المراقبة الذاتية

آخر تحديث : الإثنين 4 يونيو 2018 - 5:49 مساءً
بقلم: دكتور معوض الخولي
بقلم: دكتور معوض الخولي

ما أحوجنا إلى المراقبة الذاتية خوفا من الله وطمعا فيما عنده.

من وحي خطبة الجمعة لهذا اليوم ورسالة من الصديق والزميل د. إبراهيم درويش وموسم الامتحانات وظاهرة الغش التي تفشت في المدارس والجامعات والكثير من التعاملات. واعتذر عن الإطالة ولكن الموضوع مهم وأصبح ملح.

من نفحات شهر رمضان المبارك.. كيف يساعدنا رمضان على تربية خلق المراقبة الذاتية .؟! تعمل الدولة وجميع المؤسسات على تفعيل دور الرقابة وأصبح اسم المراقب منتشرا من بداية ملاحظ او مراقب الامتحانات ومراقب الحسابات ومراقب الدور إلى وجود هيئة كاملة تسمى الرقابة الإدارية تقوم هذه الأيام بدور كبير وهام في محاربة الغش والفساد وزيادة فى أسلوب الرقابة قامت العديد من الجهات والهيئات بتفعيل المراقبة الاكترونية وكاميرات المراقبة وكل ذلك من أجل إلزام الإنسان على الالتزام بالقوانين لكن كل هذه المراقبات تؤتى نتائجها وثمارها على حسب قوة القانون وكفاءة المراقبة فى تطبيقه وتفعيله على الجميع لكن كلها مراقبات ظاهرية.

لكن هناك مراقبة أخرى داخليه او ذاتية تسمى الضمير هى الضابط فى كل فعل يفعله الإنسان. وصيام شهر رمضان للإنسان المؤمن يقوم بشحن هذا الضمير. لأنه يعلى فيه قيمة المراقبة لأن الصيام علاقة بين العبد وربه.

وتعرف المراقبة لغة بانها الملاحظة والانتظار والترصد لقول الحق (انا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر) وقوله (فأصبح فى المدينة خائفا يترقب )وقوله ( فخرج منها خائفا يترقب) اى يتوقع المكروه. وتدل المراقبة أيضا على الحفظ والمراعاه لقوله تعالى (كيف وإن يظهروا عليكم لايرقبوا فيكم إلا ولاذمة) .

ومن اسماء الله الحسنى الرقيب ( أن الله كان عليكم رقيبا) وقوله على لسان عيسى عليه السلام (فلما توفيتنى كنت انت الرقيب عليهم) أي أنت العليم باحوالهم . يقول تعالى (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ماتوسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى الملتقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).

والمراقبة بالمعنى الأخلاقي هى أعلى المراتب فى الدين فالإنسان يكون مسلما ثم يرتقى عند دخول الإيمان فى قلبه فيصبح مؤمنا ثم يرتقى ويجاهد نفسه حتى يعبد الله كأنه يراه وهذا مقام الإحسان.

والمراقبة بالمعنى الأخلاقي هى ملاحظة الانسان نفسه وضبطها على الصراط السوى او هى حالة للقلب تثمر عن المعرفة فتثمر المعرفة عملا بالجوارح والقلب. فهى خلق ينبع من أعماق القلب والنفس ويختص ويعالج الباطن أكثر من الظاهر وهى قائمة على شعورك بمدى جلال الله وعظمته وقوة سلطانه.

سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور بل يعلم السر وأخفى وهو معكم أينما كنتم لأنه هو الخالق الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

ومن الوصايا:

أن تجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عليك واجعل طاعتك لمن لا تستغنى عنه واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه.

وأعلم أن المراقبة لاتتحقق بين يوم وليلة بل تحتاج إلى مجاهدة وتكرار المحاولة وقوة عزيمة وأول درجات المراقبة علمك بالله بأنه هو ألاقرب إليك وهذا القرب يحثك على الآ تنشغل إلا به ثم وطن نفسك ولسانك على كثرة ذكر أسماء الله الحسنى وأقبل على الله مستعظما قدرته ثم انظر إلى دوافع أعمالك وأقوالك وآراءئك هل هى للصالح ام مبنية على الهوى والمجاملات هل هى على علم ام جهل او ظن فما اجمل ان يكون الإخلاص محركها.

وأعلم أن انعدام المراقبة يجعل الإنسان شبيها بالحيوان يرتع ليتمتع ويجمع لينتفع ويتعدى على حقوق غيرة وينتهك حرمات من سواه بل ويسيئ استخدام حقوق نفسه. وبذلك تنشر الرزائل وتضمحل الفضائل.

لذلك من فوائد المراقبة او الضمير أن تجعل الإنسان أمينا على الأعراض والأموال والقرارات حتى ولو كانت الوسائل إليها ميسرة.

سيعصمه وازع دينه ونور ايمانه وبرهان ربه ويكون شعاره ( معاذ الله أنه ربى أحسن مثواى) وقول النبى( أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) والأهم أنه من فضل الله على صاحب المراقبة أن الإنسان إذا صدق فى مراقبة الله فى باطنه وخواطرة عصمه الله من الإثم والانحراف فى ظاهره وخارجة.

حفظنا الله جميعا من الذلل.. ورزقنا الله وإياكم صوما مقبولا وعملا متقبلا وعفوا وعتقا من النار.

* كاتب المقال: رئيس جامعة المنوفية

رابط مختصر
2018-06-04
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر