شاهدنا اليوم مراسيم جنازة قاسم سليماني ومن قتل معه في طهران تمت إقامة صلاة الميت عليه بإمامة خامنئي وبمشاركة جميع أركان حكم الملالي ومن يدور في فلك ولاية الفقيه في لبنان وفلسطين وغيرهما. لكن الحدث الأهم في المشهد هوأن خامنئيأثناء الصلاة أجهش بالبكاء على موت إبنه البارّ- إن صحّ التعبير. هذا المشهد غير معهود خلال هذه السنوات الطوال في حكم الملالي. وكان مشهداً معبّراً جداً لما يؤول إليه مصير نظام ولاية الفقيه بعد خروج قاسم سليماني من الساحة. فهذا البكاء لم يكن بكاء العاطفة أو التعبير عن المشاعر الجياشة الإنسانية. لأن خامنئي ومن معه أثبتوا بأن ليست لديهم أدنى عاطفة إنسانية. قبل 50 يوماً عند ما جاء أبناء الشعب الإيراني إلى شوارع المدن للتعبير عن استيائهم وغضبهم من تصرّفات النظام وصفهم خامنئى بـ«الخونة والأشرار» وأمر علناً وسرّاً بإبادتهم والقضاء عليهم. أين ذهبت العاطفة والبكاء آنذاك؟ وأين كانت هذه العاطفة عند ما قامت قوات خامنئي بارتكاب المجازر بحقّ أهل السنة في العراق قبل سنوات وبشيعة العراق هذا العام حيث بلغ عدد شهداء انتفاضة الشعب العراقي أكثر من 500 شخص وعدد الجرحى أكثر من ثلاثين ألفاً، منهم حوالي ثلاثة آلاف معاق. وقبل ذلك وأكثر من ذلك في سوريا حيث ارتكبت الجزّارين المؤتمرين بأمر خامنئي وقاسم سليماني مجازر بحق مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري. كما شاهد العالم في العام 2016 وبعد معركة حلب والمجازر بحق أهالي هذه المدنية أن قاسم سليماني داس بأقدامه جثامين شهداء الشعب السوري بدخوله منتصراً هذه المدينة المنكوبة. وإذا أردنا سرد الجرائم التي ارتكبها خامنئي داخل إيران وضد شعوب الشرق الأوسط سواء من خلال تأجيج نيران الحروب في سوريا والعراق واليمن وافغانستان أو من خلال تصدير الإرهاب إلى الكويت والبحرين والسعودية وتركيا والباكستان وسائر دول العالم يصل عدد ضحاياه إلى ملايين. وهنا نصل إلى ما يقوله الاستاذ سيد أحمد غزالي رئيس حكومة الجزائر الأسبق بأن نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران قتل أكبر عدد من المسلمين في العصر الحديث.
فالدموع لاتنهمر من عيون خامنئي بسبب عواطفه الإنسانية. وبالمناسبة كان بجانبه في هذه المراسم إبراهيم رئيسي الذي هو الآخر أيضاً أجهش بالبكاء، وهو من نصبه خامنئي مؤخراً على رأس السلطة القضائية، ويقال أنه مرشّح ليكون خليفة خامنئي في منصب الولي الفقيه. رئيسي كان عضواً في لجنة الموت التي أعدمت آلاف من نساء ورجال مجاهدي خلق في سجون طهران وكرج في مجزرة عام 1988.
وقبل فترة أعلن أنه فخور بسبب تنفيذ فتوى خميني في هذا المجال! دموع خامنئي وأتباعه كان بسبب الفراغ الستراتيجي الذي حصل لنظامه بعد خروج قاسم سليماني من الساحة. ولا يمكن له تعويض هذه الخسارة ولن يجد من يملأ هذا الفراغ، وهذا ما صرّحت به السيدة مريم رجوي في أول تعليق لها على مقتل سليماني. بالعكس نفوق سليماني في عيون خامنئي معناه افول وهبوط النظام الذي بناه خلال هذه السنوات على عظام أبناء الشعب الإيراني وأبناء شعوب الشرق الأوسط. قاسم سليماني كان نائب خامنئي في إدارة البلدان التي خضعت لإرادة ولاية الفقيه، وكان المشرف على شؤون لبنان من خلال حزب الشيطان وحسن نصرالله، وعلى سوريا من خلال بشار الأسد وحكمه، وعلى العراق من خلال نوري المالكي و الآخرين من رؤساء الاحزاب التابعة له وميليشيات الحشد الشعبي، وعلى اليمن من خلال الحوثيين و… في الحقيقة كان قائد قوات القدس هو الذييحكم هذه البلدان.
من جهة أخرى كان قاسم سليماني ثمرة مصادفات وتطورات واحداث لثلاثة عقود منها، على سبيل المثال ولا الحصر، احتلال العراق بيد الأمريكان وتقديمهم هذا البلد الغني بكل شيء إلى نظام ولاية الفقيه على طبق من ذهب. هذه الأحداث وهذه التطورات لن تتكرّر.
من جهة أخرى خامنئي يعرف افضل من أي طرف آخر بأن الشعب الإيراني يعمل بكل ما لديه من قوة للتخلص منه ومن نظامه، كما أن الشعب العراقي أيضاً عقد العزم بانتفاضتهللتغلّب على هذه الحقبة السوداء. والظروف الدولية بدأت تتلاءهم لمثل هذا التطور الكبير في إيران وفي العراق. في هذه الظروف العصيبة كان خامنئي بحاجة ماسّة إلى قاسم سليماني. فقتله بأمر من الرئيس الأميركي معناه أن عهد المسايرة والمهادنة بين الولايات المتحدة ونظام ولاية الفقيه انتهت وبدأت مرحلة المواجهات. هذه الصورة القاتمة لنظام خامنئي هي التي تجعله يجهش بالبكاء. وفي المقابل لا شك أن بشارة القرآن الكريم أصبحت حقيقة واقعة حيث يقول: «… وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ» صدق الله العظيم.
* كاتب المقال: رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية