وضع حزب الله، لبنان مجدّدا في موقف محرج ونسف شعار “النأي بالنفس” المرفوع من قبل خارجيته، وذلك عبر بثّ الذراع الإعلامية للحزب “قناة المنار” إساءة لأمير الكويت أثارت موجة من الغضب تجاوزت الساحة الكويتية إلى محيطها الخليجي والعربي، واعتبرها متابعون للشأن اللبناني عملا مقصودا مرتبطا بالأوضاع الحالية لإيران التي يمثّل الحزب المذكور إحدى أذرعها في المنطقة.
وتتعرّض إيران في الوقت الحالي لموجة عقوبات أميركية غير مسبوقة، لا يُتوقّع أن تحيد الكويت عن الالتزام بها، ما يعني تعمّق عزلة طهران وفقدها أي متنفّس لها في محيطها المباشر.
وعلى هذه الخلفية نظرت إيران بريبة شديدة للقاء القمّة الذي جمع مؤخّرا في واشنطن بين أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيما تولى حزب الله مهمّة تشويه محتوى اللقاء وزرع بذور الشكّ بشأن ما دار خلاله.
وظهر الإعلامي المحسوب على حزب الله سالم زهران على القناة المذكورة مدّعيا أنّه استقى “معلومات” من “دبلوماسي من الدرجة الرفيعة” حول تلك القمّة، قائلا ما معناه إن إدارة ترامب “دفعت” الشيخ صباح إلى إلغاء عقود بالمليارات بين الكويت وشركات صينية وتحويل تلك العقود إلى شركات أميركية.
واعتبر أحد المحلّلين السياسيين إنّ سلوكات حزب الله تجاه الكويت تعكس منظورا إيرانيا للبلد باعتباره إحدى “البوابات الممكنة لاختراق الساحة الخليجية”، قائلا إنّ “تلك السلوكات لم تقف عند التصريحات والإساءات الإعلامية بل تعدّتها إلى ما هو أخطر”، ومذكّرا “بما عرف بقضية خلية العبدلّي التي تتعلّق بعملية تهريب أسلحة إلى الأراضي الكويتية وتخزينها هناك استعدادا لتنفيذ عمليات إرهابية، والتي أظهرت التحقيقات تورّط السفارة الإيرانية وعناصر من الحزب فيها”.
ولا يغيب عن دوائر القرار في الدول خليجية المتصدّية للنفوذ الإيراني ما يحاك إيرانيا للكويت، وهو ما تعكسه مواقفها المساندة للبلد ضدّ التهديدات الإيرانية له. وقال وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش معلّقا عبر تويتر على تصريحات زهران المسيئة إنّ “أمير الكويت رمز خليجي رسمي وشعبي، وهو الذي تميّز بمواقفه الاستثنائية. والتطاول على شخصه من قبل قناة حزب الله يؤكد ضرورة التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس”. واعتبر قرقاش في التغريدة ذاتها أنّه “آن الأوان لوضع حدّ لهذه التجاوزات ضد الخليج وقادته من قلّةٍ تُغلّب مصلحة طهران على بيروت”.
وتجاوزت موجة الانتقادات الحادّة التي طالت حزب الله وقناته التلفزيونية، محتوى التصريح بحدّ ذاته ومدى “صدقيته”، إلى التنبيه إلى خلفياته التي ربطها الكثير من المنتقدين بشكل مباشر بإيران وما تواجهه من ضغوط أميركية كبيرة وعقوبات مؤلمة تعمل واشنطن على إشراك دول الإقليم، ومن بينها الكويت، في فرضها عبر وقف أي أشكال للتعاون الاقتصادي والتجاري معها.
وكثيرا ما حاولت طهران التي تتّخذ من حزب الله إحدى أقوى أذرعها في لبنان والمنطقة، التسويق لعلاقات مع الكويت تختلف عن العلاقة الإيرانية المتوتّرة مع غالبية الدول العربية والخليجية، لكنّ ذلك سيكون مستحيلا في الأمد المنظور حين سيتعيّن على الكويت الالتزام الكامل بالعقوبات الأميركية على إيران، وهو ما تطلبه إدارة ترامب بإلحاح من جميع حلفائها عربا وغربيين.
ويشكّك ساسة وقادة رأي كويتيون في جدوى السياسة التي تنتهجها حكومة بلدهم تجاه إيران والقائمة على “مهادنتها” والإبقاء على العلاقات معها رغم كثرة إساءاتها للكويت قولا وفعلا. ويطالبون بمواقف أكثر صرامة ووضوحا على غرار مواقف خليجية أخرى.
وكانت وزارة الإعلام الكویتیة قد كذّبت ما ورد على لسان الإعلامي الموالي لإيران وحزب الله، معتبرة في بيان “أن ما أورده هذا الإعلامي یمثّل افتراء وادعاء وتزییفا للحقائق وتضلیلا للرأي العام بادعاءات صاغها بعیدا عن الواقع تشمل إساءات تكشف عن نوایا شریرة ومقاصد خبیثة لن تنال من العلاقات الأخویة والتاریخیة بین لبنان والكویت ولن تعكّر صفو هذه العلاقات أبدا”.
وبالنسبة لغالبية اللبنانيين، فإن إساءات حزب الله للدول العربية، وخصوصا الخليجية، تزيد من متاعب البلد الذي يعاني مشاكل سياسية واقتصادية معقّدة، وكثيرا ما كانت دول الخليج التي تستقبل أسواق العمل فيها مئات الآلاف من العمّال اللبنانيين، ويتدفّق منها سنويا آلاف السياح على لبنان، مصدر دخل مالي في ظلّ شح الموارد الطبيعية للبلد.
وكثيرا ما تقع المقارنة بين ما تقدّمه دول الخليج للبنان، وما تسببه له إيران عبر ذراعها حزب الله، من مشاكل وخلافات داخلية ومع دول الإقليم والعالم.
وسارعت بيروت إلى محاولة تطويق تبعات تصريحات زهران عبر قناة المنار. ونقل مكتب رئيس الوزراء سعد الحريري عنه القول “إنّ ما حصل على إحدى الشاشات هو كلام خارج المناخ الوطني اللبناني المجمع على أفضل العلاقات مع الكويت وسائر الإخوة العرب”، مضيفا “القضاء اللبناني يحقق في الأمر، لتطبيق القانون الذي يحمي الجميع، وبالتالي مصلحة لبنان واللبنانيين”.