نظم، اليوم الخميس، في العاصمة اللبنانية بيروت، اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع لجنة الرقابة على المصارف في لبنان فعاليات “الملتقى السنوي لرؤساء إدارة المخاطر في المصارف العربية” في دورته الثامنة.
شارك في فعاليات الملتقى نخبة مميزة من الخبراء من لبنان والعالم العربي من بينهم موظفوا السلطات الرقابية ورؤساء ومدراء المخاطر في المصارف ومدراء التدقيق الداخلي ورؤساء إدارة الرقابة المالية، إضافة الى مسؤولين وخبراء دوليين.
وتحدث في حفل افتتاح فعاليات الملتقى رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية الدكتور جوزف طربيه، رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية معالي الشيخ محمد الجراح الصباح ورئيس لجنة الرقابة على المصارف- لبنان الأستاذ سمير حمود.
وقد أشار رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية د. جوزف طربيه، في كلمته، إلى “أن هذا الملتقى أصبح تقليداً سنوياً راسخاً، وبات يُشكّل منصّة للقاء بين كبار المسؤولين عن إدارة المخاطر في مصارفنا العربية للبحث والنقاش وتبادل الخبرات والمعرفة في كل ما يتعلق بالمخاطر المصرفية، وخصوصاً ما أدخلته لجنة بازل للرقابة المصرفية من تعديلات على منهجيات قياس وإدارة المخاطر إستناداً إلى التطوّرات والتداعيات التي أفرزتها الأزمة المالية العالمية، والتي تركّزت على السيولة ورأس المال، وكذلك على منهجية إحتساب الخسائر الناجمة عن إعادة تقييم الأدوات الإئتمانية، وكيفية مراعاة الخصوصيات المحلية عند تطبيق المعيار الدولي لتقارير الإفصاح المالي (IFRS9) هذا فضلاً عن وضع خطط التعافي والتخطيط الرأسمالي”.
وقال: “كما تعلمون، فقد توسّع أخيراً إنتشار ظاهرة تجنّب المخاطرDe-Risking لإرتباط هذه الظاهرة بإحتمال عدم تمكّن المصارف أحياناً من الإلتزام بمتطلبات الحيطة والحذر والعناية الواجبة Enhanced Due-Diligence التي تفرضها السلطات الرقابية والبنوك المراسلة، مثل التشدّد بالحصول على المعلومات الواجبة عن الزبائن (KYC) وغيرها من إجراءات التحقّق عن الزبائن أو العملاء أو القطاعات”.
ووأوضح أنه “يُفضّل عدم التعامل مع هذه الأنواع من الزبائن والعمليات، وهذا ما يُعرف بظاهرة De-Risking، وهنا تكمن إشكالية المعالجة، ففي حال إعتمد المصرف خيار التخلّي عن بعض العمليات أو العملاء، يكون قد خسر بعض الزبائن من باب الشك، وساهم في الوقت نفسه في تنامي ظاهرة صيرفة الظل (Shadow Banking)، حيث تبرز مشكلة جديدة وهي إمكانية ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة، والحل الموضوعي في هذا المجال يتطلّب تشدداً أكثر في الرقابة الداخلية والتوسّع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة “إعرف عميلك”، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون ما بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية”.
مشيرًا إلى أن “إتحاد المصارف العربية يشدّد اليوم على أن البنوك خلال سعيها نحو تطبيق المعيار الدولي (IFRS9) سوف تواجه الكثير من التحديات، ولعلّ أبرزها يتمثل في ضرورة تعزيز التنسيق بين الوحدات المتخصّصة، وكذلك ضرورة تحقيق التكامل والتوافق بين البيانات المالية والمخاطر بالإضافة إلى تحديات جمع وحفظ البيانات التاريخية الضرورية لوضع النماذج الخاصة بالخسائر المتوقعة كما يجب التنبه إلى بروز تحديات البنية التحتية وأنظمتها ومنهجيات وأدلة عمل، وتقنيات تقييم المخاطر والسياسات المحاسبية، الأمر الذي يتطلب رفع قدرات العاملين ومهاراتهم ومواكبتهم لمستجدات العمل المصرفي على المستوى الدولي. وفي هذا المجال، سوف نعمل على تشكيل مجموعة خاصة لإدارة المخاطر في الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، والدعوة مفتوحة أمامكم للإنضمام إلى هذه المجموعة لتكون منطلقاً للتعمق أكثر من خلال خبراتكم ووضع الأسس لتعزيز التنسيق بين الوحدات المتخصصة في إدارة المخاطر، لمواكبة المستجدات على مستوى العمل المصرفي العربي”.
وختم بالقول: “كما أنّ إتحاد المصارف العربية سيطلق قريباً “المركز العربي لإدارة المخاطر” وسيكون مقرّه في مقرّ الامانة العامة للإتحاد، وذلك بهدف الإرتقاء بصناعة إدارة المخاطر في العالم العربي، بما يتناغم والمعايير والممارسات الدولية المعروفة والمعتمدة على الصعيدين العملي والنظري، وزيادة الوعي لدى القطاع المصرفي والمالي وقطاع الشركات في العالم العربي حول أهمية تبني وتطبيق أحدث تقنيات وأساليب إدارة المخاطر المعروفة دولياً. ومن مهام هذا المركز تقديم الدراسات والبحوث العلمية المعمقة في مجالات إدارة المخاطر على تنوعها وتوفير التدريب المتخصّص في مجال إدارة المخاطر بكافة قطاعاتها، وإعداد العاملين في القطاع المصرفي والمالي عبر دورات تدريبية متخصّصة، وإعدادهم لإمتحانات الديبلوم أو الشهادات العلمية المتخصّصة مثل FRM, AML, CFT, CFA وغيرها. ونتطلع إلى تعاون وتنسيق بين مجموعة إدارة المخاطر في الإتحاد الدولي والمركز العربي لإدارة المخاطر”.
بدوره أكد رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح أن هذا الملتقى أصبح غنّي عن التعريف، فقد أثبت على مرّ دوراته السابقة قدرته على حشد نخبة من الخبراء والمتابعين لمسألة إدارة المخاطر في المصارف على الصعيدين العربي والعالمي، الأمر الذي يجعل منه منصّة رئيسية لتلاقي المعنيين كافة في هذا المجال للتباحث حول الأولويات الحالية لإدارة مصارفنا العربية والتعديلات الهادفة إلى تقوية المعايير المصرفية الدولية التي من شأنها أن تقلّل من إحتمالات تعثّر المصارف، وتخفّف من تأثير حالات الفشل على النظام المالي بشكل خاص وعلى الإقتصاد بشكل عام.
ولفت “الجراح” إلى “إنّ محاور هذا الملتقى وعناوينه الرئيسية تهدف إلى الإضاءة على مبادئ وأسباب المراجعة الشاملة للموجودات المثقلة بالمخاطر، وشرح الإصلاحات الجديدة للجنة بازل الهادفة إلى تعديل المقاربة المعيارية لمخاطر الإئتمان، ومخاطر السمعة ومخاطر التشغيل ومخاطر تبييض الأموال، والأسباب الكامنة وراء هذه المخاطر، إضافة إلى شرح التحديات التي تواجه مصارفنا العربية في تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية، ومناقشة المعالجة النظامية للتعرضات السيادية، والتخطيط الرأسمالي وتخطيط السيولة، والتطبيق العملي لإطار الربحية المعدّل على أساس المخاطر، إضافة إلى خطط التعافي، والمقترحات الجديدة لمنهجية المضاربة المعيارية لمخاطر التشغيل”.
من جانبه أشار رئيس لجنة الرقابة على المصارف – لبنان سمير حمود إلى أن اللجنة تنظر إلى إدارة المخاطر أنها إدارة غير جامدة بل متحركة، ومرنة، تتغير وفقاً لتطورات السوق المصرفية الداخلية وتواجه ارتدادات الأسواق الخارجية ومتطلبات المعايير الدولية. ولا شك أن السوق اللبنانية تحمل في طياتها مخاطر بنيوية تتمثل في أن حجم الكتلة النقدية تفوق بأضعاف قدرة الاقتصاد اللبناني على امتصاصها، وأن دولرة السوق المحلية، تجعل من الكتلة النقدية M3 هي الوازنة بدلاً من M2. وما يزيد الامر صعوبة، أن اتجاه الفوائد عالمياً هو صعودي، وانعكاسه على معدلات الفوائد في لبنان سيكون في نفس الاتجاه وانما بوتيرة أعلى.
وأضاف “حمود”: إن “المصارف تواجه مشكله الربحية في ظل انخفاض نسبة التسليف للودائع وإن كان ذلك لحساب سيولة فائضة تكون كلفتها مرتفعة وعبئاً على المصارف مما يوجب ابتكار أدوات نقدية ومالية للوصول إلى هامش فائدة ايجابي يبرر حجم الأعمال والأموال الخاصة. وقد كان لمصرف لبنان الدور الأول في تنظيم هذه السوق من خلال إدارة الكتلة النقدية، وحجم السيولة الفائضة، وكان الهدف مثلث الاضلاع من الحفاظ على سعر صرف الليرة إلى تعزيز ملاءة المصارف والاحتفاظ بربحية تبرر استمرار المؤسسات المصرفية. وخلال الفترة الممتدة من 2016 لتاريخه، أصدر مصرف لبنان عدة تعاميم تتعلّق بالملاءة والسيولة وحجم المؤونات لتغطية الخسائر المتوقعة”.
وختم أخيراً: “يمكن القول ان القطاع المصرفي يتمتّع بأوضاع مالية يجعله ملتزماً التزاماً كاملاً بمعايير السيولة، والملاءة، والمحاسبة، وأن دوره في تعزيز الاقتصاد لا يزال رائداً وحاضراً للمراحل القادمة، غير أن ذلك، لا يمنعنا من القول إن المخاطر لا تزال تحيط بالقطاع ولا سيّما في إدارة الربحية، وتحديد خطط العمل المستقبلية إضافةً إلى المخاطر المتنوعة في الإدارة والتشغيل من امتثال، حوكمة، مكافحة القرصنة، ومخاطر العملات الرقمية التي تشق طريقها ولو بصعوبة وبرفض أكثر بيوت المال، والمصارف المركزية.