدا الأمين العام للمركزية النقابية أكثر حماسا عن الديمقراطية مشددا على أن “الديمقراطية تقتضي التقييم بهدف المحاسبة في الاتجاه الإيجابي وتجاوز الهنات”.
ويرجع المراقبون التصعيد السياسي الذي فاجأ به الطبوبي خاصة الأحزاب الحاكمة إلى دافعين إثنين أولهما أن الاتحاد عازم على إشراكه بصفة جدية لا فقط بشأن إصلاحات الحكومة وإنما أيضا بشأن مشاورته في تركيبتها خاصة بالنسبة لعدد من الوزارات الهامة مثل الاقتصاد والصناعة والتجارة ووزارة الشؤون الاجتماعية.
ويبدو، كما يذهب إلى ذلك محللون سياسيون، أن تركيز الطبوبي على فشل الأحزاب الحاكمة وهيمنتها يستبطن إشارة إلى النهضة خاصة وأن الدعوة إلى تعديل وزاري جاءت في اعقاب تلويح راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الى فرض قبول النهضة أو “الدخول في حرب أهلية”.
ويمثل اتحاد الشغل القوة المدنية الأولى والأكثر عداء للنهضة إذ ترى فيها القيادات النقابية تهديدا للحريات المدنية ولمدنية الدولة والحزب الذي يسعى إلى تهميش الاتحاد.
أما الدافع الثاني فهو يتعلق بالشأن الداخلي للاتحاد حيث يرى مراقبون أن التصعيد السياسي يهدف إلى امتصاص غضب القواعد النقابية في العديد من القطاعات الحيوية.
ويحمل رجال الأعمال والمستثمرون التونسيون اتحاد الشغل مسؤوليته في توقف العشرات من المصانع والشركات نتيجة وقوفه وراء إضرابات العمال واعتصاماتهم للمطالبة بزيادات في أجور يقولون إنها مرتفعة في ظل تدني مستويات الإنتاج.
غير أن الاتحاد يقول إن مطالب العمال مشروعة نظرا لتدهور المقدرة الشرائية خلال السنوات الأخيرة بشكل يهدد قوتهم بعد أن بلغت نسبتها نحو 50 بالمئة.
وتخشى السلطات، التي تسعى إلى تهدئة الأوضاع، من ان تكون تصريحات الطبوبي رسالة إلى الفئات الاجتماعية الغاضبة مفادها أن الاتحاد مستعد لمساندة أي احتجاجات خاصة وأن البلاد قادمة على انتخابات بلدية تستوجب مناخا سياسيا واجتماعيا ملائما.