في ظل تصاعد تبادل التهديد بين أمريكا وإيران، وتزايد التحديات التي تواجه طهران في إدارة المواجهة مع واشنطن . ترتكب أمريكا سقطة سياسية بإسقاطها لطائرة مسيرة إيرانية فوق مضيق هرمز في صورة تطرح تساؤلات منها هل جاء إسقاط الطائرة الإيرانية بحجة مراقبتها للقوات والقواعد الأمريكية وإمكانية إسقاطها لذخيرة أو حتى تنفيذ طلعة إنتحارية حيث يتم تزويدها بالمتفجرات وتوجيهها إلى هدف ما ؟ وربما هو أمر وارد متى ما ساءت العلاقة بين طهران وواشنطن؟؟..أم هي لحفظ ماء وجه أمريكا ومحاولة لجر إيران الى مفاوضات ثنائية .؟؟؟ رغم إتباع طهران لسياسة التحول الى “إستراتيجية المواجهة” و” إستراتيجية الرد بالمثل”.
في الشهر الماضي تابعنا إقتراب إيران من الدخول في حرب مع الولايات المتحدة بعد أن أسقطت الجمهورية الإسلامية طائرة مسيرة أمريكية بصاروخ أرض جو، في خطوة كادت تدفع ترامب لشن ضربة إنتقامية. ويبدو انه نفذها الآن لكن في توقيت غير مناسب .
ولا يغيب عن المراقبين إن تزايد إستخدام إيران أو حلفائها في المنطقة للطائرات المسيرة هو إستراتيجية تهدف إلى التصدي للضغوط التي تفرضها واشنطن وخصوم أخرين مثل السعودية وإسرائيل.
وللعلم أن طهران تسير يوميا طائرتين دون طيار أو ثلاث فوق مياه الخليج ، وهي جزء أساسي في جهود إيران لمراقبة مضيق هرمز الذي يمرعبره خمس إمدادات النفط العالمية.ولا تغفل واشنطن ان مجاميع الميليشيات في منطقة المضيق تمتلك القدرة على تنفيذ الهجمات بإستخدام الطائرات المسيرة. فهل سيقومون بإستهداف مصالح أمريكية؟ أم ستقوم أمريكا بإستهدافهم ؟
بعد التحذير الإيراني لترامب من أن إيران ستتخذ إجراءات مضادة للدفاع عن نفسها، في حال إقدام الولايات المتحدة على تنفيذ أي خطوات عسكرية ضد الجمهورية الإسلامية كيف ستكون ردة فعل طهران بعد هذه الخطوة الإستفزازية ؟.
فقبل أيام عدة صرح وزير الخارجية الإيراني ” لا أعتقد أنه سيكون هناك أحد في مأمن حال إندلاع الحرب في المنطقة، لكن دعونا نتجنب الحرب، ولا نحتاج إلى نشوبها ” فهل مازال ظريف بهذا الإعتقاد .خاصة مع تصريح ترامب بإدانة محاولة إيران عرقلة حرية الملاحة والتجارة العالمية.وفرض عقوبات على خمسة أشخاص وسبعة كيانات لإرتباطهم بشبكة عالمية للمشتريات تعمل لصالح برنامج إيران النووي.
أمريكا و إسرائيل و أوروبا يعلمون جيدا مدى تأثير التصعيد على مصالحهم في الشرق الأوسط . و ان أي ضربة عسكرية ضد إيران ستكون إنتحار إقتصاديا يفقدهم وسيلة إبتزاز و يحرمهم مليارات الدولارات.
واشنطن الآن مدعوة الى مواجهة تحديات إضافية من جانب إيران ، خاصة وان المجتمع الدولي بشكل جماعي يحمل إدارة ترامب بعد إسقاط الطائرة المسيرة الايرانية مسؤولية التسبب بوجود الخطر. ولا يحتمل أن يمارسوا ضغوطا حقيقية على إيران إلا إذا اعتقدوا أن الإدارة الأمريكية مستعدة للتحرك عسكريا ضد البنية التحتية العسكرية الإيرانية.
بالمقابل النظام الإيراني ملتزم بإتجاه إستراتيجي معين لكن خطواته مدروسة ، وسيكون من الصعب صرفه عن هذا المسار. ولديه وسائل غير مباشرة أو سرية ، و لاننسى الوكلاء كأهم أداة إحتياطية . و طهران تحاول تفادي الخطوط الحمراء التي يفرضها خصومها، لكنها قد تسلك نهجا أخرعندما تواجه ردا معاكسا ، و سرعان ما ستبحث عن وسائل بديلة لتحقيق أهدافها. وقد تتخلى عن هذه الأهداف إذا أصبحت مكلفة للغاية، ولكن مثل هذا القرار قد يعتمد على تقييمها لدوافع واشنطن، وتحملها للمخاطر، وإستعدادها لتحمل تكاليف خاصة بها. وإن كانت إيران راكمت خبرة في فهم السياسة الأميركية منذ بوش الأب وحتى نهاية فترة أوباما، فإنها خلقت آليات جديدة في التعامل مع ترامب وفريقه، الذين يتحركون بعداء واضح نحو الجمهورية الإسلامية.
اللعبة الأهم في المشهد هي الأمن البحري اذ يبدو جليا ان جميع الأطراف متفقة على نشر قوة بحرية صلبة ومتعددة الجنسيات في المنطقة وتمكينها من التدخل للدفاع عن حرية الملاحة في الممرات المائية الإستراتيجية والموانئ في المنطقة. وما يشملها من تعزيزالدفاعات بوجه الصواريخ الجوالة والباليستية ومضادات أساسية ضد اي هجمات سيبرانية إيرانية . والسعي وراء إيران للإعتراف بمضيق هرمز كمضيق دولي سيخضع ربما لتشريعات دولية مدروسة بعناية تخدم أطراف دون غيرها .
وإن كانت إيران لا تملك حق إغلاق مضيق هرمز من وجهة نظر القانون الدولي، لكنها من الناحية العملية قادرة على فعله خاصة أن الحرس الثوري في السنوات الماضية قد أجرى تجربة محاكاة لإغلاق القناة. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي هددت فيها إيران بإغلاق المضيق؛ إذ سبق لهاشمي رفسنجاني، في عام 1985 أن هدد بذلك بالقول: “إن إغلاق مضيق هرمز لا يتطلب إمتلاك صواريخ، ويمكن لإيران أن تغلقه بالمدفعية. إذا أُغلق مضيق هرمز، فإن الخليج بأكمله تحت أسلحة طائراتنا وسفننا ومدفعيتنا”.
كما ان إيران بفعل الواقع الجغرافي وبفعل علاقاتها مع جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، لديها تأثير أمني على باب المندب وقناة السويس وفي علم السياسة يقال ان التهديد وليس القوة هو ما يجعل الدول تسعى لتوازن القوى ، اذ أن التهديد وليس القوة هو ما يشكل ثقل القلق الأمني للدول في النظام الدولي. فالدول تسعى لزيادة قدراتها العسكرية لتحقيق التوازن، ليس في القوة، وإنما في التهديد.لكن في علم السياسة أيضا يقال تصاعد التهديد بين الدول يعكس جانبا مهما من رغبتها في التفاوض أكثر , ومع التهديدات اللفظية تحاول إيران مخاطبة عقلية ترامب الحسابية، بحيث تجعله يحسب الخسائر والمخاطر، لكنها على إستعداد لمواجهة تتجاوز التهديد اللفظي أكثر من أي وقت مضى. فهل يستمر ترامب باللعب بذيل الأسد كما وصفه حسن روحاني ؟؟؟.
*كاتبة المقال: إعلامية أردنية