البشير و”الكأس المُرّْ”

آخر تحديث : الأربعاء 20 فبراير 2019 - 8:33 صباحًا
         بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

أي سيناريو يترقبه الرئيس السوداني عمر البشير، بعد اندلاع الاحتجاجات الأكبر في تاريخ حكمه، والتي من المنتظر تحويلها إلى ثورة تنهي حكم البشير الذي استمر طيلة ثلاثون عاما، منذ انقلابه الشهير على حكومة الصادق المهدي في عام 1989.

إن الاحتجاجات التي اندلعت من عطبرة في الشمال لتنضم إليها احتجاجات مناطق الشرق والغرب والجنوب لتصل إلى العاصمة الخرطوم تنذر بوقوع أحد السيناريوهات والتي في أحسن حالاتها لن تكن بالمرضية للرئيس البشير الذي بدأ يتجرع من نفس الكأس المر الذي شرب منه أقرانه من حكام تونس ومصر وليبيا وسوريا فيما عرف ب”ثورات الربيع العربي” التي اندلعت في عام 2011 وما زالت آثارها حتى الآن.

والغريب أن “البشير” كان على رأس الحكام العرب الذين نفخوا في كير ثورات هذا الربيع في كل من مصر وليبيا تحديدا، وكان من المحرضين على تلك الأنظمة، مؤيدا للشعوب الثائرة في تلك الدول.

أما اليوم، والشعب السوداني نفسه يناول “البشير” نفس الكأس، فيرفض أن يتجرعه، واصفا إياهم بـ”الخونة” و”المرتزقة” في أول ظهور له في ولاية الجزيرة، حيث ألقى خطابه الأول للشعب السوداني، وحين بدرت تساؤلات لماذا من ولاية الجزيرة وليست العاصمة الخرطوم، فكانت الإجابة أنه استغل شعبية حاكم ولاية الجزيرة محمد طاهر أيلا، والذي يحظى بشعبية هائلة نظرا لما يقدمه من خدمات لأهل الجزيرة.

وأمام عدة سيناريوهات، إما بوأد الاحتجاجات وعودة سيطرة “نظام البشير” على الشارع، وإما سقوط النظام ورحيل “البشير” عن الحكم، وإما انقلاب قصر بأحد قيادات الحكومة أو الجيش لحين تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد.. أمام كل هذه السيناريوهات يبقى “البشير” لا خيار أمامه إلا مراقبة الموقف والتعامل مع مصيره وفقا لأحد تلك السيناريوهات. ويشير المراقبون إلى أن “البشير” سيواجه ويصمد لآخر نفس خوفا من ملاحقته قضائيا بعد السقوط؛ بناء على جرائم سابقة مطلوب فيها، ولعل أبرزها أنه مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية هو ووزيره السابق أحمد هارون (وزير الشؤون الإنسانية سابقا) في جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وخاصة تلك التي رتكبت في إقليم دارفور غرب السودان.

إن الاحتجاجات التي اندلعت على إثر زيادة أسعار الخبز أخذت في اتساع رقعتها لتشمل كافة المدن والولايات السودانية في أكبر احتجاجات ضد “البشير”، ومن المنتظر أن تتحول تلك الاحتجاجات إلى ثورة تنجح في إسقاط “البشير” بعد أن تحولت الاحتجاجات من مطالب اقتصادية بتحسين أوضاع المعيشة وتخفيض الأسعار إلى مطالب سياسية باتت تتعلق بكرامة وحقوق المواطن السوداني.

أسئلة كثيرة عن الموقف العربي والإقليمي بشأن ما يدور في السودان، فهل سيلقى “البشير” دعما من الرؤساء والملوك العرب؟ فلم نجد حتى الآن سوى أمير قطر تميم بن حمد هو من اتصل بالبشير معلنا مساندته له وقدم مليار دولار لتدبير بعض الاحتياجات الاقتصادية. أما بقية الدول العربية فهي مؤكد في حالة تقدير الموقف وتنتظر إلى أين ستتجه بوصلة الأحداث.

وأما في مصر، فمن المؤكد أنه بعد الويلات التي عانت منها مصر بعد أحداث يناير 2011 وما عانته من حكم تنظيم الإخوان الذي كان يدعمه “البشير”، فإن مصر لا تريد أي فوضى في السودان من الممكن أن تؤثر على أمنها القومي خاصة وأنها دولة حدودية واستقرارها يؤدي بالتبعية إلى استقرار مصر من الناحية الجنوبية، خاصة وأن العلاقات المصرية السودانية تحسنت في الفترة الأخيرة، كما أن استقرارا كبيرا سياسيا وأمنيا تشهده مصر بعد زوال حكم الإخوان، لا تريد القيادة السياسية أن تنفلت الأمور مرة أخرى.

ولكن هناك حسابات أخرى تريد للبشير البقاء وتتمثل هذه الحسابات عند التنظيم الدولي للإخوان وتركيا بقيادة رئيسها رجب طيب إردوغان الذي لم يعلق حتى الآن على أحداث السودان، رغم تعليقه الدائم على أحداث الدول التي له معها مصالح أو تربطه معها علاقات. ولكن يبدو أن هناك ترقبا للأحداث وتقدير للموقف قبل أي إعلان.

وقد أوضح خبراء أن تركيا والتنظيم الدولي للإخوان يحاولان خلق فلسفة مفادها أنه في حال حدوث سيناريو سقوط “البشير” فهذا لا يعني بالضرورة سقوط “المشروع الإسلامي”؛ حيث يعد السودان بنظامه الحاكم نموذجا لهذا المشروع الإسلامي في العالم العربي.

يبقى أن نعلم أيضا أن “البشير” بطبيعته المراوغة ودهائه السياسي المعروف، ما زال حتى الآن يتمتع بعلاقات جيدة مع الخارج، ففي محيطه العربي له علاقات قوية مع دول الخليج العربي خاصة مع السعودية والإمارات؛ حيث يعتبر الطرف العربي الأصيل في التحالف العربي الذي يحارب الحوثيين في اليمن، وفي الوقت نفسه يحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران.

ولا يفوتنا أن نتذكر محاولات السودان منذ سنوات للتطبيع مع إسرئيل بهدف الوصول إلى أمريكا والبدء في عقد صفقات وتمويلات أمريكية لمشروعات سودانية وفك الحصار المفروض عليها منذ أكثر من 20 عاما، إلا أن نصائح أمريكية منعت نتنياهو من زيارة السودان وإقامة تلك العلاقات.

إن “البشير” اليوم يتجرع كأسا وراء كأس، وليس بكأس أحلى من الآخر، فمنذ مجيئه بانقلاب عسكري منذ 30 عاما كانت تصريحاته الأولى أنه جاء نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، وها هو اليوم، ربما يرحل كما جاء، أيضا، نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، بعد أن وصل معدل التضخم في السودان إلى 70% وارتفعت الأسعار وتراجعت قيمة الجنيه السوداني.

إن الاحتجاجات التي اندلعت وكانت أسبابها اقتصادية حولت وجهتها لتكون سياسية بعد أن رفعت شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” لتشمل كرامة وحقوق المواطن السوداني الذي يعاني منذ عقود طويلة من العيش في دولة لا تملك أي مقومات المدنية المعاصرة. يستمر المشهد وتتعدد السيناريوهات ويبقى مصيرا واحدا في انتظار “البشير”، فما هو؟ الإجابة تحملها الأيام القادمة.

رابط مختصر
2019-02-20 2019-02-20
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر