في أعلى تلة حطام على ضفة نهر دجلة بوسط المدينة القديمة في غرب الموصل، ينهمك عناصر الجيش والشرطة والدفاع المدني ببزاتهم المرقطة في حركة متواصلة سعيا إلى إخراج الجثث التي لا تزال تحت الأنقاض وتزيد الحرارة المرتفعة من تحللها.
وبكمامات تغطي أنوفهم جراء الرائحة القوية، يعمل رجال الدفاع المدني والجيش والشرطة بدون توقف على انتشال الجثث، رغم خطر الألغام والعبوات غير المفككة في المدينة القديمة التي دمرت تماما جراء المعارك لطرد تنظيم داعش الإرهابي.
يقول ضابط جهد الإنقاذ في الشطر الغربي من الموصل المقدم ربيع إبراهيم إنه “تم رفع 763 جثة خلال ثلاثة أيام، والعمل مستمر لحين رفع كل الجثث من المنطقة”.
ويضيف إبراهيم “يتم تسليم الجثث المتفسخة إلى دائرة صحة نينوى وبلدية الموصل التي تتخذ الإجراءات اللازمة بدفنها”.
ويوضح أن جثث المدنيين تسلم إلى ذويهم بعد إجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من الهويات، فيما تدفن جثث مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في مقبرة خاصة بمنطقة السحاجي عند أطراف غرب الموصل.
لكن الفرق العاملة تواجه صعوبات يومية خلال عمليات انتشال الجثث.
يقول مدير الدفاع المدني في محافظة نينوى حسام خليل إن “صعوبة العمل في المنطقة القديمة تكمن بصعوبة إدخال الآليات الثقلية لضيق الأزقة والطرقات، ما يضطرنا إلى استخدام المعدات البسيطة”.
يأتي ذلك إلى جانب الخطر المحدق بالعملية التي تتركز في المنطقة المحصورة بين جسر الموصل الخامس والجسر القديم، وهي آخر الأحياء التي شهدت معارك كر وفر قبيل استعادة المدينة في يوليو.
ويلفت رئيس لجنة انتشال الجثث في بلدية الموصل المهندس دريد حازم محمد إلى أن “القوات الأمنية المرافقة للجنة عثرت على كميات من الاعتدة والمتفجرات والأحزمة الناسفة (…) بين الجثث وتحت الأنقاض”.
وأضاف: “بعض جثث الدواعش ترتدي أحزمة ناسفة، وهذا مصدر خطر كبير عند رفع الجثة ما لم تتم معالجة الحزام”.
وهذا ما يطالب به المقدم ضياء عبد الحسن الخفاجي من الفرقة 20 التابعة للجيش العراقي، قائلا “نحن في حاجة إلى فريق معالجة هندسي” للحد من تلك المخاطر.
غير أن الخطر الأكبر الذي تطرحه هذه الجثث المطمورة تحت الأنقاض منذ عشرة أشهر، يبقى خطرا صحيا على حياة المواطنين.
يقول عثمان سعد شاكر (40 عاما) الذي دمر منزله تماما في منطقة القليعات في المدينة القديمة إن “الخوف من التلوث والإصابة بالأمراض بسبب الجثث يمنعنا من العودة إلى المنطقة”.
أما أبو عادل (33 عاما) وهو من سكان حي الميدان المجاور، فقد طالب الجهات الحكومية “بسرعة رفع الجثث، وتعويض أهالي المنطقة مع توفير الخدمات حتى يتمكنوا من العودة وإعادة إعمار بيوتهم ومحالهم المدمرة”.
لكن المهمة ضخمة، فمنذ استعادة القوات الأمنية للموصل في العاشر من يوليو الماضي “تم رفع 2838 جثة، بينها 600 تعود لعناصر داعش”، بحسب ما يؤكد محافظ نينوى نوفل سلطان العاكوب.
ورغم دفن الجثث في أماكن بعيدة، فهي تترك وراءها جراثيم وأمراضا، قد يحملها النهر إلى خارج المدينة القديمة.
وتؤكد السلطات أن “محطات التصفية لا تنتج مياها ملوثة بل هي معقمة وصالحة للشرب والاستخدام البشري، إذ أنها تسحب من عمق ووسط النهر، أي من المياه الجارية، وليس من المياه التي سرعتها صفر قرب الضفاف وحافات النهر”.
لكن أخصائي الأمراض الباطنية الطبيب أحمد إبراهيم يحذر بشكل متكرر من الأمراض التي قد تنقلها المياه الملوثة.
ويقول إبراهيم إن تلك المياه “معرضة للإصابة بأمراض مختلفة منها مرض التيفوئيد والنزلات المعوية والبلهارسيا والإسهال والملاريا والكوليرا”، مطالبا “الأهالي بغلي المياه قبل استخدامها، فهذه الأمراض قد تظهر أعراضها فورا، أو ربما لاحقا أو بعد سنوات”.