>> وزير الداخلية الإيطالي: الإيطاليون لا يجدون مأوىً ومن غير المعقول توفير المسكن لنصف القارة الأفريقية
>> محللون: الوزير الإيطالي يعمل لمصلحة بلاده أولا وأخيرا
اتّهم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، الأحد الماضي، تونس بأنها تصدر المجرمين، قائلا “إن تونس بلد حر وديمقراطي لكنه لا يقوم بتصدير الأشخاص المحترمين، بل في أحيان كثيرة المدانين بأحكام جنائية بالسجن”.
كأن وزير الداخلية الإيطالي، يبرئ ذمته بهذه العبارات من هول ما حدث الأحد الماضي، إذ أن مركب صيد متهالك، تعرض للغرق ليلا بعرض سواحل جزيرة قرقنة التونسية قرب مدينة صفاقس، وكان على متنه مجموعة من المهاجرين.
وبلغت حصيلة من تمّ إنقاذهم إلى حدود يوم أمس، ما يقارب الـ70 مهاجرا من بينهم عشرات التونسيين وعدد من دول أفريقية جنوب الصحراء، بالإضافة إلى جنسيات مغاربية. كما تمّ انتشال عشرات الجثث، وفقد الأمل في العثور على أحياء بعد عمليات البحث التي تقوم بها وحدات الحرس الوطني وجيش البحر بمشاركة طائرة عسكرية وغواصين تابعين للجيش الوطني ورجال الحماية المدنية.
وقال أحد الشبان الناجين من الغرق – رفض الإفصاح عن اسمه – في تصريح، إن منظم عملية اجتياز الحدود خلسة تحصّل على مبلغ قيمته ألف دينار (370 دولارا تقريبا) عن كلّ “حرّاق” (مهاجر سري بالتعبير التونسي الدارج)، مؤكدا أن الأخير أحضر مركبا لا يمكنه حمل أكثر من 80 شخصا على متنه وتعلّل بضعف المبلغ الذي تحصّل عليه، واعدا الجميع بالوصول إلى السواحل الإيطالية دون التّعرض إلى أي خطر، على حدّ قوله.
وأضاف الشاب الناجي من حادثة الغرق، أن قاربا ثانيا كان على متنه 40 مهاجرا (أعمارهم بين 17 و20 سنة) أبحر رفقة مركبهم في الوقت ذاته، ولكنهم كانوا في قارب أكثر أمانا لأنهم دفعوا مبلغ 3 آلاف دينار (1300 دولارا) لمنظم العملية، مشيرا إلى انّه بعد قرابة الساعة من الإبحار ساءت الأحوال الجوية وارتفعت الأمواج وبدأت المياه تتسرب إلى القارب.
هكذا يلاحظ المتتبع لهذه العملية التي يصفها الجميع بالمأساة الأكثر فجائعية في السنوات الأخيرة بتونس، أن المعلقين على هذه الكارثة، سواء كانوا من داخلها أو من خارجها، يهتمون لتفاصيل لوجستية وتقنية، دون التوقف عند الأسئلة الجوهرية المتعلقة بأسباب ودوافع وأبعاد هذه المأساة التي ما تنفك تتكرر في كل مرة، ولا تجدي معها إجراءات أمنية أو وقائية أو توعوية.
أوساط إعلامية وحقوقية في تونس حذرت من هذه الطرق المناسباتية والموسمية التي يقع التعامل من خلالها مع مثل هذه المآسي، وحملت جميع الأطراف الداخلية والإقليمية مسؤولية مثل هذه الحوادث المأساوية التي تحصد أعمار خيرة الشبان، واصفة إياها بأنها مأساة العصر، ومنوهة بأن ضحايا هذا النوع من التهريب هم أكثر ضحايا الإرهاب بمفهومه التقليدي المباشر، مؤكدة بأنه لا يمكن الفصل بين هذين الآفتين المرتبطتين ببعضهما ارتباطا وثيقا ومنظما في غالب الأحيان.
وبالعودة إلى تصريح وزير الداخلية الإيطالي، وتداعيات هذه الحادثة المأساوية المتمثلة في غرق مركب المهاجرين السريين على السواحل الجنوبية التونسية، فقد نقل التلفزيون الحكومي الإيطالي عن سالفيني، وهو زعيم حركة رابطة الشمال اليمينية، في أول زيارة له إلى صقلية (أقصى الجنوب) للوقوف على الوضع في الجزيرة في ظل استمرار الهجرة غير الشرعية بحرا، حيث قال إن من الإيطاليين” من ليس لديهم المأوى المناسب، وليس من المعقول توفير المسكن لنصف القارة الأفريقية’، حسب تعبيره، وحول طريقة التعامل مع الهجرة غير الشرعية.
قال وزير الداخلية الإيطالي “لن نلجأ إلى العنف أبدا، فهو ليس وسيلة لحل المشاكل القائمة أمامنا، سأعمل على احترام القوانين أو تغيير تلك التي تكافئ المجرمين”.
ثمة من المحللين من يوافق الوزير الإيطالي إلى ما ذهب إليه، مبررا ذلك بأنه يعمل لمصلحة شعبه أولا وأخيرا، في وقت تعيش بلاده أزمة لا يمكن حلها حسب المنطق الأوروبي السائد حاليا، إلا بالمزيد من الخطاب الشعبوي، والتنصل من المسؤوليات الإنسانية والأخلاقية إزاء ما يجري على الصعيد الإقليمي، وكأن ما تعانيه شعوب الضفة الجنوبية من المتوسط، لا علاقة له بمخلفات استعمار الأمس.
ومهما يكن من أمر، فإن على جميع التونسيين من مواطنين عاديين إلى مسؤولين سياسيين أن يؤمن بالحرية كقيمة ثابتة، وأن لا ينسى أن من حق دولته أن تدافع في مفاوضاتها مع شركائها الأوروبيين على حق شبابها في السفر بطريقة حرة وآمنة.