رغم مسرحة مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبو بكر البغدادي , وصندقة العملية لخلط الأوراق على الأرض , إلا ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلنها , ان البغددي كلب ميت , وهي كلمات تصف تماما مكانته لصاحبه. وقبل سبعة أشهر أعلنها ترامب أيضا , بأن الإنتصار على تنظيم “داعش” قد تم ، ليطرح السؤال حول مدى قناعة ترامب بالمكتسبات التي ستنتج في مرحلة ما بعد البغدادي.؟؟؟ وما مدى خطورتها ؟ وما مدى تفاعلها؟.
قبل الخوض في غمار التوقعات نعتبرعملية مقتل البغدادي ورقة تم إحراقها , فهو أداة خاسرة مكشوفة , وان إحراق أوراق القيادات وأسماءهم أو تصفيتهم لا يعني أبدا ان الإرهاب يقف حائراً في المنتصف , اللافت في الأمر , المكان الذي أُعلن فيه عن مقتل البغدادي ، وهو محافظة إدلب والذي لا يخفى على المتابع أن النفوذ الأكبر هناك، لا يعود إلى داعش وإنما إلى جبهة النصرة ونحن نعلم مدى التوتر في العلاقة بينهما وتحولها إلى معركة صفرية، يسعى فيها أحدهما إلى تدمير الآخر ، أما عنصر التوقيت فيرتبط بالمعطيات الجديدة التي فرضتها العملية العسكرية التركية والتفاهمات الامريكية التركية الروسية ، ويرتبط التوقيت كذلك بالإنتقادات الداخلية الأمريكية التي يتعرض لها ترامب ولعبته الإنتخابية خاصة لجهة مقارنتها بخطوات نوعية إتخذها رؤساء أمريكيون سابقون فيما يتعلق بالمواجهة مع التنظيمات الإرهابية كذلك بسبب قراره سحب جزء من القوات الأمريكية في سوريا، وإحتمالية أن يدفع ذلك تنظيم داعش إلى محاولة ملء الفراغ جغرافيا.
المثير للإستغراب أكثر الصمت الأمريكي وعدم تسليط الضوء على استمرار وجود وهروب القادة وكوادر التنظيم من مراكز الإحتجاز التي كانت تسيطر عليها ميليشيا قوات قسد الكردية , اذ تحرس حوالي 20 سجنا صغيرا يحتجز 10 آلاف شخص متهمين بأنهم أعضاء في داعش. كما يسيطر الأكراد على عدة معسكرات تضم 70 ألف امرأة وطفل متهمين بأنهم أفراد من عائلات مقاتلي داعش وجيل جديد مفعم بالفكرالأيديولوجي الداعشي ويشهد نقلة نوعية ،ليصبح أكثر تطرفا وراديكالية ، ويمكن رؤية ذلك في الفتاوى وتأويلات التفاسير التي تنشرها تلك التنظيمات على صفحاتها بمواقع التواصل الإجتماعي وكما وصفهم ترامب في كلمته بأنهم الأكثر مهارة وتقنية في إستخدام الانترنت في العالم .
اذن، المسارات الآن تختلف فيما ستكون عليه حرب التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم داعش، أو فيما يتصل بمدى تماسك التنظيم من الداخل ، بإعتبار أن غياب البغدادي يمكن أن يؤدي ربما إلى انقسامه لمجموعات فرعية أصغر وهل يمتد الخلاف ليطال الجنود المشاة والقادة من المستوى المتوسط؟ مع الحديث عن قائد جديد لداعش بوحشية وهمجية وقسوة عبدالله قرداش المكنى بـ”أبوعمر” ، ستتم مبايعته كخليفة محتمل للتنظيم .
أو ربما قد يرتبط بنمط تفاعلاته مع تنظيمات إرهابية أخرى، مثل تنظيم (حراس الدين) الذي ينتمي اليه موروث الزرقاوي من قدامى الجهاديين الأردنيين في سوريا وهناك تقارب تاريخي وأيديولوجي مع داعش، مما يزيد من إحتمال نجاحهم في تجنيد عناصر لصالح تنظيم القاعدة الذي سوف يسعى، في الغالب، إلى استغلال تلك الخطوة في تعزيز نشاطه خلال المرحلة القادمة. والنتيجة ساحة من الفسيفساء الارهابية , والبيئات المحتقنة إجتماعيا وعرقيا وطائفيا ترصع خريطة المنطقة من بحر العرب حتى ضفاف الأطلسي، إلى جبال أفغانستان.
الأغلب سيتشكل تنظيم خراسان بصورته الأوسع وهو الأكثر قابلية لقيادة المشهد رغم ان تغييرالتسمية مجرد خدعة، لان الفكر والهدف واحد وإعادة صياغة طويلة الأجل لصور القتل داخل وخارج سوريا.. وهكذا، هذا التنظيم يعد الأخطر ضمن التنظيمات الإرهابية الصاعدة ، على الأمن العالمي.
لكن السؤال العقيم يبقى على المدى الطويل ما مدى حصوله على شرعية سياسية قوية ، وفي نفس الوقت قدرته على شن هجمات إرهابية ضخمة.؟؟
طبقا لتقرير نشرته القيادة المركزية للجيش الأمريكي بالتزامن مع مؤتمر صحفي للكونجرس بتاريخ 6 نوفمبر 2014،كذلك ما صرحت به الإستخبارات الخارجية البريطانية في 2015 من معلومات عن الحضور الداعشي الجديد في الداخل الأفغاني تم إستخدام اسم “خراسان” لأول مرة إعلاميا , وبأنه تنظيم يتضمن فلول داعش والقاعدة وطالبان وأخرى من حركة أوزبكستان الإسلامية، ويضم مقاتلين من آسيا الوسطى والقوقاز ومقاتلين عرب وافغان وشيشان وايغورالصين .وتم التحذير من خطورة هذا التنظيم مستقبلا وانه سيتم إستخدامه في العراق بصورة شرسة من قبل أطراف دولية وهو ما يبدو جليا الآن ما وراء الصورة العراقية.
خراسان هو النسخة الثانية الأكثر وحشية من تنظيم داعش، بل أننا إزاء داعش جديد بلمحات ، بل توجهات أصولية مختلفة؟ وفي منطقة سيحتدم بها الصراع بين موسكو وواشنطن من جديد؟
وضمن الفوضى التي ستولد، ستحدث كوارث إرهابية عالمية في قادم الأيام، مع فكرة وجود دعم دولي مزدوج لكل جماعة إرهابية،. و مع وجود الدواعش الخراسانية سندخل معركة أقطاب كبرى بالوكالة لا طرفا قطبيا بعينه وستدور رحى الحرب على أراض أكثر إتساعا ستصل حتى حدود باكستان وروسيا والصين.
و صراع الأقطاب الدولية سيفتح الأبواب واسعة أمام جميع السيناريوهات، ولا سيما مع الإجراء الأميركي الأخير بسحب القوات والذي جعل كل المهتمين والدواعش أنفسهم يتساءلون، ما الذي تنويه إدارة الرئيس ترمب تحديدا بالنسبة لهذا الملف الذي يكاد الغموض يلفه بشكل كبير؟.
سحب القوات الأميركية ، والإستعاضة عنها بمجموعات مقاتلة من الشركات الأمنية الخاصة ، ويبدو أن شركة «بلاك ووتر» ومرتزقتها العرب لهم نصيب الأسد في هذه الخطة المقبلة،ونذكر هنا بعمليات البلاك سوان الخاصة والمشتركة الإسرائيلية الأمريكية مثل ما حصل في الفترة الأخيرة في مضيق هرمز وغيرها , وهنا،امريكا ستخفض ما قيمته نحو 70 مليار دولار والتي تشكل تكلفة الحرب سنوياً , مع ما تدفعه دول البترودولار الخليجية من مليارات اضافية ؛ الأمر الذي يخدم أهداف ترامب الإقتصادية في الداخل.الذي أكد في كلمته إن هدف أمريكا الآن هو حراسة النفط الذي غذى تنظيم الدولة وعملياته، و انه يجب أن تأخذ واشنطن حصتها الآن وسيتم عقد صفقة مع شركة عالمية بهذا الخصوص في نكتة لن نصدقها من ان واشنطن لم تقم بهذا الدور من قاطعي الطرق ولم تعتاش على النفط العربي طوال عقود ليؤكد ترمب ببراءة ان أمريكا لا تريد أن تستمر في حراسة سوريا وتركيا وهما تتقاتلان منذ 200عام دون فائدة , وان الدور الامريكي الآن هو فقط لتأمين النفط ؛ ما يعني أن مخططات الحروب الجديدة بالوكالات، وضمنها الإرهاب في طبعته الداعشية المختلفة، ماضية قدما من دون أن توجه إتهامات تاريخية لترامب.
نهاية الحديث سيبدأ فصل جديد من فصول الإرهاب الأصولي لم تتكشف أبعاده بعد بالمطلق، وإن كان المتوقع أكثر ظلامية وسوداوية مما شاهدناه من داعش سابق في الشرق الأوسط.
* كاتبة المقال: إعلامية أردنية