تتواصل الخطوات المفاجئة التي دأب على اتخاذها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد منذ توليه منصبه في أبريل/نيسان الماضي بعد أكثر من عامين من الاضطرابات المناهضة للحكومة التي ساهمت في الاستقالة المفاجئة لسلفه هيلاميريام ديسيلين.
هذه المرة اختار حكومة شملت 10 سيدات من إجمالي 20 وزيرًا، ما نسبته 50%، من بينها وزارة الدفاع في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، فإلى أي مرحلة تذهب إثيوبيا؟ وهل تستطيع الحكومة الجديدة تلبية طموحات آبي أحمد الإصلاحية؟
النساء لمقاومة الفساد
في تعديل وزاري كبير، دمج آبي العديد من الوزارات ليخفض عددها من 28 إلى 20 وزارة، وانتقل عدد النساء في الحكومة من 5 في الحكومة السابقة إلى 10 في هذه الحكومة، لتكون المرة الأولى التي تشغل فيها النساء نصف المناصب الوزارية الرئيسية، وقال رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في أثناء عرض قائمة مرشحيه “وزيراتنا سيحطمن المقولة القديمة بأن النساء لا يصلحن للقيادة”.
وتعتبر دولة إثيوبيا الدولة الثانية في القارة الإفريقية التي تحقق التناصف في تشكيلة حكومتها، وكانت رواندا الواقعة في شرق القارة السمراء بمنطقة البحيرات العظمى الإفريقية قد سبقتها في ذلك، ويذكر أن دول قليلة جدًا تمكنت من فرض التناصف في العالم.
لم يكتفِ آبي بتعيين نصف الحكومة نساء، بل إنه منحهم أيضًا حقائب وزارية مهمة، بما في ذلك وزارة الدفاع، وستكون عائشة محمد موسى أول امرأة تشغل منصب وزير الدفاع في البلد الإفريقي الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 100 مليون نسمة، وتعتبر عائشة محمد موسى التي تنتمي إلى منطقة عفار الواقعة شمال شرقي البلاد، أول امرأة مسلمة تتولى هذا المنصب في تاريخ البلاد.
إذا كانت عائشة محمد موسى أول امرأة تتولى حقيبة الدفاع في إثيوبيا، فهي ليست الأولى في القارة الإفريقية، فتشغل حاليًّا رايشيل أومامو منصب وزير الدفاع في كينيا، في حين أن جنوب إفريقيا وغينيا بيساو والرأس الأخضر ومدغشقر وساو تومي وبرينسيبي والغابون ونيجيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى كانت في الماضي قد عينت النساء لهذا المنصب.
إلى جانب ذلك، عُينت رئيس البرلمان مفريات كاميل وزيرة للسلام (وزارة مستحدثة)، وهي كانت أيضًا أول امرأة تتولى المنصب في تاريخ البلاد في أبريل/نيسان الماضي، ومن المنتظر أن تشرف وزارة السلام الجديدة على أجهزة المخابرات والأمن، بما في ذلك لجنة الشرطة الاتحادية في البلاد.
ويرى آبي وحاشيته أن النساء أقل فسادًا، ووجب الاعتماد عليهن لدفع عجلة النمو في بلدهن الصاعد، فرغم تحول إثيوبيا في السنوات الأخيرة من ثاني أفقر دولة في العالم إلى أحد أبرز الدول من حيث سرعة نموها الاقتصادي، فإن الفساد ما زال ينخر جسدها ويساهم في التفاوت الطبقي والاجتماعي هناك.
لإن كانت إثيوبيا واحدة من الاقتصادات غير النفطية التي تحقق نسب نمو سريعة في إفريقيا في السنوات الأخيرة، فإن العديد من المستثمرين يشتكون من الفساد هناك، فهو مثبط للمستثمرين الأجانب الذين يسعون إلى إقامة شراكات مستقرة طويلة الأجل في البلدان النامية.
وتعتبر إدارة الأراضي والضرائب والسلطة القضائية والاتصالات السلكية واللاسلكية وحيازة الأراضي أبرز المناطق المعرضة للفساد في الدولة الإثيوبية، فضلًا عن مجالات الترخيص وقطاع التمويل، وتحتل إثيوبيا سنة 2018 المرتبة 107 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد الخاص بمنظمة الشفافية العالمية، وهو تحالف عالمي للمجتمع المدني يشجع على المساءلة.
وفقدت البلاد ما يقرب من 12 مليار دولار منذ عام 2000 بسبب التسرب المالي غير المشروع، وفقًا للنزاهة المالية العالمية التي تستند إحصاءاتها إلى البيانات الرسمية المقدمة من الحكومة الإثيوبية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
تمثيل مختلف الأعراق
في أثناء عملية المصادقة على الحكومة أمس الثلاثاء، قال رئيس الوزراء الشاب في خطابه أمام البرلمان إن عملية الإصلاح التي بدأها يجب أن تستمر، لمواجهة المشكلات الاستراتيجية والبنيوية التي دفعت البلاد إلى الفوضى.
ومنذ توليه منصبه في الـ2 من أبريل/نيسان 2018، قاد آبي أحمد مجموعة من الإصلاحات الليبرالية لإنقاذ البلاد من أزمتها، فقد أطلق سراح آلاف السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة التي كانت مفروضة على مئات المواقع، وأنهى حالة الحرب التي استمرت 20 عامًا مع إريتريا ورفع حالة الطوارئ.
ويسعى آبي أحمد إلى تغيير النظام الاستبدادي الذي كان يسيطر على البلاد منذ عقود عدة وتسبب في انهيار اقتصادها وزاد من درجة الاحتقان الاجتماعي، بآخر ديمقراطي يمكّنها من التقدم والتطور، فضلًا عن تعزيز خطاب الحب والمصالحة في البلاد التي أنهكتها الحروب الأهلية.
إلى ذلك، يُعتقد آبي أحمد – الذي ينحدر من عرقية أورومو أكبر مجموعة عرقية في البلاد – سعى في هذا التعديل الحكومي إلى إرضاء أكبر عدد من الأعراق في البلاد، حتى يساهم في الحد من التوتر الحاصل بينها، وتمثل مسألة العلاقة بين الأعراق في إثيوبيا مشكلة مزمنة منذ زمن الاستعمار، تفاقمت جراء تقسيم الولايات على أساس عرقي في النظام الفيدرالي الإثيوبي القائم الذي كان عاملًا من عوامل زيادة الانقسام، وعدم التفاعل البناء كما يجب بين الأعراق المكونة للمجتمع، فأصبح أبناء كل عرق أسرى الحدود الجغرافية الفيدرالية العرقية للأقاليم.
وقبل أيام أعيد انتخاب آبي أحمد البالغ من العمر 42 عامًا بأغلبية 176 صوتًا من أصل 177 على رأس الائتلاف الحاكم في إثيوبيا في مؤتمره الـ11 الذي عقد في أواسا جنوب البلاد، وقد جددت الجبهة الشعبية الثورية الإثيوبية ثقتها بالكامل في رئيس الوزراء الذي عينته قبل 6 أشهر.
محاربة العنف
في هذا التعديل الحكومي استحدث رئيس الحكومة الشاب وزارة جديدة تعتني بالسلام، وذلك في إطار سعيه المتواصل لمعالجة أعمال العنف العرقي التي تشهدها بلاده بصفة متواترة وهو ما أثر على استقرارها طيلة السنوات الماضية، وكان آخرها قبل أيام وراح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى وآلاف النازحين، على الحدود بين منطقتي أوروميا وبنيشانغول – غوموز غرب إثيوبيا.
وكانت السنوات الأخيرة محملة بالاحتجاجات والاشتباكات الدامية في البلاد، خاصة خلال فترة الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي قادها شعب أوروميا التي ساعدت في جلب آبي أحمد للحكم في أبريل/نيسان الماضي، بعد استقالة سلفه.
وفي وقت سابق اتهمت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية، الحكومة بفشلها في حماية مواطنيها من العنف الطائفي الذي تسبب في نزوح أكثر من مليون شخص في الأشهر الـ6 الماضية، وأودى بحياة مئات الأشخاص.
يأمل آبي أحمد أن تساهم الوزارة الجديدة التي تقودها مفريات كاميل في تعزيز العلاقات بين المجموعات العرقية المختلفة التي تعيش في البلاد، ووقف التناحر بينها، وتتشكل إثيوبيا من مجتمع متعدد الأعراق، حيث كانت السياسات العرقية والحشد القبلي طريق الوصول إلى السلطة وأهم الأدوات للحفاظ عليها، ولدى هذا البلد الإفريقي أكثر من 90 مجموعة عرقية.
ويؤاخذ الإثيوبيون على ائتلاف “الجبهة الثورية الشعبية الإثيوبية” الذي ينتمي إليه آبي أحمد، تقسيم البلاد على حسب الأعراق، فقد قسم الائتلاف منذ توليه السلطة سنة 1991، البلاد إلى 9 مناطق إدارية وفقًا لنظام “فدرالية الإثنيات”، وخلال الأشهر الأخيرة كانت الحدود بين هذه المناطق في قلب النزاعات العنيفة على الأراضي.
هذه الحكومة التي يسعى من خلالها رئيس الحكومة الإثيوبي آبي أحمد مواصلة إصلاحاته التي أطلقها بداية تسلمه حكم البلاد، من شأنها أن تنجح إذا لاقت تجاوبًا شعبيًا معها، ودفعًا معنويًا يمكنها من القيام بالمهام التي أنيطت بها، غير أن الخلاف بين أطراف الائتلاف الحاكم من شأنها أن تساهم في زعزعة ثقة الشعب في هذه الحكومة، فكيف سيتعامل آبي مع هذه الاختلافات؟
* الكاتب: محرر صحفي في فريق نون بوست.