اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية: فُرَص التكامل وتحدياته

آخر تحديث : الأربعاء 28 مارس 2018 - 2:09 مساءً
بقلم: عبدالحكيم نجم الدين
بقلم: عبدالحكيم نجم الدين

شهدت العاصمة الرواندية, كيغالي, يوم الأربعاء الماضي, إطلاق “المنطقة القارية للتجارة الإفريقية الحرة” (AfCFTA), ونقلت وسائل الاعلام صور المصافحات والابتسامات والابتهاجات؛ وذلك احتفاءً بهذه المبادرة الهائلة التي طال انتظارها, وتُعَدُّ خطوة كبيرة نحو الأمام لتحقيق حلم قديم للاتحاد الإفريقي.

لقد بدأ التشاور والتفاوض حول هذه الكتلة التجارية منذ العام 2012م، عندما قرَّر الاتحاد الإفريقي لأول مرة وضع خطة على مستوى القارة, بهدف إنشاء سوق موحَّدة للسلع والخدمات، والسماح بحرية حركة الأعمال والاستثمارات، وتوسيع التجارة البينية الإفريقية, وإنشاء اتحاد جمركي لتنظيم التعريفات.

وكجزءٍ من خطة العمل، يسعى الاتحاد الإفريقي إلى مضاعفة التجارة البينية الإفريقية بحلول عام 2022م.

“إفريقيا قارّة لا تتاجر مع نفسها مثل بقية العالم”؛ يقول ايراستوس موينتشا نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي السابق, والسكرتير العام السابق للسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (كوميسا).

“وبسبب ذلك، فإن المكاسب الديموغرافية الضخمة للقارة ليست ذات فائدة للقارة؛ لأن إفريقيا لم تستفد من حجمها السوقي الذي يبلغ 1.3 مليار نسمة بالإضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من 2.3 تريليون (دولار أمريكي)”.

منطقة التجارة الحرة الإفريقية.. الفرص والإيجابيات

وقَّع 44 زعيمًا على الاتفاقية لإنشاء منطقة التجارة الحرة الإفريقية, يوم الثلاثاء (الموافق 21 مارس الماضي) خلال قمة غير عادية للاتحاد الإفريقي في كيغالي. ولم يبقَ إلا أن تصدّق عليها كل دولة من تلك الدول التي وقَّعت عليها، لتصبح “AfCFTA” واحدة من أكبر الكتل التجارية في العالم.

غير أنه حدث تراجعٌ صارخ؛ إذ امتنعت نيجيريا –وهي أكبر اقتصاد في إفريقيا وأكثر دولها اكتظاظًا بالسكان – ومجموعة دول أخرى عن توقع الاتفاقية.

إن الجانب الإيجابي المتوقع لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية كبيرٌ بحجم الفرص المتوفرة عبر القارة, لأنها ستخلق سوقًا موحدة تصل إلى 1.2 مليار شخص وناتج إجمالي محلي بأكثر من 2 تريليون دولار.

وقد تنبأ مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أيضًا بأن تخفيض التعريفات داخل إفريقيا – وهو أحد شروط الاتفاقية – يمكن أن يجلب 3.6 مليار دولار من مكاسب الرفاهية للقارة من خلال زيادة الإنتاج والسلع الرخيصة.

وإذا تم تبنّيها بالكامل -بحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا– فإن التجارة البينية الإفريقية سترتفع إلى نسبة 52٪ بحلول عام 2022م؛ مقارنة مع المستويات التجارية لعام 2010م. وهذا يمثل نموًّا كبيرًا، وخصوصًا أن التجارة بين البلدان الإفريقية لا تشكل سوى 16٪ من إجمالي التجارة في القارة عام 2014م.

تحديات الاتفاقية التجارية الحرة الإفريقية:

لا يزال إعلان كيغالي والاتفاقية التجارية الحرة الإفريقية رمزيًّا إلى حد كبير؛ لكثرة التحديات القائمة قبل تنفيذ الاتفاق التجاري. نظرًا لما تواجهه إفريقيا من العوائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحول دون الاندماج والتكامل.

“هناك أيضًا في كثير من الأحيان صراع بين إفريقيا الناطقة بالفرنسية، وإفريقيا الناطقة بالإنجليزية، والجزء العربي المغربي من إفريقيا في شمال إفريقيا. كما أن هناك عددًا قليلاً من الاقتصادات المهيمنة مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا والصغيرة منها مثل رواندا”؛ هكذا قال جيريشون إيكارا ، المدير المساعد لمعهد الدبلوماسية والدراسات الدولية في جامعة نيروبي.

وفي حين يهيمن على التجارة الإفريقية تصدير المواد الخام إلى آسيا والغرب، واستيراد السلع التامة الصنع إلى القارة, إلا أن أحد الأسباب هو أن عمل الأسواق الوطنية كالصوامع.

“إذا نظرت إلى بعض الاقتصادات في إفريقيا التي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، أو ثلاثة ملايين نسمة، أو خمسة ملايين نسمة، مع قوة شرائية ضئيلة للغاية. فلا يمكنك أن تتقدم بالفعل اقتصاديًّا. لذلك، أنت بحاجة إلى سوق أكبر”؛ هكذا قال موينتشا.

ويرى الاتحاد الإفريقي أن تقليص الحواجز أمام التجارة داخل القارة سيعزز التصنيع والخدمات والمنتجات ذات القيمة المضافة, حتى وإن كانت الحوافز التجارية –في الوقت الراهن- تميل نحو شركاء خارج القارة.

ومما تطرَّق إليه رئيس الاتحاد الإفريقي -ورئيس رواندا- بول كاغامي في كلمته الرئيسية في القمة (يوم الثلاثاء), أن أقل من 20 بالمائة من التجارة الإفريقية داخليًّا مقارنة بثلاثة أضعاف تلك الموجودة في الكتل التجارية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي.

ومن النقاط التي تجدر الإشارة إليها أن التعريفات الجمركية بين الدول الإفريقية تبلغ في المتوسط 12 في المائة، في حين تفرض إفريقيا على بقية العالم حوالي 8 في المائة.

“إذن، هذه تسمية مغلوطة.. أن العمل الخيري يبدأ من البيت”؛ قال موينتشا. “أعني: نحن لا نعطي بعضنا البعض ميزة أخرى. وبسبب ذلك، كانت تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في القارة، سواءً لتسهيل التجارة، هي أيضًا عالية جدًّا. لذلك (كان التوقيع على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة الإفريقية) بالنسبة لي، تحركًا كبيرًا”.

وعلى الرغم من أهمية هذه الاتفاقية والفرص التي ترافقها, وسط هتافات الإنجاز للاتحاد الإفريقي في كيغالي، فقد نال فشل نيجيريا في التوقيع على الوثيقة اهتمام المراقبين والاقتصاديين.

نيجيريا وتراجع اللحظة الأخيرة:

في تحوُّل مفاجئ قبل 48 ساعة من سفره إلى كيغالي، ألغى الرئيس النيجيري محمد بخاري رحلته قائلاً: إنَّ البلاد بحاجة إلى “السماح بالمزيد من الوقت لتدخل أصحاب المصلحة النيجيريين”. ولا شك أن هذا القرار يرجع إلى ضغوط من الاتحادات التجارية، وشكاوى النقابات العمالية في نيجيريا.

“لم يعد السيد الرئيس مسافرًا الى كيغالي للمشاركة في هذا الحدث؛ لأن بعض أصحاب المصلحة الرئيسيين في نيجيريا أشاروا إلى أنه لم تتم استشارتهم، وهو ما سبَّب لهم بعض المخاوف بشأن شروط المعاهدة”؛ قال بيان من الرئاسة النيجيرية.

“وبالتالي، فإن قرار الرئيس هو لإتاحة الوقت لإجراء مشاورات أوسع نطاقًا بشأن هذه القضية”.

بل وحثَّ اتحاد العمال – مؤتمر العمل النيجري (NLC), الرئيس بخاري على عدم توقيع الاتفاقية؛ لأن سياسة هذه المبادرة وما تتضمنه من شروط سيعمِّق أزمة البطالة التي تعانيها نيجيريا, و”سيطلق موجة الموت للاقتصاد النيجيري” الذي خرج مؤخرًا من الركود.

وقال أيوبا وابا, رئيس المؤتمر: “نحن في مؤتمر العمل النيجيري نشعر بالصدمة من الحصانة المطلقة أو الافتقار الواضح للمشاورات في العملية التي أدت إلى ذلك”.

ويُحذر بعض الاقتصاديين من أنه بدون مشاركة نيجيريا، فإن معاهدة إنشاء منطقة التجارة الحرة الإفريقية قد تكون معاقة بشدة. ومع ذلك، فإن المشاورات مع الاتحادات الوطنية – كما جاء في البيان النيجيري – مفهومة.

“هذا أمر جيد”؛ قال موينتشا، “لكن المرء يأمل في ألا يعيق (عدم مشاركة نيجيريا) الاتفاقية، لأن نيجيريا قد تتخذ موقفًا بأنها بلد كبير، يبلغ عدد سكانه حوالي 170 مليون نسمة، ويستطيعون الاستغناء عن القارة. وسيكون هذا موقفًا مؤسفًا.

جنوب إفريقيا.. وأخواتها:

من جانبها، وقَّعت جنوب إفريقيا -وهي أكثر الاقتصادات الإفريقية تقدمًا، على إعلان كيغالي, ولكنها لم توقِّع على الاتفاق الفعلي للتجارة الحرة (AfCFTA), قائلة: إنها تحتاج إلى مزيد من الوقت “لمتابعة العمليات الدستورية والداخلية” للتوقيع على الاتفاق. وذلك بعد أن أكَّدت وزارة التجارة والصناعة بجنوب إفريقيا التزامها “باستراتيجية منسَّقة لتعزيز التجارة داخل إفريقيا وبناء سوق متكامل في إفريقيا”.

وتضم الدول الأخرى التي لم توقع الاتفاقية: بوتسوانا, ليسوتو، ناميبيا، زامبيا، بوروندي، إريتريا، بنين، سيراليون وغينيا بيساو.

وقال وزير خارجية زامبيا، جوزيف مالانغي في بيان: إن زامبيا وقَّعت فقط على إعلان كيغالي لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية، وليس الاتفاق. مشيرًا إلى أن زامبيا قد تفاوضت بشأن البروتوكول الخاص بالسلع والخدمات، وتسوية النزاعات في حين لم يتم التفاوض على باقي البروتوكولات، بما فيها المنافسة التجارية، والاستثمار، والملكية الفكرية.

ومع ذلك، فإنَّ التوقيع على الإعلان يُظهِر أن زامبيا –وفق البيان- تقف مع جميع الدول الإفريقية الأخرى في سعيها لتحسين التجارة داخل إفريقيا. وفي حين أنها لن توقع على البروتوكول الخاص بحرية تنقل الناس؛ لأن البلاد لم تكن مستعدة لذلك, إلا أن الحكومة الزامبية ستشارك فقط في معاهدات ذات تأثير إيجابي على شعب زامبيا, وبشكل خاص الشباب والنساء.

فما هي الخطوة التالية؟

إنَّ العمل الحقيقي يبدأ بعد عودة المسؤولين إلى ديارهم وردود أفعال الوكالات وأصحاب المصالح المعنيين تجاه الاتفاقية، ولكن..

– ما مدى سرعة تنفيذ مثل هذه الاتفاقية؟

– ومتى سيُحدِث التوقيع عليها فرقًا على أرض الواقع؟

ولعلَّ الإجابة البسيطة للسؤالين هي: إلى أن تتمكن أي شركة من نقل بضائعها من أي دولة في منطقة التجارة الحرة إلى أيّ دولة أخرى بدون اعتراضات – وكأنّ الحدود غير موجودة.

ورغم توقيع 44 دولة على الاتفاقية، إلا أنها بحاجة للتصديق عليها من قبل البرلمانات الوطنية للدول الموقَّعة، والتي قد تستغرق سنوات, وبعد ذلك ستدخل منطقة التجارة الحرة حيز التنفيذ. كما يتعين أيضًا على الدول العشرة الأخرى التوقيع على الاتفاقية لتكون على مستوى القارّة.

هذا, وقد يُشكِّل التكامل الإقليمي تحديًا أكبر لإفريقيا مما كان عليه في أوروبا؛ إذ استغرق الاتحاد الأوروبي أكثر من 50 سنة لتنفيذ مثل هذه الاتفاقية بعد الحرب العالمية الثانية – وهو اتحادٌ مكوّن من 28 عضوًا.

غير أن من الاقتصاديين الأفارقة مَن يرون أن الأمر سيستغرق إفريقيا سنوات – وليس عقودًا – للتنفيذ؛ ذلك لأن هناك بالفعل بعض التكامل في القارة – مثل: مجموعة شرق إفريقيا، والاتحاد الجمركي لإفريقيا الجنوبية.

“في الوقت الحالي، لدينا أيضًا تحسينات في البنية التحتية”؛ قال إيكارا. “الموانئ التي ترتبط بعضها ببعض، والسكك الحديدية والطرق التي ترتبط مع بعضها البعض في مزيد من البلدان الإفريقية. وأعتقد أن هذا الاتصال، أراه كدفع كبير؛ لأنه بمجرد تحسين الترابط، يصبح القطاع الخاص أكثر فاعلية”.

إن منطقة التجارة الحرة الإفريقية مهمة كبيرة. ولكن إذا كان إنشاء المنطقة التجارية القارية بمثابة الخطوات الأولى نحو زيادة العلاقات الاقتصادية والتجارية داخل إفريقيا، فسيشعر سكان القارة بفوائدها -حتى وإن كان مدى سرعة تحقيق ذلك يعتمد على النية الصادقة والحماس الدائم والتركيز والتصميم مِن قِبَل القادة الذين وقَّعوا (وسيوقعون) على الصفقة.

رابط مختصر
2018-03-28 2018-03-28
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر