منذ مارس 2015 والشعب اليمني يعاني من أسوأ الحروب التي مرت في تاريخه، بعد أن وصلت السيطرة من قبل المتمردين الحوثيين على مفاصل الدولة اليمنية بوقوع العاصمة صنعاء في أيديهم وفرار الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته إلى عاصمة الجنوب (عدن) ليحكم من هناك، ثم تتطور الأمور ليغادر “هادي” عدن ليستقر في العاصمة السعودية (الرياض) وتنتقل معه دوائر الحكم وبعض الأجهزة الإعلامية ليحكم من هناك.
ولعل التوغل الحوثي في اليمن وهيمنته على الدولة بدعم من إيران دفع المملكة العربية السعودية لاتخاذ قرار الحرب لتفاجئ المتمردين الحوثيين في ليل السادس والعشرين من مارس لعام 2015 لتقود تحالفا عربيا ضد “الحوثيين” الذين أشعلوا الحرب ضد الجيش اليمني في 2014، مهددين الأمن السعودي والخليجي، ما فرض على السعودية هذا التحرك الذي في خلفياته إيران بأطماعها التوسعية لتحقيق حلم امبراطوريتها الفارسية القديم.
ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة على تلك الحرب، وما نتج عنها من خسائر بشرية وعمرانية فادحة تكبدها الشعب اليمني، فلم تحط الحرب أوزارها، ولم يعلن حتى اللحظة انتصار طرف على الآخر.
وبعيدا عن تقييم هذه الحرب واستراتيجية القرار الذي اتخذته السعودية والذي شابه بعض القصور، ما فرض في لحظة ما، التوقف والبحث عن مخرج من تلك الحرب التي تكبد فيها جميع الأطراف خسائر هائلة ونفقات كانت كفيلة بإعاشة الشعب اليمني ومن مثله لعدة سنوات.
واليوم، نشاهد مشهدا جديدا في تحولات الأزمة اليمنية بعد عدة تغييرات قام بها الرئيس هادي أبرزها تعيين الفريق الركن محمد علي المقدسي وزيرا للدفاع، بعد فراغ في المنصب لأكثر من ثلاث سنوات؛ حيث يحتجز “الحوثيون”، منذ أبريل 2015، وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي، ولم يعرف مصيره إلا بعد وساطة قادتها سلطنة عٌمان في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.
والمشهد الجديد يتمثل في “معركة الحديدة”، حيث يهدف الجيش اليمني للسيطرة على كامل مدينة الحديدة ومينائها من أيدي “الحوثيين”، حيث يمثل تحرير “الحديدة” تحولا استراتيجيا في الأزمة اليمنية، فبعد السيطرة على منطقة الجنوب وإحراز تقدم ملموس في الشمال يتبقى السيطرة على “الحديدة”؛ نظرا للأهمية الاستراتيجية التي تمثلها تلك المدينة المطلة على ساحل البحر الأحمر، فمن ميناء “الحديدة” يأتي الدعم اللوجيستي والعسكري من إيران و”حزب الله” اللبناني، كما أنه الميناء الذي تدخل منه المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية من قبل المنظمات الأممية والطبية المختلفة.
وبسيطرة القوات اليمنية على “الحديدة” ومينائها تكون قد سدت كافة المنافذ التي يتدفق منها السلاح إلى جماعة الحوثيين.
وقد أعلنت القوات اليمنية فعلا تقدما محدودا تجاه الجبهتين الشرقية والجنوبية لمدينة الحديدة ومينائها.
وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة في معركة “الحديدة” باعتبارها الفاصلة في تلك الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن هذه الحرب هي الأمل لاستعادة الدولة اليمنية وإعادة الحياة إلى طبيعتها وشرعية نظامها بقيادة الرئيس المعترف به دوليا عبد ربه منصور هادي، وهذا ما أكده وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني.
وفي الاتجاه الآخر يواصل “الحوثيون” عنادهم، رغم اعترافهم بخسارتهم في المعارك الدائرة للسيطر على “الحديدة”، ففي خطاب تليفزيوني وفي تحد “سافر” قال زعيمهم عبد الملك الحوثي، أنه لن يستسلم ولن يسلم اليمن إلى “العدو” ويقصد بالعدو الجيش اليمني. ويرى مراقبون أن نجاح العملية العسكرية سيفتح الطريق إلى التسوية السياسية المجمدة، بينما هناك ضغط دولي تقوده عدة دول أوروبية على مجلس الأمن الدولي لإيقاف العملية العسكرية التي ستحصد أرواحا وخسائر كبيرة، وفي الوقت نفسه تتخوف منظمات الإغاثة والمساعدات الإنسانية من توقف ميناء الحديدة الذي يمثل الشريان الرئيسي لوصول المساعدات الغذائية والمساعدات للشعب اليمني.
وبحسب المتابعين للشأن اليمني، فإن الضغوط الدولية على مجلس الأمن لوقف الحرب من شأنه تقوية شوكة المتمردين الحوثيين ورفضهم للحوار، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى تجميد العملية السياسية مرة أخرى.. ويؤكد هذا الطرح بنظرية “وشهد شاهد من أهلها” قيادي حوثي سابق وهو الكاتب والمحلل السياسي “علي البخيتي” الذي أكد أن تحرير “الحديدة” يسهم في الدفع بعملية السلام في اليمن، كما أنه يقصر أمد الحرب لأن بقاء هذا الميناء الحيوي سيزيد من أمد تلك الحرب نظرا لتدفقات السلاح الواردة من إيران من خلاله.. ليس هذا فحسب، بل دعا “البخيتي” المجتمع الدولي للتوقف عن الضغوط التي يمارسها على مجلس الأمن لإيقاف العملية العسكرية.
إن المشهد اليمني الذي تتجمد عملياته السياسية مرة تلو أخرى، وطال أمد صراعه المسلح بين قوات التحالف العربي بقيادة السعودية وبين “الحوثيين” آن الآوان لوضع نهاية لهذه الأزمة الشائكة والتي لم تخلف سوى أكبر أزمة إنسانية في العالم يعاني منها شعب وأطفال اليمن من الجوع وسوء التغذية وعدم وجود الأدوية وانتشار الأوبئة، طبقا لتقارير الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بالأزمة.
وقد يكون قرار القيام بعملية عسكرية لتحرير “الحديدة” لسد المنافذ على “الحوثيين” وقطع الإمدادات العسكرية عنهم هو قرار اضطراري ولا رجعة فيه؛ لتبدأ بعد نجاح العملية عملية أخرى لعودة الحياة إلى طبيعتها في بيئة يأمن فيها المدنيون على أنفسهم وأطفالهم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن استئناف المفاوضات تم تأجيلها لمطلع العام الجديد انتظارا لنتائج العملية العسكرية لتحرير “الحديدة”.