تنظم هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مؤتمراً عالمياً عن “التجديد في الفكر والعلوم الإسلامية”، نهاية أبريل المقبل، بمشاركة عدد كبير من المجامع الفقهية والمؤسسات الدينية، ونخبة من كبار العلماء والفقهاء في العالم الإسلامي، وذلك بهدف صياغة إستراتيجية علمية شاملة، تعالج مختلف الأبعاد والملفات المتعلقة بقضية التجديد، بما يسهم في نهوض الأمة ورقيها، ويحفظ لها هويتها ويستنهض قيمها وقواها الحضارية الراسخة.
ويناقش المؤتمر عدة محاور رئيسية، يأتي في مقدمتها: قضايا التجديد في العلوم الإسلامية المختلفة، وضوابط التجديد وآلياته، وتفكيك أصول الفكر التكفيري ومناهجه، ودور المؤسسات الدينية في تنظيم وتطوير الخطاب الدعوي، وأسس ومتطلبات تكوين الداعية المعاصر، ورؤية الفكر الإسلامي للتعايش الإنساني بين الأديان والمعتقدات والمذاهب.
وبحسب “بوابة الأهرام”، من المقرر أن تبدأ الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في تلقي البحوث والمقترحات الخاصة بالمؤتمر، لدراستها وذلك بداية من 15 ديسمبر الجاري حتى 28 فبراير 2019، على أن تقوم برفع تقرير بهذه المقترحات وتلك الرؤى إلى اللجنة العلمية للمؤتمر، بما يضمن إتاحة الفرصة لمشاركة أكبر عدد من الرؤى والاتجاهات الفكرية والفقهية من مختلف دول العالم الإسلامي، الأمر الذي من شأنه أن يثري جلسات المؤتمر ومناقشاته.
ويأتي عقد هذا المؤتمر في إطار سلسلة الفعاليات والمبادرات التي أطلقها الأزهر الشريف خلال السنوات الأخيرة لترسيخ ونشر ثقافة التجديد في الفكر والعلوم الإسلامية، كما أنه يستكمل ما انتهت إليه الندوة التحضيرية التي عقدها الأزهر الشريف حول التجديد في أبريل 2015، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر، وبحضور نخبة من كبار العلماء والمفكرين والمتخصصين، وتضمنت عدة حلقات نقاشية حول علاقة النقل بالعقل، والتراث بين التجديد والتبديد، والخطاب الديني بين الواقع والمأمول، وتحديد المفاهيم ودورها في تجديد الخطاب الديني.
كما يستند المؤتمر أيضاً على ما أرسته “وثائق الأزهر” التي توالى صدورها منذ عام 2011، من دعائم راسخة لجهود التجديد، حيث أكدت “وثيقة مصر”، التي صدرت في يونيو 2011، على دعم الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، واعتماد النظام الديمقراطي، والالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، بينما ركزت وثيقة “منظومة الحريات الأساسية” التي صدرت في يناير 2012، على التأصيل الشرعي والفلسفي والدستوري لحرية العقيدة، وحرية الرأي والتعبير، وحرية البحث العلمي، فضلا عن حرية الإبداع الأدبي والفني.
أما الوثيقة التاريخية التي أصدرها الأزهر في مارس 2017 تحت عنوان “المواطنة والعيش المشترك”، فقد أكدت رفض مصطلح الأقليات والانحياز التام لمصطلح المواطنة، باعتباره مصطلحا أصيلا في الإسلام، وأنه يتضمن المساواة بين المسلمين والمسيحيين في الأوطان والحقوق والواجبات، باعتبارهم “أُمَّة واحدة؛ للمسلمين دِينُهم، وللمسيحيين دِينُهم”. بينما شددت “وثيقة القدس”، التي صدرت في نوفمبر 2011، على الموقف التاريخي للأزهر في دعم فلسطين وشعبها، لكن وفق رؤية تجديدية، جمعت ما بين الأبعاد الشرعية والقومية والتاريخية والقانونية والأخلاقية في إطار نص مرجعي واحد.
ويستهدف المؤتمر كذلك، البناء على الجهود والمبادرات التي أطلقها فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، سواء في مجال تطوير منظومة التعليم في الأزهر، وربطها بأحدث الآليات والمناهج التعليمية، أو التعامل الإلكتروني في رصد ومواجهة الأفكار المتطرفة التي تنشرها الجماعات المتطرفة من خلال مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الالكترونية، أو من خلال ما شهدته جولات شيخ الأزهر الخارجية من تأكيد على قيم الإسلام الوسطية، ورفض إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين، ودعوته للمسلمين في الدول غير المسلمة للاندماج الإيجابي والانخراط بقوة في مجتمعاتهم، فضلا عن مبادرات فضيلته المتعددة لفتح قنوات للحوار والتعاون مع مختلف المؤسسات الدينية في العالم، وتأكيده ضرورة أن يشكل قادة الأديان نموذجا عمليا للحوار والأخوة والتعاون فيما بينهم.
وتعد هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أعلى مرجعية للمسلمين السنة في العالم، فيما يتعلَّق بالأمور الشرعية، والنوازل الفقهية المستجدة على الساحتين الإسلامية والدولية، والمنوط بها النظر وإبداء الرأي الشرعي فيها، وعرض أحكام الشريعة في صورة جديدة تحافظ على الثوابت الدينية وبما يواكب تطورات العصر الحديث.